الوجودية:

الوجودية
هي تيار فلسفي يعلي من قيمة الانسان ويؤكد على تفرده، وأنهصاحب تفكير
وحرية وارادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. و هي حركه فلسفيه تقترح
بانالانسان كفرد يقوم بتكوين جوهر و معنى لحياته. ضهرت كحركه ادبيه و
فلسفيه في القرنالعشرين, على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقه.
الوجوديه توضح ان غيابالتاثير المباشر لقوه خارجيه ( الاله ) يعني بان
الفرد حر بالكامل و لهذا السبب هومسؤول عن افعاله الحره. والانسان هو من
يختار و يقوم بتكوين معتقداته و المسؤوليهالفرديه خارجاً عن اي نضام مسبق. و
هذه الطريقه الفرديه للتعبير عن الوجود هيالطريقه الوحيده للنهوض فوق
الحاله المفتقره للمعنى المقنع ( المعاناه و الموت وفناء الفرد).
التأسيس وأبرز الشخصيات
يرى
رجال الفكر الغربي أن "سورينكيركجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة
الوجودية. من خلال كتابه "رهبة واضطراب". أشهر زعمائها المعاصرين هم:
• جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي.
• القسجبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والمسيحية.
• كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني.
• بسكال بليز: مفكر فرنسي.
• بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييففي روسيا.
الأفكار
• يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونهمنطلقاً لكل فكرة.
• يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كانعدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.
• يعتقدون بأن الأديان والنظرياتالفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.
• يقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريتهوغرائزه ومشاعره.
• يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كمايشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
• يقولون إن على الإِنسان أن يطرح الماضيوينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.

لا يؤمنونبوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما
يريد وليس لأحد أنيفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
أقسام الوجودية
الوجودية تنقسمإلى قسمين: (وجودية) ملحدة، و(وجودية مسيحية).
أما
الوجودية الملحدة فمن أبطالهافي عصرنا الحاضر: (جان بول سار تر) وقد ولد
عام (1905م) ومارس التدريس في (الهافر) ثم في المعهد الفرنسي بـ (برلين)،
واعتقل عام (1940) ولبث سنة كاملة في السجن، ثمتخلى عن مهنة التدريس وقد
تأثر في فلسفته بمؤلفات (هوسرل)(1) و(هيجدر)… وقد كانشيوعياً في ابتداء
أمره، ثم عدل عن ذلك إلى (الوجودية) التي تزعمها، وصار على طرفينقيض مع
الشيوعية، ولذا كل من الفريقين يحارب الآخر ويهاجمه أشد مهاجمة، لكنه
بعديعتقد بأن المستقبل للاشتراكية، لأن ظروفها باقية، ولسارتر مكان خاص في
(باريس) يرتاده مريدوه، ولهم أشكال غريبة وهيئات خاصة من حيث الملبس وما
إليه، لكن (سارتر) بمبدئه (الوجودي) عاجز عن الإدارة التي تتطلبها الظروف
الراهنة، ولذا يتنبأالمراقبون السياسيون للتيارات: أن مبدأه مكتوب عليه
بالفشل..ولسارتر آراء خاصة حول (الكون) و(الإنسان) و(النظام) و(الأخلاق)
وما اليها، وكثيراً ما يميل إلى صب آرائهفي القوالب القصصية، مما يجعل فهم
آرائه أصعب، والوجودية ليست مبدءاً اخترعها هو بلكانت من ذي قبل وإنما نفخ
فيها وجعل لها قوالب جديدة.
أما الوجودية المسيحية فمنأبطالها: (غابريل مارسال).
وهاتان
الوجوديتان، وإن كان بينهما نقاط من التفاهم،إلا أن بينهما نقاطا أكثر من
التخالف… كالاختلاف الكثير بين اتجاهات رجال كل تيارمن (الملحدة)
و(المسيحية) فالوجودية فرق ومذاهب، وان جمعت الكل خطوطرئيسية..
الوجود والماهية
هنا (ذهن) و(خارج).
فما يتصور في الذهن، يسمى (ذهنياً)، وما يكون في الخارج يسمى (خارجياً).
مثلاً: إذا تصورت (إنساناً ذارأسين) أو تصورت (زيداً) أو تصورت (جبلاً من ياقوت) سمي كل ذلك (ذهنياً) لأن موطنهعالم الذهن.
أما
(زيد) و (البرتقال الموجود على الشجرة) و(الجسر المعلق فيبغداد) و (مرقد
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف) فكل ذلكخارجي،
لوجودها في العالم (خارجاً عن الذهن).
ثم .. إن هذه الأمور الخارجية، كلواحد منها له جزءان (المهية) و(الوجود).
و(المهية)
هي الأمر الخاص بكل فئة منالأشياء، و(الوجود) هو الأمر العام الشامل لجميع
الأشياء. مثلاً: (الإنسان) و(الفرس) و(النخل) و(الماء) و(الذهب) كلها
مشتركة في أن الجميع (موجودة) ولذا يحملالموجود عليها، فتقول: (الإنسان
موجود) (الفرس موجود) وهكذا.
وذلك بخلاف (المهية) فان حقيقة الإنسان ومهيته، غير حقيقة الفرس ومهيته، وكذلك بالنسبة إلىسائر الموجودات.
وان
شئت وضوح ذلك مثلت الوجود بـ (الضياء) الذي يغمر الأشياء،فكل ما في الغرفة
يشع عليه ضياء المصباح، بينما لكل واحد مما في الغرفة حقيقة خاصةبها.
وإنما تسمى (المهية) بهذا الاسم اشتقاقاً من (ما هي).
ثم
إن (الوجود) و(المهية) إنما يتصور فيهما الاثنينية عقلا، أما خارجاً، فلا
يعقل الانفكاك بينهماإذ (الوجود) البحت بلا مهية غير معقول (في الممكنات)،
كما انه لا يمكن أن يكون فيالخارج (مهية) مجردة بلا وجود.
وكيف كان..
فالكلام حول الوجود والمهية طويلجداً.. وإنما ذكرنا هذا القدر لتعرف اجمال
المطلب ثم تنظر إلى انه كيف يرتطم هؤلاءالفلاسفة الجدد، الذين اتسموا بسمة
الفلسفة، في متاهات، ونكتفي بأمثلةقليلة.
فالوجودي الكاثوليكي، ج. مارسيل(9)، يقول:
«لقد
طالما شغلتني مشكلةاسبقية الماهية بالنسبة إلى الوجود» وهو يفهم من كلمة
(ماهية) «ما لا يتعدى المدرك» أي الأفكار العامة التي نستخدمها في التفكير ـ
كما يفسره بول فلكييه ـ: وهو يرىأيضاً كل إنسان هو الذي سيحدد ما يكون وهو
الذي يختار ماهيته الفردية «فنحن لسنا فيالواقع إلا ما نصيّره».
أرأيت
كيف خبط (مارسيل) الفلسفة بالأوهام، فأي ربط بين (المهية) وبين (ما لا
يتعدى المدرك)، فانك لا تجد كتاباً من كتب الفلسفة الناضجة،إلا تراه يبين
أن (المهية) ما لها موطن في كل من عالمي (الذهن) و(الخارج).
ثم.. ما
معنى (المهية الفردية) إلا اصطلاحاً غير ناضج. فالفرد له مقومات تكوينية،
كما أنله تفكيراً يمكن به من تغيير بعض أنحاء سلوكه، وكلا الأمرين لا
يرتبطان بالمهيةبالمعنى الفلسفي.
أما (سارتر) الوجودي الملحد، فله فلسفة
نيّة مدهشة في عدمالنضج، لا حول موضوع (الوجود) و (المهية) فحسب، بل حول
كل مفهوم فلسفي، وأراني اضطرإلى نقل جملة من كلامه.
ففي كتاب (وجودية ووجوديين) ص52 نقلاً عن مجلة (العمل) 27 كانون الأول 1944 ما نصه:
«التعابير
الفلسفية ما يدل على أن لكل شيء منالأشياء ماهية ووجوداً، فالماهية هي
مجموعة ثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع منالحضور الفعلي في العالم… يعتقد
كثير من الناس أن المهية تأتي أولاً ثم يتبعهاالوجود، إن أطول هذه الفكرة
موجودة في التفكير الديني: بدليل أن من يريد بناء بيتيحسب أن يعرف بدقة
صورة هذا البيت وهيئته وهنا تسبق الماهية، وكذلك شأن من يؤمنونبأن الله هو
خالق الناس انهم يعتقدون أن خلق الله قد تمّ بعد أن استعان بفكرتهعنهم، وهي
ماهيتهم، أما الذين لم يحتفظوا بإيمانهم بالله فقد احتفظوا بهذه
الفكرةالتقليدية القديمة بان الشيء لايتحقق وجوده ما لم يكن منسجماً مع
ماهيته، وقد رأىالقرن الثامن عشر كله، أن هناك ماهية مشتركة عامة، لكل
الرجال دعيت بالطبيعةالبشرية، وخلافاً لهؤلاء جميعاً تؤكد الوجودية: أن
الوجود يسبق المهية عند الإنسانفقط والإنسان وحده، يعنى هذا ببساطة كلية:
أن الإنسان يكون أولا، أي يتحقق وجوده ثميصبح بعد ذلك هذا أو ذاك».
إن هذا الكلام الفج ليتعجب منه الإنسان ايماتعجب.
فأولا.. أي ربط بين القول بأصالة المهية أو أصالة الوجود، وبين الإيمانبالله وعدم الإيمان به؟
وثانياً.. أي ربط بين المهية، وبين التصور؟
وثالثاً.. ما معنى الانسجام بين الماهية والوجود؟
ورابعاً.. ما معنى كون المهية مجموعةثابتة من الخصائص، والوجود هو نوع من الحضور الفعلي؟
وخامساً.. لا معنى إطلاقاًلان الوجود يسبق المهية عند الإنسان فقط، دون ما سواه.
وسادساً.. من الذي كانيزعم أن خلق الله قد تم بعد أن استعان بفكرته عليهم؟
1
أن مسألة أصالة الوجود أوالمهية، كما قررها الفلاسفة شيء يرتبط بالآثار ،
لا بالإيمان إطلاقاً .. فالقائلبأصالة المهية يقول: بأن الآثار لها،
والقائل بأصالة الوجود يقول بأن الآثار له،ويمكن أن يكون كل واحد منهما
مؤمناً كما يمكن أن يكون كل واحد منهما ملحداً، أوأحدهما مؤمناً، والآخر
ملحداً ـ هذا مؤمن وذلك ملحد أو بالعكس ـ .
2 والمهية لاربط لها بالتصور، فهي بمعنى الحقيقة التي تأتي في الذهن كما تأتي في الخارج.
3
والمراد بانسجام المهية مع الوجود ـ الذي قاله الفلاسفة ـ إن من المهيات
ما لا يعقلوجودها كشريك الباري وأعظمية الجزء من الكل، وما أشبه.. كما أن
من المهيات ما يعقلوجودها، وهذا القسم تارة توجد ـ كالإنسان ـ وتارة لا
توجد ـ كجبل فضة ـ وهذا كماتراه لا ربط له بكلام (سارتر) إطلاقاً.
4 والمهية والوجود قد عرفت تعريفهما ـإجمالا ـ في أول هذا الفصل، ولا ربط لما ذكره (سارتر) بما تقدم.
5
ولم يدع أحدمن الفلاسفة أسبقية الوجود على المهية خارجاً أو بالعكس، وإنما
كلامهم في مقامالتصور، كما أن العقل يتصور تقدم حركة اليد على حركة
المفتاح، وإن كانا مقارنين فيالوجود.
6 والله سبحانه لا يفكر إطلاقاً، فالتفكير من صفات الممكن لاالواجب ـولم يقل بتفكيره أحد من الفلاسفة ـ .
وجود الله تعالى
هل رأيت أثراً بدونمؤثر؟
وإذا رأيت الأثر ولم تر المؤثر، فهل يمكن أن تقتنع بأنه لا مؤثر لهذاالأثر؟
فإذا
رأيت (قلماً) أو (ساعة) أو (مصباحاً) أو (صورة إنسان) ولم تر الذيصنع هذه
الأشياء، ثم سألت عن الصانع لها؟ فقيل لك: انه لا صانع لها.. فهل تقبل
كلامالمجيب أم تضحك من كلامه؟
وإذا قال لك: انك لم تر الصانع، فيكف تؤمن بوجوده،فلعل (القلم) صنع من نفسه؟ فهل يهديك عقلك إلى القبول؟
إن
هذه أمثلة على وجودالله تعالى.. فإذا كانت الصورة المنقوشة لا بد لها من
صانع، فكيف يمكن أن يكون أصلالصورة ـ أي الإنسان ـ بلا صانع؟
والحاصل: إن العقل يرى ـ بالفطرة ـ ضرورة وجودصانع للكون، ومن يقول لا يهديني عقلي إلى ذلك، فهو أما غير ملتفت أو كاذب.
ثميأتي بعد ذلك دور السؤال: إذا كان الصانع موجوداً، فلماذا لا نراه؟
والجواب:
إنكثيراً من الأشياء موجودة ولا نراها، فالهواء موجودة ولا نراها، والقوة
في الأسلاكالكهربائية موجودة ولانراها، والعقل في الإنسان موجود ولا نراه،
والروح في الحيموجود ولا نراه، والأمواج في الفضاء موجودة ولا نراها… إلى
ألف مثال ومثال…
ومنقال: بأن كل شيء موجود لا بد وأن يرى؟
ويأتي بعد هذا وذك دور سؤال ثالث، وهو: لماذا لا تكون الطبيعة هي الخالقة؟
والجواب:
لا يمكن أن تكون الطبيعة خالقة، إذالطبيعة جاهلة عاجزة، وهل يمكن أن يصنع
هذه المصنوعات شيء جاهل عاجز؟ وهذا السؤالمثل أن يقال: إن هذا القصر الفخم
المؤثث من صنع الطبيعة، لا من صنع مهندسين وصناع،فالجواب عن هذا الكلام هو
الجواب عن قول من يزعم أن الطبيعة هي الخالقة!!
ويأتيبعد الأسئلة الثلاثة، سؤال آخر: هو انه لو كان الله هو الخالق لكل شيء، فمن هو خالقالله؟
والجواب ـ باللسان العلمي ـ أن الشيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (واجبالوجود) ‍‍و (ممكن الوجود) و(ممتنع الوجود).
فالواجب وجوده ابدي دائمي، لم يكنفي وقت من الأوقات معدوماً حتى يحتاج إلى الإيجاد والموجد …
والممكن
الوجود، هوالذي يمكن وجوده وعدمه، وكان في القديم معدوماً ولذا يحتاج إلى
الإيجاد والموجد ،كجميع ما في الكون من المخلوقات، حيث لم تكن، ثم كانت ..
والممتنع الوجود، هوالذي لا يمكن أن يوجد، مثل شريك الباري، لاستلزم ذلك المحال، وما يستلزم المحال فهومحال.
إذاً: فرق بين (الله) وبين (ما سواه) فالأول غني عن الخالق والثاني محتاجإلى الخالق.
ولنوضح
ذلك بمثال بدائي ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ حلاء كل شيء منالسكر، أما حلاء
السكر فمن نفسه.. نور كل شيء بالشمس، لكن نور الشمس من نفسها.. دهونة كل
شيء بالدهن لكن دهونة الدهن من ذاته.. إدراك الإنسان بالعقل، لكن
إدراكالعقل ذاتي له.. وكذلك وجود كل شيء بالله، أما وجود الله فمن نفسه.
وهذا
باللسانالفلسفي: كل ما بالغير لابد وان ينتهي إلى ما بالذات، أما ما
بالذات فلا ينتهي إلىغيره، وإلا لزم (الخلف) أولاً، و(الدور أو التسلسل)
ثانياً.
ثم… إن الله سبحانهليس مركباً من (وجود) و(مهية) لأن التركيب من
خواص الممكن، والله ليس بممكن ـ كماعرفت ـ بل واجب .. وانما الله سبحانه
(وجود) لا تشوبه المهية إطلاقاً، إذا عرفت هذهالأسس ـ إجمالاً ـ فانظر إلى
كلمات هؤلاء:
يقول (سارتر) في كتابه (الوجودية مذهبانساني):
كتب
دستويفسكي، يقول: «إذا لم يكن الله موجوداً فان كل شيء يصبحمسموحاً» من هنا
تنطلق الوجودية، فالإنسان متروك لا يعتني به أحد، لأنه لا يجد لافي نفسه
ولا خارجها شيئاً يتمسك به ويتعلق باهدابه، إلى أن يقول: «فإذا كان اللهغير
موجود فإننا لا نجد أمامنا قيماً تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية».
ويقول سارترفي كتابه (الوجود والعدم) في صدد نفي الإله:
«هناك تناقض ضمني في الفكرة التيتقول: بوجود كائن يستمد وجوده من نفسه».
ويقول في كتابه (الغثيان):
«كل موجوديولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه،ويموت بفعل المصادفة».
ويقول (أوغسطين) ـوهذا ليس ملحداً وإنما نأتي بكلامه دلالة على كيفية فهمه لله تعالى ـ :
«الماهيات كلها موجودة في الذات الالهية».
إلى غيرها من الكلمات النافيةلله، أو المثبتة لله على غير هدى.
ثم يأتي بعد ذلك دور من لا ينفي ومن لا يثبتبل يرى كلا الأمرين تجديفاً، يقول (كير كجارد) :
«إن كان من التجديف إنكار وجودالله فمن التجديف الأفظع أن نأتي لنثبت له وجوده».
إلى غيرها من الكلمات التي هيمن هذا القبيل.
1ـ فما الدليل ـ يا سارتر ـ على عدم وجود الله؟
بل
الدليل كماتقدم يثبت وجوده.. وإذا كان هذا الأمر المهم الذي يرتبط به
السلوك ـ بله الآخرة ـلا يستحق عناية الاستدلال، فما هو الذي يستحق عناية
الاستدلال؟
يقول (لاوند) فيكتابه (وجودية ووجوديون):
«البحث في الإله
عند سارتر قصير جداً، ذلك لأن سارترلايؤمن بوجود إله، وهو من ناحية اخرى
قليل الكلام في هذا الموضوع رغم إلحاده الذيلا يحاول أن يبرره في أكثر ما
يكتبه».
إن عرفان أن هناك (مبدءاً) و (معاداً) أملا، من أهم الأمور التي
تشغل بال الإنسان منذ الابتداء، وسيظل يشغل باله إلىالانتهاء.. فان
الإنسان لا بد أن يكيف سلوكه تبعاً لأحد الأمرين من الايجاب والنفي،فكيف
يمكن أن يستسهل في هذا الأمر المهم.
إننا نعتقد بوجود الله ونقيم عليهالأدلة، ونرى أن الذي لا يهتم إلى هذه الناحية بعيد عن نداء فطرته؟
2
ثم أيتناقض في القول بوجود الله؟ فلقد عرفت أن القول بعدم وجوده خلاف
البداهة العقلية.. وقد تقدم في الأمثلة المقربة للمسألة (نور الشمس) وما
أشبه، فهل (سارتر) يقولبالتناقض في كل ذلك؟
3 وهناك فرق بين (عدم المبرر) وبين (عدم معرفة المبرر) وكيفيعيش كل موجود بسبب ضعفه وخوفه؟ أليس هذا أفظع أنواع التجديف؟
ثم..
المصادفة مامعناها؟ فإن أريد عدم العلة، فمن أين ذلك؟ وان أريد أن
(العلية) مطلقاً في كل شيءباطلة، فالأمر انكر، فانه لو قال سارتر بذلك لزم
ان نقول له (الفكرة الوجودية ظهرتبلا علة، أي بلا فكرة) و(الذين دخلوا في
هذا النظام وقبلوا بهذه الفكرة لم يكن لهمفي ذلك علة من مطالعة كتب
والاستماع إلى خطابات بهذا الشأن) وهكذا.. وهكذا.
وقدصدق من قال: (إن الإنسان إذا لم يلتزم بأساس صحيح، لابد وان يخبط عشواء في ألفموضوع).
4
ثم نأتي إلى كلام (أوغسطين) ونقول: ما معنى (أن المهيات كلها كانتموجودة
في ذات الله) فما تقصد بالمهية؟ ثم ما تقصد بأنها كانت موجودة في ذات
الله؟وما الدليل على ذلك؟
إن (المهية) حقيقة الشيء التي بها يكون الشيء
شيئاً خاصاًدون سواه، فحقيقة الإنسان التي بها يكون الإنسان إنساناً لا
فرساً ولاحجراً، ولاماءاً، ‎تسمى (مهية) وهكذا (مهية) سائر الأشياء.. وهذه
المهيات قبل وجودها فيالخارج (ذهنية) بحتة.. فلا معنى لوجود المهيات في ذات
الله.
ثم .. انه قد ثبت فيعلم الفلسفة والكلام استحالة الاثنينية ـ بكل صورها ـ بالنسبة إلى الله تعالى، فأيمعنى لوجود شيء فيه؟
5 أما كيف يكون كل من الاثبات والنفي تجديفاً، فذلك ممالابد أن يفسره القائل؟
ألست
ترى أن ضرورة إثبات كل قائل بمبدأ، مبدأه بدليل،سواء كان مبدأ علمياً أو
تجريبياً ؟ وكذلك القائل بنفي شيء، أيصح أن يقول إنسان: (المربع المستوي
الأضلاع أكبر من المخمس الذي كل ضلع له يساوي ضلع المربع) ثم يقولإنسان
آخر: إن الأمر بالعكس… وإذا سئل كل واحد عن الدليل احجم عن ذلك؟
فإذا
كانالاثبات والنفي في هذه القضية البسيطة بحاجة إلى الدليل، فماذا ترى
بالنسبة إلىقضية (المبدأ) التي يتوقف عليها سلوك الإنسان ـ بله الآخرة ـ؟
ولقد
ذكرت في هذاالفصل كلام الملحد والمؤمن والمتردد، لتعرف إلى أي مستوى واطئ
وصلت الفلسفة العلياعند هؤلاء، التي ينبغي أن تكون في مقدمة المهام
الإنسانية.
فهم حقائقالأشياء
إذا دخلت (صيدلية) ورأيت فيها (قناني)
عديدة، ثم علمت أن كل واحدة منهاتنفع لمرض خاص أو عرفت حجوم القناني
وألوانها، ومقادير السائلات التي فيها، وماأشبه.. فهناك يبقى سؤال آخر وهو:
ما حقائق هذه السوائل..؟
ويجاب: بأن السائل فيهذه القنينة مركب من كذا وكذا، والسائل في القنينة الثانية مؤلف من كذا وكذا..إلىغير ذلك.
ولكن هل ينتهي الأمر إلى هذا الحد؟
كلا!
إذ يبقى سؤال يتفطن إليهالأذكياء، وهو أن (الماء) الموجود في هذه السوائل ـ مثلاً ـ عماذا يتركب؟
وإذاأجيب عن هذا السؤال بأنه مركب من (الهيدروجين والأوكسجين) يبقى سؤال: (ما هي حقيقةالأوكسجين ـ مثلاً ـ )؟
إلى هذا الحد ينتهي العلم، أو يخطو خطوة أخرى إلىالأمام، ثم يقف، وعلامة الاستفهام بادية على شفته (؟).
إن فهم حقائق الأشياء، منأشكل الأمور، ولذا قال (السيد الشريف): «إن معرفة حقائق الأشياء مشكلة».
وقال (الفيلسوف السبزواري) في باب (الوجود):
«مفهومه من أعرف الأشياء وكنهه في غايةالخفــاء»
وهذا هو الذي سبب التجاء (أفلاطون) إلى (مُثله) حيث قال في تمثيله (بالكهف) في الكتاب السابع من الجمهورية: �
فلنتصوّر
كهفاً عميقاً فيه مساجينأسرى، مقيدون منذ ولادتهم، يولون وجوههم شطر
الجدار القائم، في منتهى أعماق الكهف،وعليه يلقى ضياء الشمس ظلال الأشخاص
والأشياء التي تمر في الخارج قرب المدخل، وإذاكان الأسرى المساكين لا
يعرفون إلا هذه الظلال على الجدران، فانهم يعتدون انها هيالحقيقة، ولا
حقيقة سواها، ولو جر هؤلاء إلى خارج الكهف ليروا ضياء الشمس، أوالأشياء
التي كانوا ينعمون النظر في ظلالها لغشيت أبصارهم وانبهرت فلا ترى
شيئاً،وهكذا يحتاج هؤلاء إلى تدرب طويل ليستطيعوا تثبيت أنظارهم في هذه
الأشياء، ورؤيةالواقع كما هو، وعندئذ يعلمون أن مشاهد الكهف لم تكن غير
أوهام وظلال».
ولعلهإلى هذا أشير في الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) إذا كان معناه: كمايستحيل معرفته كنه الرب يستحيل معرفته كنه النفس..
وقد
ذكروا في سبب جهالةالإنسان بالحقائق، أن العلم احاطة من العالم بالمعلوم،
والمتساويان لا يحيط أحدهمابالآخر، كما لايحيط احدهما بنفسه، للزوم
الأوسعية والمغايرة بين المحيط والمحاط،فكيف يمكن احاطة الإنسان بحقيقة
نفسه، أو حقيقة ما يساويه في المهيةالامكانية؟
لكن هل عدم درك حقائق الأشياء يسبب أن يوجد في الإنسان شعوراً حاداًوضجراً وسأماً؟
كلا!
بل العكس، فان محيط قدرة الإنسان ليس ضيقاً جداً من جميعالجهات، فعلى
الإنسان العاقل أن يعمل فيما يقدر ولا يضجر عما لا يقدر، وفي المثل: (ايقاد
شمعة تشق الظلمة خير من البكاء على فراق الشمس طول الليل).
أما الوجوديونفهم بالعكس.. فان عدم فهم الحقائق يوجد فيهم الشعور الحاد، ثم الضجر والكسلوالترهل.
يقول (بول فلكييه):
«لكن
الإنسان لا يفهم الكون، ولا يفهم ذاته… وبسبب عدم خضوع الواقع للمعقول
يحمل الوجودي شعوراً حاداً كثيراً ما يصبح معذباًمؤلماً ــ إلى أن يقول: ــ
إذا فالإنسان يتقدم في طريق الحياة وسط ليل أليل، لانجوم فيه، وعلى طريق
محفوفة بالمزالق والهاويات، وقد يقول قائل فلينتظر الصباح! فنجيب هذا
مستحيل لأن الصباح لن ينبلج أبداً».
ولعل هذا هو السبب لما ظهر عندالوجوديين من الكسل والبطالة، كما يقول (رمضان لاوند) في كتابه (وجوديةووجوديون):
«فبدت
لأول مرة في أزياء فريق الشبان والشابات أشكال غريبة، وبدت هذهالغرابة
نفسها في السلوك والأندية التي فيها يجتمعون، والابهاء التي فيها
يتواعدون،كما ظهرت عندهم ميول شديدة نحو اللامبالاة، والرغبة في اقتناص
الفرص، والاستمتاعبأكبر قدر ممكن من الملذات والمسرات، يقابل هذا كله بذل
الأقل الممكن من الجهد فيالعمل المتعب، والانتاج الايجابي، والتأنق في
الملبس والمطعم والمشرب، وتصفيف الشعروالنظافة، بحيث أصبح الوجوديون في نظر
المراقب اللبناني: موطناً للكسل والخمول،والوسخ والبوهيمية البلهاء،
واللامبالاة بكل قيمة، وبكل عمل ايجابي ــ ثم يقول: ــوأتاحت لي مجاورتي
لأبناء الحي اللاتيني أن اتصل بالوجوديين الذين كانوا يجتمعون فيأندية في
مشارب شارع سان ـ جرمان ـ دي ـ بري، فكانت صورتهم هناك ـ أي في باريس
ـشبيهة بصورتهم في بعض زوايا بيروت ومشاربها.
أصالة الوجود
هناك نزاع قديم بينالفلاسفة حول (أصالة الوجود) و(أصالة المهية)، والسبب في هذا النزاع ومعناه، بصورةموجزة:
أن
كل موجود له (جهة اشتراك مع الموجودات الأخر) وهي (الوجود).. و(جهةامتياز
عن الآخرين) وهي (المهية)، فالانسان والفرس والماء ـ مثلا ـ كلها
موجودات،بينما كل واحد منها لها خواص خاصة بها لا يتعداها إلى غيره، وحيث
انه لا يمكن أنيقال بأن كلا من (الوجود) و(المهية) أصيلا، إذ يلزم منه أن
يكون كل شيء شيئين، وانتكون للمهية المجردة تقرر في الخارج .. قالوا:
بأصالة أحدهما، وانه إما الوجود أوالمهية هو الأصل المتقرر، والآخر اعتباري
لا موطن له إلا في الذهن.
فمن الذينذهبوا إلى (أصالة الوجود) وان (المهية) حد له، لاأن له تحققاً خارجياً: (السبزواري) حيث قال في منظومته:
إن الوجود عندنا أصيل دليل من خالفناعليــل
ومن الذين ذهبوا إلى (أصالة المهية) وان (الوجود) ليس لها تقرر في الخارج (السهروردي).
هذا موجز النزاع في هذا الموضوع، وموجز سبب النزاع.
وأنت
ترىانه لا ربط لهذا النزاع بـ (الوجودية) الحاضرة إطلاقاً.. إنا سواء قلنا
بأصالةالوجود أو أصالة المهية أي ربط بين كلامنا وبين أن نكون (وجودياً)
أو لا نكونوجودياً؟
إن كلاً من القائل بأصالة الوجود، والقائل بأصالة
المهية لا يشك فيسائر القيم والأمور المرتبطة بالموجود، ولا يترتب على هذا
النزاع الفلسفي الاهتمامبالموجود أو الوجود، أو عدم الاهتمام به، وإنما هذا
نزاع علمي محض للتعرف على حقيقةشيء، ومعرفة الواقع، أرأيت لو تنازع اثنان
في بعد (المجرة الفلانية) عنا: ألف سنةضوئية أو خمسة آلاف سنة ضوئية ـ
مثلاً ـ هل يترتب على ذلك سلوك أو قيمة أواجتماع؟
وبهذا تعرف أن تشدد
الوجودي في أصالة الوجود ليربط الأمر بـ (الفكرةالوجودية) المرتبطة بالقيمة
والاجتماع وما إلى ذلك، من قبيل ربط (النزاع في بعد تلكالمجرة) بالقيم
والاجتماع وما اليهما.
يقول (بول فلكييه):
الوجودية كما يفهممن هذه
الكلمة تتميز ـ قبل كل شيء ـ بميلها إلى التشديد على أهمية الوجود،
فالوجوديلا يهتم كثيراً بالماهويات والامكانات والمفاهيم المجردة، وهو على
طرفي نقيض والروحالرياضية فان اهتمامه يتجه نحو ما هو موجود، أو على الأصح
نحو وجود ما هوموجود».
ثم.. انه قد تقرر في الفلسفة قسمان من العلوم:
(العلم النظري) والثاني (العلم العملي)، وشأن الأول الكليات وما أشبه لأنه
وضع للبقاء ولتحديد السلوكوالعقيدة العامين.. كما أن شأن الثاني الأمور
المرتبطة بالأعمال الفردية ـ سواءالفرد في ضمن الاجتماع أو الفرد في إطار
نفسه ـ فلم تكن الفلسفة أهملت جانب الفرد،كما لم تهمل جانب الاجتماع.
فالفلسفة
الوجودية التي تبرر موقفها باهمال الفلسفاتالقديمة جانب الفرد، إما جاهلة
أو متجاهلة، يقول الاستاذ مكي في مقدمة ترجمته لكتاب (الوجودية مذهب
انساني):
«فكل نظرية فلسفية كانت تعتبر الأفراد متشابهين، ولذلككانت
الدراسة الفلسفية بدل أن تنصب على الوجود الفردي تتعمد حيناً المجتمع
فرداًينصهر فيه كل فرد، وتعمد حيناً آخر إلى تجريد الفرد من كل صفاته
الفردية حتى يصح أنيعتبر مطابق الصفات لأي فرد آخر فيصح عندها أن يكون مجال
بحث، أما الفرد المتميزبفرديته وأخلاقه الخاصة وشخصيته الخلاقة ووجوده
الذي لا يصح أن يعتبر نسخة مطابقةلأصل هذا الفرد لم يكن يجد عند جميع
النظريات الفلسفية المجردة عن الحياة أي تجاوبمع الأمة وآماله وهكذا ضاع
الفرد‍!
مقاييس الكون
للكون مقاييس لا يحيد عنها،كمقاييس الليل
والنهار، والفصول الأربعة، والمد والجزر، واختلاف أحوال القمر، وكذلكمقاييس
خلقة النبات والحيوان… إلى غيرها.
ولولا هذه المقاييس لم يهتد
الإنسانإلى شيء ما إطلاقاً، فان مكتشف الكهرباء ـ مثلاً ـ وجد المقاييس
التي تبين أنتشكيلات خاصة في أجهزة معينة تولد الطاقة الكهربائية، أما
المقاييس فهي باقيةمستمرة سواء بقي المكتشف أم مات؟ وهكذا بالنسبة إلى سائر
المقاييس.
وكذلكالإنسان يولد، ويموت، ويعيش حسب مقاييس خاصة ـ علمنا
بعضها، ولم نعلم البعض الآخر ـوعلماء النفس والاجتماع والطب وما اليها، كل
محاولاتهم فهم تلك المقاييسوتحقيقها.
بقي شيء، وهو أن قسماً من السلوك
البشري خاضع لإرادة الإنسان ذاته،فالإنسان يتمكن أن يتعلم كما يتمكن أن
يبقى جاهلاً، ويتمكن أن يزاول مهنة التجارةكما يتمكن أن يزاول مهنة
المحاماة وهكذا...
أما في السلوك فكل من الصدق والأمانةوحسن المعاشرة والغيرة والإقدام وأضدادها باختياره.
وقد
حددت الأديان ـ والإسلامبصورة خاصة ـ السلوك تحديداً وفق الحكمة والمصلحة،
كما حددت الفلاسفة السلوك أيضاًتحديداً يتفق في بعض بنوده مع الأديان،
ويختلف في بعض بنوده مع الأديان.
وكلتحديد وضع بمنتهى الدقة ـ خصوصاً في
الإسلام ـ حتى أن الحيد عن ذلك التحديد يورثخبالاً وفسادا… ويكون المثل في
ذلك مثل سيارة حدد سيرها المتوسط بمائة كيلو فيالساعة، فالمائة والخمسون
خطر، والخمسون ضياع وقت.
وأقل نظرة إلى كتب الفقه وكتبالأخلاق، كاف في
إدراك هذه الحقيقة.. كما أن الالمام بشيء من أساليب الحياة،والتعمق في
الأعمال والأحوال، يكفي لإدراك طرف من المصلحة في كل مقياس وضع لهذهالغاية.
أما
الوجودي فانه لا يؤمن بذلك، ولذا تراه يتخبط خبط عشواء، فانه ليس مناليسير
تقليب القوانين، وإنما يتلقى الذي يريد التقليب ألف صدمة وصدمة،
وأخيراًتكفهر الحياة، حتى تكون كلها ليلا قاتماً.
يقول (بول فلكييه) في كتابه (هذه هيالوجودية):
«ولكي
نفهم تماماً، إلى أي حد تبلغ مأساة الحياة قوة في نظر الوجوديالمنسجم مع
مبادئه، ليس علينا إلا أن نذكر الأخلاقية الماهوية، وسواء نظرنا إلىكبار
فلاسفة اليونان، أو المفكرين المسيحيين أو ملاحدة القرن الثامن عشر، أو
نسبيالقرن التاسع عشر، رأيناهم جميعاً يؤمنون بوجود نموذج انساني، أو مثال
ينظرون إليهانه المثل الأعلى، ويرون انه يجمل بالانسان إن لم نقل يتحتم
عليه أن يطمح إلىبلوغه.
وعلى العكس نرى (الوجودي) المنسجم مع مبادئه لا
يعترف بأي مقياس، على كلإنسان أن يصنع مقاييسه بنفسه وما يجب أن يكونه ليس
مكتوباً في أي مكان، بل عليه أنيبتكره، ولاشك في أن بوسعه اللجوء إلى موجه
ينصح له ويهديه فيتخلى عن توجيه حياتهويترك زمامها لسواه ممن يثق بهم، ولكن
اختيار هذا الموجّه أو هذا القائد، يتطلبمعرفة ببعض مبادئ الحياة، وهذا
يصعب كثيراً في بعض الأحيان».
ثميقول:
«وباطراح كل عالم مثالي،
واعتباره تصورات خيالية مجردة، يصل الوجوديون إلىهذا التناقض المؤلم، وهو
أن عليهم الاختيار دون أن يكون لديهم أي مبدأ للاختيار، أوأي مقياس يشير
عليهم انهم أحسنوا صنعا باختيارهم، أو أساؤوا».
وغير خفي علىالإنسان
الواعي الخطر الذي يكمن في مثل هذا الفكر: (لا مقياس، فافعل ما شئت)
ولذانرى ما ينجم عن هذا الرأي سبب أكبر قدر من الأضرار على العالم.
واليك مثلا،نذكره من مجلة حضارة الإسلام، ذو الحجة 1384 ص136:
أما
بالنسبة لمجال القيموالمثل والأفكار، فان الانسانية قد استقرت خلال
تجاربها المتلاحقة، عبر المدىالطويل، على قيم محدودة في مجال الفرد
والجماعة، وقد مهرت هذه القيم العالي منعرقها ودموعها ودمائها، لذلك فان أي
تغيير تخبطي عشوائي، لمجرد التغيير سيؤدي إلىمزيد من الضلال والتيه
والتمزّق والألم، ولن يتم هذا التغيير العشوائي، إلا علىحساب سعادة
الإنسان.
إن سببا أساسياً من أسباب الاضطراب والقلق في العصر الحديثهو
التغيير المستمر للقيم، هذا التغيير السريع الذي يفوق حدّ التصور، فلو
أخذناقيمة من قيم العصر الحديث، (كالحرية) مثلاً، ورسمنا لتغيرها خطاً
بيانياً خلال فترةالقرن التاسع عشر والقرن العشرين (م) لوصلنا إلى خط رجراج
متذبذب، أقصى درجاتالتذبذب، فمفهوم الحرية بعد الثورة الفرنسية،كان يعني
إعطاء الإنسان بعض حرياتهالشخصية، ثم تغير مفهوم الحــــرية فأصبح يعني عند
الرأسمالي حرية جمع الثرواتالطائلة واحتكار الأرزاق واســــتغلال البشر،
ثم تغير المفهوم، فأصبح يعني عندالشيوعي إقامة دكتاتورية وحشية تنحر دماء
الناس وتزهق أرواحهم، وأخيراً أصبح مفهومالحرية يعنى عند الفاشستي، تسلط
شخصي على مقدرات أمة كاملة.
إن الاختلاف فيمفهوم الحرية من مجتمع إلى
آخر يبلغ حد التناقض الكامل، وما هذا الاختلاف والتباينفي المفهوم إلا لأن
أشخاصاً ألّهوا أنفسهم، ووجهوا قطاعات بشرية كاملة، فرسموا خطوطسيرها حسب
أهوائهم واجتهاداتهم القاصرة، كان في الماضي منهم ماركس واليوم… سارتروغدا
غيرهم».
ويبقى هنا سؤال يفرض نفسه، وهوانه إذا كان من الضروري
اتباعالمقاييس الواقعية، فماذا ـ يا ترى ـ المنهج الذي يلزم على الإنسان أن
يتبعه للحصولعلى تلك المقاييس، بينما نرى الاختلاف الكبير في المقاييس.
والاجابة عنذلك:
أ إما بطريقة الايمان… أن يتبع الإنسان (الفطرة الأصلية المودعة فيالإنسان) مما بينها الأنبياء المرسلون (عليهم السلام) .
ب وأما بطريقة الفحصوالاجتهاد، فكما قال (ديكارت) ــ كما في كتاب (المدخل إلى فلسفة ديكارت) ـــ:
«أن
أرفض مطلق شيء على انه حق، ما لم يتبين بالبداهة لي انه مثل ذلك، أعنىأن
أتجنب التسرع والتشبث بآراء سابقة، لا اخذ من أحكامي إلا ما يتمثله عقلي
بوضوحتام، وتمييز كامل بحيث لا يعود لدي مجال للشك فيه.
من المآخذ علىالوجودية
ننقل
هنا بعض الفصل السادس من كتاب (رمضان لاوند) (وجودية ووجوديون) للاطلاع
على بعض المآخذ التي أخذت على (سارتر) وان حاول ردها في كتاب (الوجوديةمذهب
انساني) لكن الحقيقة أن نقول: مطالعة كتاب سارتر تعطي اعترافه ـ ولو
بعضالاعتراف بهذه المآخذ ـ والأستاذ (لاوند) وان ذكر في نفس هذا الفصل
مقتطفات من ردود (سارتر) لكن المطالعة المستوعبة لكتب سارتر تعطي دليلاً
على صحة جملة منالإيرادات…
كما أن كثيراً من الوجوديين في (باريس) و(بيروت) وغيرهما أعطوا أدلةحية على صدق المآخذ.
واليك ما ذكره (لاوند) في الفصل المذكور:

1 دعوةالوجودية إلى الخمول، ودفعها إلى اليأس.
2 تقوية الروح الفردية الحالمة، التيتبتعد عن المجتمع ومشاكله الراهنة.
3 استحالة تحقيق أي انتاج ذي طابع اجتماعيعام.
4 اكتفاء الوجودية بتصوير مظاهر الحياة الحقيرة:من جبن وفسق وضعف وميوعة،ونسيانها مظاهر الحياة الآملة القوية التي تؤمن بمستقبل عظيم
5 الوجودية لا تؤمنبالتعاون الاجتماعي.
6 تنكر الوجودية لفكرة الله، وتنكرها للقيم الالهية، وخلوهامن مواقف جدية انسانية في الحياة.
7
الوجودية أداة للتفسخ الاجتماعي لأنها تحولدون أن يصدر أي من الناس حكماً
على تصرفات الآخرين، بحيث يكون كل فرد عالماً قائماًبذاته في مجتمع يحتاج
إلى التعاون، والانضواء الجماعي والمسؤولية المشتركةالمتبادلة.
الجذور الفكرية والعقائدية
• إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلطالكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.
• تأثرت بالعلمانية وغيرهامن الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
• تأثرت بسقراطالذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".
• تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادةالنفس
العقل:
إِن
العقل الإِنساني ليس شيئاً بسيطاً, وإِنّما هو مركّب, ويمكن تمييز مستويات
مختلفة تبيّن تحرر الفكر من الصور الحسية تدريجياً. فهناك العقل
الاستدلالي المنطقي المجاور للمخيّلة, وهناك العقل المحض الذي يستند, بوجه
أساسي, إِلى الطبائع البسيطة, ويدركها بالحدس. وفي العقل المحض يُميّز
العقل المنفعل والعقل الفعّال: إِذا كان الأول مشابهاً للمادة وقادراً على
استقبال المعقولات, فإِنّ الثاني أسمى منه, إِذ هو كالضوء يحيل الألوان من
القوة إِلى الفعل, كما أنّه يحقق الصّور المعقولة بالفعل, سواء أكانت
مختلطة بالمادة كالصور المغلفة بالأخيلة, أم محضة كالصور التي يحتويها
العقل الفعّال نفسه, وعند ذلك يكون العقل الفعّال, الذي أصبح هو ذاته
المعقول, قادراً على أن يعقل ذاته.
والعقل بتعقله المعقولات يصبح عقلاً
بالملَكة. وعلاقة هذا الأخير بالفعل مماثلة لعلاقة الملكة بالممارسة. وبفضل
الملَكة يمارس العقل عملية التعقل, أي أنه يجعل من المعقول موضوع تعقل
فعلي, فيتطابق العقل مع المعقول. هذا التطابق في عملية المعرفة العقلية,
إِضافة إِلى تطابق الحاس والمحسوس في عملية الإِحساس, هما قضيتان أساسيتان
في الفلسفة الأرسطية.
أمّا العقل الفعّال فإِنّه «اللامفارق اللامنفعل
غير الممتزج, من حيث إِنّه بالجوهر فعل, لأنّ الفاعل دائماً أسمى من
المنفعل, والمبدأ أسمى من الهيولى, والعلم بالفعل هو وموضوعه شيء واحد».
فهو, إِذن, محض, أبدي وغير منفعل, كما أنه في جوهره بالفعل, بعكس العقل
المنفعل الذي لا يتحقق بالفعل إِلاّ بوساطة الصور المعقولة التي يتلقاها.
ولكن
كيف يمكن للصور المعقولة أن تحقق بالفعل العقل المنفعل المعروف بمكان
الأفكار؟ وههنا يتدخل العقل الفعّال الذي يستدعي إِليه الصور المختلطة
بالمادة الحسية أو الخيالية ليتحققها ويحقق بها الفعل المنفعل بالفعل.
وإِذا كان العقل المنفعل يختفي باختفاء الفرد, وتختفي مع اختفائه
الانفعالات والذكريات المنفعلة والفاسدة, فإِن العقل الفعّال, على العكس من
ذلك, يبقى, كما هو, بعد الموت. يقول أرسطو في كتاب «النفس»: «أما العقل,
فإِنه ولا ريب أكثر ألوهية ولا ينفعل». هذا العقل, عندما يفارق, يصبح «هو
جوهراً, وعندئذ فقط يكون خالداً وأزلياً... ومن دون العقل الفعّال لا نعقل
قط».
ولكن هل للعقل الفعّال وجود قبل اتحاده بالنفس؟ وهل هو من
الإِنسان؟ وموجود فيه؟ إِنّ ما تبقى من نصوص أرسطو, لا يسمح بالإِجابة بدقة
عن هذه الأسئلة. فكل ما يمكن قوله إِنّ العقل الفعّال فريد, فعل محض, غير
متحرك إِطلاقاً, عقل وعاقل ومعقول, حتى إِنه لا يعقل إِلاّ ذاته, وشبيه
بالله, بل حتى إِلهي. وهذا ما دفع الاسكندر الأفروديسي إِلى تأكيد أن العقل
الفعال هو نفسه الله, فأطلق عليه «الله المفكر فينا». وصفوة القول إِن
العقل الفعّال يبدو جنساً من النفس متميزاً منها, ويفارقها عند الموت, كما
يفارق الأبدي الأشياء الفاسدة. وبهذا المعنى يقول أرسطو في كتاب «النفس»:
إِن ههنا نوعاً من النفس مختلفاً, وإِنها وحدها يمكن أن تفارق الجسم, كما
يفترق الأزلي عن الفاسد. أما أجزاء النفس الأخرى, فيتّضح ممّا سبق أنها لا
تفارق, كما يزعم بعض الفلاسفة.
هل أصل المفاهيم الرياضية تعودإلى العقل أم إلى التجربة

السؤالإذا
كنت أمام موقفين يقول متعارضين يقول احدهما أن المفاهيم الرياضية في
أصلهاالأول صادرة عن العقل ويقول ثانيهما أنها صادرة عن التجربة مع العلم
أن كليهما صحيحفي سياقه ونسقه وطلب منك الفصل في الأمر لتصل إلى المصدر
الحقيقي للمفاهيم الرياضيةفما عساك أن تفعل؟
طرح المشكل
منذ أن كتب
أفلاطون على باب أكاديميتهمن لم يكن رياضيا لا يطرق بابنا. والرياضيات تحتل
المكانة الأولى بين مختلف العلوموقد ظهرت الرياضيات كعلم منذ القدم لدى
اليونانيين.وهي تدرس الكم بنوعيه المتصلوالمنفصل وتعتمد على مجموعة من
المفاهيم .وإذا كان لكل شيء أصل .ولكل علم مصدر فماأصل الرياضيات وما مصدر
مفاهيمها ؟فهل ترتد كلها إلى العقل الصرف الخالص, أم إلىمدركاتنا الحسية
والى ما ينطبع في أذهاننا من صور استخلصناها من العالم الخارجي ؟وبعبارة
أخرى هل الرياضيات مستخلصة في أصلها البعيد من العقل أم من التجربة؟
عرض الأطروحة الأولى
أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى العقل
يرى
العقليون أن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى المبادئ الفطريةالتي ولد
الإنسان مزودا بها وهي سابقة عن التجربة لان العقل بطبيعته ,يتوفر علىمبادئ
وأفكار فطرية .وكل ما يصدر عن هذا العقل من أحكام وقضايا ومفاهيم ,تعتبر
كليةوضرورية ومطلقة وتتميز بالبداهة والوضوح والثبات ومن ابرز دعاة هذا
الرأي نجداليوناني أفلاطون الذي يرى أن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم
والدائرة .واللانهائي والأكبر والأصغر ......هي مفاهيم أولية نابعة من
العقل وموجودة فيهقبليا لان العقل بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على
علم بسائر الحقائق .ومنهاالمعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة , لكنه
لما فارق هذا العالم نسي أفكاره ,وكان عليه أن يتذكرها .وان يدركها بالذهن
وحده . ويرى الفيلسوف الفرنسي ديكارت أنالمعاني الرياضية من أشكال وأعداد
هي أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية ومايلقيه الله فينا من أفكار
لا يعتريه الخطأ ولما كان العقل هو اعدل قسمة بين الناسفإنهم يشتركون جميعا
في العمليات العقلية حيث يقيمون عليه استنتاجاتهم ويرىالفيلسوف الألماني
"كانط" إن الزمان والمكان مفهومان مجردان وليس مشتقين منالإحساسات أو
مستمدين من التجربة ,بل هما الدعامة الأولى لكل معرفة حسية
نقد الأطروحة الأولى
لا
يمكننا أن نتقبل أن جميع المفاهيمالرياضية هي مفاهيم عقلية لان الكثير من
المفاهيم الرياضية لها ما يقابلها في عالمالحس.وتاريخ العلم يدل على أن
الرياضيات وقبل أن تصبح علما عقليا ,قطعت مراحل كلهاتجريبية .فالهندسة سبقت
الحساب والجبر لأنها اقرب للتجربة
عرض الأطروحة الثانية أصل المفاهيم الرياضية هي التجربة
يرى
التجريبيون من أمثال هيوم ولوك وميل أن المفاهيم والمبادئالرياضية مثل
جميع معارفنا تنشا من التجربة ولا يمكن التسليم بأفكار فطرية عقليةلان
النفس البشرية تولد صفحة بيضاء .فالواقع الحسي أو التجريبي هو المصدر
اليقينيللتجربة.وان كل معرفة عقلية هي صدى لادراكاتنا الحسية عن هذا الواقع
.وفي هذاالسياق يقولون (لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في
التجربة )ويقولون ايضا (ان القضايا الرياضية التي هي من الأفكار المركبة
,ليست سوى مدركات بسيطة هي عبارةعن تعميمات مصدرها التجربة )ويقول دافيد
هيوم ( كل ما اعرفه قد استمدته من التجربة) ففكرة الدائرة جاءت من رؤية
الإنسان للشمس والقرص جاءت كنتيجة مشاهدة الإنسانللقمر. والاحتمالات جاءت
كنتيجة لبعض الألعاب التي كان يمارسها الإنسان الأول .وقداستعان الإنسان
عبر التاريخ عند العد بالحصى وبالعيدان وبأصابع اليدين والرجلينوغيرها
,والمفاهيم الرياضية بالنسبة إلى الأطفال والبدائيين .لا تفارق مجال
الإدراكالحسي لديهم ,وان ما يوجد في أذهانهم وأذهان غيرهم من معان رياضية
ما هي إلا مجردنسخ جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية.
نقد الأطروحة الثانية
لا
يمكننا أن نسلم أن المفاهيمالرياضية هي مفاهيم تجريبية فقط لأننا لا
يمكننا أن ننكر الأفكار الفطرية التي يولدالإنسان مزود بها.وإذا كانت
المفاهيم الرياضية أصلها حسي محض لاشترك فيها الإنسانمع الحيوان
.التركــــــــــــــــــيب
إن
أصل المفاهيم الرياضية يعود إلىالترابط والتلازم الموجود بين التجربة
والعقل فلا وجود لعالم مثالي للمعانيالرياضية في غياب العالم الخارجي ولا
وجود للأشياء المحسوسة في غياب الوعي الإنساني .والحقيقة أن المعاني
الرياضية لم تنشأ دفعة واحدة ,وان فعل التجريد أوجدته عواملحسية وأخرى
ذهنية
الخاتمة

إن تعارض القولين لا يؤدي بالضرورةإلى رفعهما لان
كلا منهما صحيح في سياقه , ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو ذلكالتداخل
والتكامل الموجود بين العقل والتجربة .ولهذا يقول العالم الرياضي
السويسريغونزيث (في كل بناء تجريدي ,يوجد راسب حدسي يستحيل محوه وإزالته
.وليست هناك معرفةتجريبية خالصة ,ولا معرفة عقلية خالصة.بل كل ما هناك أن
أحد الجانبين العقليوالتجريبي قد يطغى على الآخر ,دون أن يلغيه تماما
ويقول" هيجل" "كل ما هو عقليواقعي وكل ما هو واقعي عقلي"



*** هل التجربة شرط في كل معرفة علمية ؟؟؟

إذاكان
تاريخ العلم مرتبطا بظهور المنهج التجريبي الذي مكن العلماء من التحقق من
صدقفروضهم ، هل هذا يعني أن التجربة هي شرط المعرفة العلمية؟وفي هذه الحالة
ماذا نقول عن المعرفة الرياضية التي تعتبر معرفة علمية ، ولا تقومعلى
التجربة؟والمشكل المطروح هل المعرفة العلميةبالضرورة معرفة تجريبية أم لا؟
** ليبدأ العالم بحثهبملاحظة ظاهرة غريبة فيتساءل عن سبب ظهورها ، عندها
يحاول أن يجيب عن السؤال ،ويكون هذا الجواب مؤقتا يحتمل الصدق والكذب إلى
أن ينزل به إلى المخبر ليجربه ،وتكون التجربة بذالك عملية التحقق من صحة
أفكارنا أو عدم صحتهاعن طريق إعادة بناءالظاهرة من جديد في ظروف اصطناعية
بواسطة الفرض فلما لاحظ* كلوديرتارد*إن بول الأرانب التي اشتراها من السوق
صاف وحامض ، وهاتانالصفتان خاصتان بآكلة اللحوم في حين أن الأرانب آكلة عشب
، يجب أن يكون بولها عكراقلويا ، افترض أن الأرانب كانت جائعة وأكلت من
أحشائهاالداخلية ، لكي يتأكدكلودبرناردمن فرضه هذا ، اطعم الأرانب العشب ،
فكان بولها عكراقلويا ، ثم تركها جائعة مرة أخرى وهذا هو الفرض الذي افترضه
فأصبح بولها صافياحامضا ، وهذه هي الظاهرة التي لاحظها وقد أعاد بناءها
بواسطة الفرض الذي استنتجه منالظاهرة نفسها غير أن العالم لا يقوم بتجربة
واحدة وإنما يكرر التجربة عدة مرات معتغير شروطها للتحكم فيها أكثر ، كما
يعمد إلى تحليل الظاهرة وعزل مختلف شروطهالتبسيطها ، فإذا كانت الظاهرة في
الطبيعة قد تختلط بغيرها من الظواهر ، فان العلمفي المخبر يعمل على حذف
الشروط التي لا تهمه ، ليحتفظ فقط بالعناصر الأساسيةللظاهرة التي يشير
إليها الفرض ، والتي توجد في كل الحوادث التي لها نفس الخاصية ،مما يمكنه
من استخلاص النتائج ثم تعميمها على الأجزاء وإذا توقف العالم عند
مرحلةالفرض ، ولم يستطع أن يثبت صحته في الواقع ، فان عمله لا يدرج ضمن
المعارف العلمية، لأن العقل إذا كان يبني الأفكار ، فان الواقع هو الذي
يحكم عليها إذا كانت صادقةأم لا ، أن صحة المعرفة العلمية متوقفة على عدم
تناقض الفكر مع الواقع الأمر الذيلا يمكن التأكد منه إلا باستعمال التجربة
المخبرية ، يقولكلودبرنارد$إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي تجوب به دون
سؤال ،لكن التجربة هي استنطاق الطبيعة $ ويرىجون ستوارتملانالملاحظة
العلمية اذا كانت تثير فينا تساؤلات ، فان التجربة قادرة على تقديمالإجابة
الحاسمة لها . ما يبدو واضحا لنا ان الانسان وكأنه جعل من بلوغ
المعرفةالعلمية الصحيحة هدف وجوده وغايته ، وكان عليه ان يعرف معيار هذا
الصدق ، فكانجوابه أن الصدق عكس التناقض وكان قانونه أن المعرفة لا تكون
علمية إذا كانت خاليةمن التناقض غير أن التناقض نوعان : تناقض الفكر مع
الواقع ، وتناقض الفكر مع نفسه ،وإذا كانت المعرفة في العلوم الطبيعية و
الأنسانية تجعل من التجربة وسيلة لتحقيقشرط عدم التناقض أحكامها مع الواقع ،
بل تجعلها تتطابق معها ، مادام الحكم يعود إلىالواقع ، فأن المعرفة
العقلية التي تمثلها الرياضيات والمنطق لاتستعمل التجربةللتحقق من فروضها
بصفتها علما مجردا ، وإنما تستعمل البرهان العقلي الذي يجعل الفكرلا يتناقض
مع المبادئ والفرضيات التي وضعها ، فأذا قلنا في الرياضيات أن مجموعزوايا
المربع 360 درجة فإننا لم ننقل هذا الحكم من الواقع كما يحدث في الفيزياء
،وإنما استنتجناه إستنتاجا منطقيا من المسلمة التي تقول أن مجموع زوايا
المثلث 180درجة وإذا كان المربع ضعف المثلث ، كانت مجموع زواياه تساوى
180*2 =360درجة غير النالرياضي