مـن يعيش في كنـف العادات يكتسب بالفطـرة :
يتعلم
الناس التطبيل والتهويل والتعتيم والتضليل من أجهزة الإعلام الموالية
للنظم .. من مقروءة ومسموعة ومشاهدة وغيرها .. حيث تشاهد الحقائق بعينها ثم
ترى تناقضاً في واقع الحال .. وهناك من يوجد الأكاذيب ثم يجعلها فرضاً
مفروضاً لا يقبل المجادلة .. ولو أن تلك الأجهزة المسخرة سخرت جهدها في قول
الصدق لتعلم الناس الصدق .. ولو أنها اتخذت الحيادية منهجاً في بيان
الموجب والسالب في نظام قائم لكانت الذمم نظيفة وخالية ومتبرئة من الشكوك
.. والناس تعرف المقتضيات وتعرف المقدرات الذاتية لكل دولة .. ولا أحد
يتوقع أن يحصل في النهاية إلا المقدور المتاح .. فلا يكلف الله نفساً إلا
وسعها .. فما الذي يبرر الأكاذيب لتكون سمة مستأصلة لتلك الأجهزة .. والبعض
يطلق عليها اسم الأقلام المأجورة .. فهل هي كذلك بالقدر الذي يجعل من صاحب
القلم أن يهادن وينافق حتى يكسب رزقه .. والفعلة قد تكون مبررة بحكم
الظروف السائدة إذا حكمنا بأن الجوع كافر .. ولكن المحصلة في النهاية بث
أخلاقيات غير سوية في المجتمعات .. ونشر ما لا يصدق وما لا يكون ..
والاجتهاد منها بكل وسيلة حتى تجعل من تلك النظم قمة المثالية فقط بالتطبيل
الإعلامي .. وتلك الإعلام جبلت على الإصرار بأن البلاد لم تشاهد حالات
رخاء وأمن ورفاهية إلا في ظل النظام القائم .. وتلك مقولة عبارة عن ديباجة
شبه رسمية لكل نظام قائم في أي موقع بغض النظر عن الحقيقة أو عدم الحقيقة
.. وهي تدعي إعلامياً بأن التعليم لشعب من الشعوب مجاناً وأن العلاج مجاناً
وأن الأمن مستتب .. وأن فرص العمل لكل أفراد الشعب متاحة ومنتظرة من
يشغلها .. ولكن الواقع يكذب .. ويثبت الحقائق بأن ذلك كلها شعارات جوفاء
جرت عليها العادة بحكم التطبيل .. ولا تستند إلى حقائق في أرض الواقع ..
والمصيبة تكون جليلة إذا تعمدت تلك الإعلام في أخفاء مفاسد النظم من
اختلاسات للمال والملكيات العامة .. أو أخفت ممارسات العمالة والخيانة
للنظم التي تهادن وتتعاون مع أعداء الأمة .. وإذا وضعت تلك الإعلام أمام
محك ثابت لا يحتمل التورية أو الإخفاء نراها تتواضع بدرجة مخجلة ثم تأخذ
الحقيقة في نطاق ضيق ثم تحاول أن تبتعد من ساحة الحقيقة المرة في أسرع وقت
ممكن .. فتلك الإعلام مدعومة من النظم لتجد الساحة متاحة إلى ما لا نهاية
.. بينما تكون فرص الإعلام المناوئة شبه معدومة وإذا تجرأت وقالت الحقائق
فهي في الغالب بين مطرقة وسندان القوانين المجحفة التي تسكت الحق وتبيح
الباطل .. وأقلام الشرفاء عادة هي محاربة من النظم في الدول النامية ..
لأنها تتشرف بالحيادية وتلك سمة كم أجلبت لأهلها من حالات المحاربة
والملاحقة والرمي في المعتقلات والسجون .. وكم نتمنى أن نأخذ في بلادنا حذو
الدول المتقدمة التي بدأت تختفي فيها إعلام النظم وإعلام التطبيل بغير كلل
أو ملل .