فتاتي ... والحياء

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}




اللجنة العلمية بمفكرة الإسلام





قصة واقعية

حكت لي صديقتي .. كانت تسير في الطريق فإذا بفتاة جميلة ترتدي استرتش ضيق .. لا
أعلم كيف ارتدته .. سمعتها تصرخ.. لماذا تصرخ؟
إنه انقطع وتكشف كل مستور .. وهي لا ترتدي تحته أي شيء آخر!!!
وصرح جميع من في الطريق غطوها .. غطوها ... أين أهلها؟ كيف نزلت من بيتها بهذا
البنطلون؟
والفتاة تصرخ وتبكي .. تساءلتُ لماذا؟ وعلى ماذا تبكي؟
لقد نزع منها الحياء قبل أن تتفتق منها الملابس.

وقالت أخرى:
رأيتُ الفتاة وهذه صفاتها [ومن لم تفعل ذلك ليست بفتاة عصرية أو متحضرة] ذات
المكياج المتوهج والمشي المتعوج، والسلوك المتعرج الجريئة على محادثة الرجال،
التي لا تثبت على حال.

قد عمدت إلى تدقيق الحواجب، وإضاعة الواجب.
لها عطر فواح ودموع كدموع التمساح، وزميل في الصباح وصديق في الرواح.

عزيزتي الفتاة:
اعلمي أن هذه الفترة من حياتك هي فترة تغيرات شاملة وسريعة في نواحي النفس
والجسد والعقل والروح، وهي فترة نمو سريع في هذه الجوانب كلها، حتى قال عنها
علماء النفس: إنها فترة انقلاب كامل، وقال آخرون هي مرحلة ثورة وتوتر.

ولكن عزيزتي الفتاة لا تنسي أثناء هذه التغيرات 'الحياء'.

ـ وتساءلت في نفسي لماذا قل الحياء بين الفتيات؟

ربما يرجع ذلك إلى:
النشأة: فمن شب على شيء شاب عليه. يقول
الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

ويقول آخر:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا كانت من الخشب

الاختلاط وكثرة احتكاك الفتاة بالفتى في
المجالات المختلفة كالجامعة والعمل.

التأثير الخارجي من مخالطة من قل حياؤهم أو
تكررت رؤيتهم، سواء كان ذلك ناتجًا عن السفر إلى الخارج أو بدون وسائل الإعلام،
أو غير ذلك فإن الأخلاق حسنها وسيئها تكتسب بالمخالطة.

ولعل من الأسباب أيضًا كثرة خروج الفتاة من
بيتها أو الصحبة الفاسدة أو الغرق في المعاصي وأقول أخيرًا إنني أرجع قلة
الحياء عند الفتيات إلى ضعف الإيمان والجهل بمعنى الحياء.

تعالى معي عزيزتي الفتاة.. لنقف أمام هذا المشهد
القرآني الجميل الذي تجسده لنا الآية الكريمة في سورة القصص {فَجَاءَتْهُ
إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25].

مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال 'على استحياء' في
غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ
وأخصره وأدله يحكيه القرآن بقوله: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ
مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25].

[لم تقل له: أحب أن أتعرف عليه .. ما اسمك؟ أنا اسمي كذا...].

فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة، وذلك كذلك من
إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند
لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب
إلاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد.
[في ظلال القرآن ـ سيد قطب].

عزيزتي الفتاة المسلمة:

ما معنى الحياء؟ هل هو خلق مكتسب أم غريزي؟
هل يمكن لمن لا حياء عنده أن يملك من الحياء ما يردعه عن المعاصي؟
وأخيرًا كيف نغرس الحياء في نفوسنا؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة هناك قاعدة عريضة توضحها لنا الآية، أنه لابد من
حاجز بين العبد وبين المعصية وهذه الآية هي قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[40]فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى} [النازعـات:40ـ41].

فتوضح لنا الآية شقين أساسيين هما:
1ـ خوف من مقام الله تعالى.
2ـ نهي للنفس وزجر لها عن هواها متى خالف أمر الله تعالى.

وهذا الشق الثاني يكون عن طريق زراعة موانع وبناء حواجز داخل النفس ترفع مستوى
تحكم وسيطرة الإنسان على نفسه.

ولذا كانت العناية الربانية ثم النبوية بهذا البناء عظيمة كما جاء في الحديث عن
رسول الله mسلم [[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق]].

ـ ولقد روى ابن ماجه في سننه وحسنه الألباني أن النبي mسلم قال:
[[إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء]].

فما معنى الحياء إذن؟
ـ الحياء كما عرفه أهل العلم في اللغة أنه انقباض وانزواء وانكسار في النفس
يصيب الإنسان عند الخوف من فعل شيء يعيبه.
ـ والحياء مشتق من الحياة، ولذا قال بعض الفصحاء حياة الوجه بحيائه كما أن حياة
الغرس بمائة.
ـ كما عرفه علماء الشريعة بأنه خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق
ذي الحق.

أو هو الامتناع عن فعل ما يعاب.

ـ وأخيرًا وهذا مرادنا هنا هو نهي النفس عن القبيح [وهو كل ما يغضب الله
تعالى].

ونتساءل الآن هل الحياء خلق مكتسب أم غريزي؟

الحياء نوعان غريزي ومكتسب:

الحياء الغريزي: وهو الفطري الطبيعي.

والحياء المكتسب: هو الذي جعله الله تعالى من الإيمان وهو المكلف به [وهذا
النوع هو مدار حديثنا] ومن كان فيه غريزة من الحياء فإنها تعينه على الحياء
المكتسب.

عزيزتي الفتاة المسلمة:

لقد جاءت النصوص النبوية تؤكد على أن خلق الحياء من الإيمان في روايات كثيرة
منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي mسلم قال: [[الإيمان بضع
وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان]].

وفي رواية أخرى: [[الحياء من الإيمان]]، وفي وراية [[الحياء لا يأتي إلا
بخير]]، وفي رواية أخرى [[الحياء خير كله أو كله خير]].

وعن عمران بن حصين قال mسلم [[الحياء من الإيمان والإيمان في
الجنة ]].

فلماذا جعل الحياء من الإيمان؟

قال القاضي عياض وغيره من الشراح: [[إنما جعل الحياء من الإيمان ـ وإن كان
غريزة ـ لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم، وأما كونه
خيرًا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن
مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق.

ـ والمراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيًا، والحياء الذي ينشأ عن
الإخلال بالحقوق ليس حياءً شرعيًا بل هو عجز ومهانة.

وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي، والحياء الشرعي هو خلق يبعث على
ترك القبيح.

ومعنى أن [[الحياء كله خير ..]]. يحتمل أن يكون المعنى: من كان الحياء من خلقه
الخير يكون فيه أغلب أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا لجلب
الخير له.

عزيزتي الفتاة المسلمة:

عن أبي مسعود قال: قال النبي mسلم [[إن مما أدرك الناس من كلام
النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت]].

وفي شرح هذا الحديث في كتاب فتح الباري يقول: [[إن الذي يكف الإنسان عن مواقعة
الشر هو الحياء، فإذا تركه صار كالمأمور طبعًا بارتكاب كل شر، وقيل: هو أمر
تهديد أي إذا نزع منك الحياء فافعل ما شئت, فإن الله مجازيك عليه، وفيه إشارة
إلى تعظيم أمر الحياء]].

كيف نغرس الحياء في نفس الفتاة؟

سؤال أحتاج إلى كثير من البحث للإجابة عنه، فلم أجد جوابًا شافيًا إلا في
النصوص النبوية التي تشير بومضات إلى كيفية بناء الحياء في النفوس والوسائل
المستخدمة لذلك.

[1] الوقفة الأولى مع
الحديث الشريف:


عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي mسلم قال: [[الإيمان بضع
وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان]].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: مر النبي mسلم على رجل
وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضر بك [أي
الحياء]، فقال رسول الله mسلم: [[دعه فإن الحياء من الإيمان]].

انظري إلى تفسير الإمام أبي عبيد الهروي لهذا الحديث بقوله:

معناه أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، ومن يستحي يتعفف عن فعل كل قبيح،
ونجد هنا الارتباط الوثيق بين الحياء والإيمان.

ولما كان الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية كما هي عقيدة أهل
السنة والجماعة، فإن الحياء يزيد وينقص، يزيد بالطاعات المؤكدة على معنى
الحياء، وينقص بالمعاصي التي تخدش الحياء.

ويؤكد هذا المعنى ما رواه الحاكم في مستدركه [[الحياء والإيمان قرناء جميعًا
فإذا رفع أحدهما رفع الآخر]].

إذن فنفهم من الحديث أن من وسائل بناء الحياء في النفوس زيادة الإيمان،
وبالتالي عليك أيتها الفتاة العناية الشديد بوسائل الثبات عل دين الله.

[2] الوقفة الثانية:

ما ورد في صحيح البخاري في كتاب الأدب عن بشير بن كعب في قوله: 'مكتوب في
الحكمة: إن من الحياء وقارًا وإن من الحياء سكينة'.

قال القرطبي: معنى كلام بشير: أن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر
غيره ويتوقر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس
فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة'.

ـ وبذا نصل إلى وسيلة أخرى من وسائل غرس الحياء وهي الوقار والسكينة.

بمعنى أن توقري غيرك أيتها الفتاة وتوقري نفسك باحترامها، ولا تكوني كمن لا
تراعى قيمًا ولا تقاليد ولا أعرافًا فتصوني نفسك عن كل ما يهين نفسك.

وأيضًا يعني أن تسكن عن كثير من الأفعال التي يعاب على صاحبتها، ونراها الآن
كثيرة منها: لبس الضيق والشفاف والمعاكسات في التليفون، والصداقات التي يزعمن
أنها بريئة مع الشباب، والروائح في الطرقات، وغير ذلك كثير ومشاهد.

والفتاة المسلمة لها شخصيتها وسمتها، ولا تكون إمعة تجري وراء كل ناعق أو تقليد
كل سفيهة وتقول: كل البنات هكذا. إن أحسن أحسنت وإن أسأن أسأت، ولكن عودي نفسك
إن أحسن الناس أن تحسن وإن أساءوا أن تتجنبي إساءتهم.

[3] الوقفة الثالثة:

عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه قال: [[الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير
فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء]].

عزيزتي الفتاة:
س مجبولة على الحياء ممن أسدى إليها معروفًا ومجبولة أيضًا على رد
النعمة بمثلها، فمن الأمور التي تعظم الحياء في نفسك استشعار عظم نعم الله عليك
بغير أداء لحقها ورد بمثلها.

فهل تقابلي هذه النعم بالجرأة على الله سبحانه وعدم الأدب معه سبحانه ـ فهذا
الشعور يولد الحياء.

[color=#FF0000][4]
الوقفة الرابعة:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي mسلم أنه قال:
[[استحيوا من الله حق الحياء]].

قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله.

قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن
وما حوى، وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر
الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء' [صحيح سنن
الترمذي].

'استحيوا' الألف والسين والتاء في اللغة للطلب أي اسعوا وابذلوا الجهد في طلب
تحصيل منزلة حق الحياء، والمراد هنا هو الحياء المكتسب الذي أمرنا بتحصيله وبذل
الجهد لتحصيل أعلى مراتبه.

وينبهنا هنا الرسول mسلم أن الحياء وهو خلق قلبي لا بد وأن يبدو
أثره على الجوارح.

الرأس وما وعى: أي الأنف والأذن واللسان والعين ويشمل أيضًا الفكر.

فعليك أيتها الفتاة أن تحفظي هذه الجوارح عن المعصية {إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، واتخذي
هذه الجوارح وسيلة لإرضاء الله، لا وسيلة للجرأة على محارم الله وسببًا لغضب
الله عليكِ.

البطن وما حوى: أي الحياء في طيب المطعم وطهارة اليد.

ذكر الموت والبلى: وهو الشعور بأن الآخرة حاضرة عيان ليست غيبًا بعيدًا.

ومن وسائل تحقيق الحياء تذكرك بملاقاة الله والملائكة، وإذا تذكرت أن الله
سيقبضك على خاتمتك التي كنت تعملين وما كنت تفكرين فيه في الدنيا فيزيد الشعور
بالحياء في قلبك.

ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى: فالحيية تشعر
بالقيمة الحقيقية للدنيا وتؤثر الآخرة عليها، وتحاسب على أفعالها وتستحي من
الله أن تُرى في غير ما يحب الله، ومن الملائكة التي تسجل أعمالها.

قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: [[إن معكم من لا يفارقكم فاستحيوا منهم
وأكرموهم]].

وقد نبه سبحانه وتعالى على هذا المعنى بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ
لَحَافِظِينَ[10]كِرَاماً كَاتِبِينَ[11]يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
[الانفطار:10ـ12].

'أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم وأجلوهم أن يروا منكم ما
تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم، والملائكة تتأذى منه بنو آم، فإذا كان ابن
آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان يعمل مثل عمله فما الظن بأذى
الملائكة؟'

وبذلك تصل إلى درجة الإحسان وهي أعلى المراتب في الإيمان كما جاء في الحديث
الشريف: 'الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك'.

عزيزتي الفتاة المسلمة...

إن الله عز وجل ـ حليم حيي ستير يحب الحياء والستر كما ورد في صحيح سنن النسائي
عن الرسول mسلم.

وهذا إشارة إلى أنه حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث تحل الجرأة على
القبائح يحل معها التكشف والفضائح.

واعلمي أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وزوال النعمة تكون في معصيته.

فأي جهل وحمق وظلم للنفس إذا تخليت عن حيائك وطاعتك لربك.




فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء



ولك في رسول الله أسوة حسنة حيث وصف لنا أبو سيعد الخدري الرسول صلى الله عليه
وسلم فقال: [[كان النبي mسلم أشد حياء من العذارء في خدرها]]
متفق عليه

أليس حريًا بك أن تكوني في حياء الرسول mسلم وهو رجل وأنت امرأة؟

ألا تـتشبهين بإحدى ابنتي شعيب التي كرمها الله بذكرها في القرآن ووصفها بهذا
الخلق الكريم خلق الحياء عندما قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي
عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25].

فتاتي .. ابذلي الجهد واعزمي وجاهدي نفسك لتصلي إلى مرتبة الحياء الحق.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].


هل أنت فتاة
جميلة؟




اللجنة العلمية بمفكرة الإسلام





جمال الشكل والصورة هل أنت فتاة
جميلة؟ ..[1]




من هي الفتاة الجميلة؟
وما معنى الجمال؟

لا شك أن قضية الجمال تحتل المقام الأول في عقل وقلب الفتاة في هذه المرحلة
العمرية من حياتها, وخاصة بعدما حدث لها من طفرات وتغيرات في شكل جسمها وأيضًا
في فكرها وروحها.

وكثير من الفتيات تسأل أمها هذا السؤال: هل أنا جميلة ؟ ما رأيك في شكلي ؟ أنا
أجمل أم فلانة من أفراد العائلة أو الأصدقاء ؟

ونظرًا لأهمية موضوع الجمال عند الفتاة أقول: إن الجمال ليس جمال الشكل
والملامح والصورة فقط, بل إن للجمال أشكالاً أخرى نطرحها في هذا الملف وهي:

1ـ جمال الشكل والصورة.
2ـ جمال العقل.
3ـ جمال التدين والأخلاق.

[1] جمال الشكل والصورة:

أنا لست جميلة
قالت إحدى الفتيات: أنا فتاة أبلغ من العمر 18 عامًا, أشكو من أنني لست جميلة
ولا أمت للجمال بصلة, أعرف أنها خلقة ربي, ولكن نفسيتي سيئة, ليس اعتراضًا على
قدر الله، ولكن هذا السبب لم يجعلني أعيش حياتي كما يجب, أحس أني 'ناقصة' أمام
الأخريات من الفتيات، وبالرغم من أن هناك فتيات لسن جميلات لكني أرى حياتهن
طبيعية، قد لا أفهم شعورهن، أو أن هناك أشياءً تعوض نقص الجمال عندهن، أفكر
كثيرًا في عمليات تجميل أقوم بها، ولكن أعلم أن أهلي لن يوافقوا انتهى كلامها.

لسنا بصدد حل لهذه المشكلة في المقام الأول وإن كان هذا هو أحد أدوار نافذتنا
ولكننا هنا بصدد توضيح بعض المفاهيم والأفكار الأساسية، فقد يظن البعض أن
الجميلة هي ذات العيون الخضراء والشعر الأصفر والملامح الصغيرة الوسيمة والبشرة
البيضاء، ومن لا تملك هذه الصفات فهي ليست جميلة.

ونحن نقول: ليست كل صاحبة وجه جميل جميلة، فالجمال لا تحكمه الملامح الخارجية
للجسد فالشكل ما هو إلا إطار, أما الصورة الحقيقية فهي في أعماق ونفس وسلوك
صاحبة الإطار.

لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ:
هذه الآية تشير أن للإنسان شأنًا عند الله، ووزنًا في نظام هذا الوجود، وتتجلى
هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق, سواء في تكوينه الجسماني
البالغ الدقة والتعقيد أو في تكوينه العقلي الفريد، أو في تكوينه الروحي
العجيب.

وحين تتولى اليد الكريمة الإلهية هذه الصفة فأي جمال تكون عليه ؟ وأي بهاء
تلبسه ؟ وأي صورة تكون عليها ؟ لقد كانت صورتك أيها الإنسان بهية كل البهاء
وحسنة كل الحسن، وكانت وما زالت جميلة أيما جمال أي صورة هذه التي جعلت وجه
الإنسان بهذا القبول الآسر ؟ وهذا الاتساق الباهر ؟

فالعينان مثلاً معجزة الجمال في الشكل والحجم واللون وحتى المكان أكان مقبولاً
لو وضعت مكان الأنف أو الفم فهبطتا، أو مكان الجبهة أو الناصية فصعدتا, أو
تدحرجتا يمنة أو يسرة.. أو تلاصقتا أو تباعدتا, أو خلق الله لك واحدة ؟ أو لم
يجعل لهما حاجبين.. أو غارتا أو برزتا, أكنت مقبولاً آنئذ أم كنت خلقًا آخر؟

إنه المكان الوحيد المناسب، وإنها الهيئة الفريدة التي لا بديل لها، وقس على
ذلك بقية الحواس, ثم تأمل هذا الوجه وما حفل به من تناسق محكم واتساق بديع
وتأمل معي قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ} [غافر: 64]
فكانت هذه الصورة السوية التي اختارها الله قد صنعها بيده وركبها بقدرته فكانت
جميلة فاتنة، والله قصد الجمال والحسن في كل شيء خلقه وخاصة صورة الإنسان يقول
تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ
مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7].

لقد خرجت صورة الإنسان في أحسن تقويم، وهذا اللفظ معجز والمعنى عميق، فكانت
الصورة في أحسن وأجمل هيئة، فليس بعد هذه الصورة الجميلة جمال، وليس بعد هذا
الشكل المبدع إبداع لقد كانت الصورة في أحسن تقويم فلا تقدر قوى البشر جميعًا
على تغييرها، فإن حاولت كما تحاول الآن بعمليات التجميل فتقوم بتصغير هذا العضو
أو تكبير ذاك الآخر، فإن الصورة مهما بدت متناسقة ستكون ممسوخة باهتة, وستفقد
تقويمها الأول, وحينها سيذهب الجمال, هذا الجمال لا تدرك كنهه أحيانًا، ولا
نقدر معرفة أسراره أحايين أخرى.

جمال مزيف:
تنظر الفتاة الآن بعين مبهورة للفتاة المعروضة على الشاشة، على أنها رمز الجمال
والأناقة والرشاقة وهذه هي الجميلة حقًا.. ونسيت المخدوعة المسكينة أن هذا
الجمال المشاهد هو جمال مزيف مغشوش جمال تجاري مصنوع؛ فالفتاة التي تظهر على
الشاشة عارضة أزياء أو ممثلة أو عارضة لمنتج تظل ساعات طويلة أمام المرآة قد
تصل إلى 12 ساعة لتبدو بهذا الشكل, وماذا يفيد هذا الشكل الجميل الممسوخ إن لم
يكن لجمال الروح وجمال الخلق والدين وجود ؟! يقول الشاعر:

جمال الوجه مع قبح النفوس *** كقنديل على قبر المجوس
ونحن لسنا ضد الجمال الشكلي, فجمال الشكل مرغوب كما ذكره لنا الرسول صلى الله
عليه وسلم في حديثه الشريف عند اختيار الزوجة: 'تنكح المرأة لأربع: لمالها
ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك'. متفق عليه.

ولكن أن نجعل جمال الشكل يأخذ كل اهتمامنا وننسى جمال النفس والروح والخلق
والدين فهذا هو المرفوض يقول الشاعر:

ليس الجمال بأثواب تزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدب

إذن من هي الفتاة الجميلة؟
هي كل فتاة توازن بين جمال شكلها وجمال أخلاقها ودينها وروحها؟

أحيانًا الحسن تعاسة!!
فكم من فتاة جميلة لا يحبها الناس ولا يرغبون في معرفتها لأنها قد تكون مغرورة
بهذا الجمال، بل قد يكون الجمال نقمة كبيرة على صاحبته، ولكم سمعنا أن هناك من
طلقت وفشلت حياتها الزوجية بسبب غرورها بجمالها, وهنا نتأمل معا حديث الرسول
mسلم: 'لا تزوجوا النساء لحسنهن, فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا
تزجوهن لأموالهم, فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين, لأمة خرقاء
ذات دين أفضل' وكلنا يعرف زوجة أبي ذر الغفاري وكانت سوداء ليست جميلة وكم كان
يحبها زوجها كثيرًا لتدينها وأخلاقها وصفاتها الشخصية الرائعة.

وفي الختام نقول للفتاة:
اعتني بجمال شكلك, فإن الله جميل يحب الجمال، ولكن لا تهملي أيضًا مع جمال
الشكل جمال الروح والدين, ليتكامل جمال الشكل مع جمال الروح والدين, وهذا هو
الجمال الحقيقي للفتاة.

وأقول لكل فتاة عادية أو متوسطة الجمال أو قليلة الجمال الشكلي: أنت جميلة مهما
كان شكلك, لأن الذي خلقك وصورك على هذه الصورة هو الله, والله تعالى يحبك، فقط
ثقي بنفسك وكوني مؤمنة بالله وبقدر الله, وترنمي معي قول القائل: كم من حسن في
الخُلُق, غطى عيبًا في الخَلْق.

وأقول لمن آتاها الله جمالاً في الشكل: لا تغتري بجمالك, فإن رأس الجهل
الاغترار, وقولي لنفسك: لن أغتر بجمالي فهو منحة ربانية لم أصنعها بنفسي لنفسي,
بل سأدعو الله أن يحسن خُلُقي كما حسن خَلْقي, وسأحافظ عليه كما أمرت حتى لا
يكون نقمة عليّ.






جمال العقل .. هل أنت فتاة جميلة؟ [2]




الناظر إلى واقع الفتاة يجد أنها محصورة في جميع الأعين على أنها الفتاة
الجميلة الرشيقة ذات الملبس الأنيق والعطر الفواح والشعر الملون العجيب... إلخ.

أي أن الجميع ينظر إليها كجسد فقط، فإذا ما تكلمت أو عبرت عن رأيها وجدنا العجب
العجاب, جسد بلا روح، جسد بلا عقل، والإنسان جسد وعقل, يقول الشاعر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

والمرء بأصغريه قلبه ولسانه كما يُقال، أي بعقله وتفكيره ومنطقه.

ومن هذا المنطلق نقول:
إن العقل الراجح والعلم والذكاء لدى الفتاة هي من صفات الجمال فيها.
أليست من تفشل في دراستها قبيحة وإن كانت جميلة الشكل؟
ألا يصف الناس صاحب التفكير الخاطئ أو التافه بأنه أحمق, والحمق هو القبح,
والقبح عكس الجمال.

إن التفكير السليم ووضع الأمور في نصابها من الجمال وهو من الرزق الذي يسوقه
الله إلى العبد، وهي الحكمة التي تجعل الإنسان يضع الأمور في نصابها الحقيقي،
وقد امتن الله على أصحاب العقول وأولي الألباب، ووصف أصحاب الفهم الصحيح بأنهم
أصحاب العقول والنهى، فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.

شبهة يجب ردها:
قد يفهم البعض من حديث رسولنا الكريم: 'ناقصات عقل ودين' أن المرأة ناقصة في
العقل والإدراك والتفكير والعلم عن الجنس الآخر 'الرجل'، وهذا ليس صحيحًا.
إن هذا الخطاب موجه للنساء المسلمات, وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي الشهادة
والصلاة والصوم.
فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية أسلمت فهل تصير ناقصة عقل بدخولها الإسلام؟

فما نقصان العقل والدين إذن؟
سؤال وجهته واحدة من النساء للرسول فكان جوابه:
أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد.
وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
وقد جعل الله ذلك فيما يخص المرأة لحكمة بالغة لأنه خالقها وهو أعلم بها.

أما في غير ذلك من أحكام الشرع فهي والرجل سواء، فهي مكلفة كالرجل في العمل
ومتساوية معه في الأجر، فالله تعالى يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:
97].

وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ
وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً
عَظِيماً} [الأحزاب: 34].

فهي مثل الرجال في الأعمال الصالحة وفي الأجور والجزاء في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث يقول رسولنا mسلم: 'طلب العلم فريضة على كل مسلم'.

فهو يشمل الرجل والمرأة على السواء.

العناية بصحة عقل الفتاة:
على الوالدين الاعتناء بصحة عقل الفتاة حتى تتمتع بتفكير سليم وذاكرة قوية،
وذهن صافٍ، وعقل ناضج، وذلك بتجنيبها المفاسد المنتشرة في المجتمع لما لها من
تأثير على العقل والذاكرة والجسم الإنساني بشكل عام، ومن هذه المفاسد التي تؤثر
على العقل والذاكرة وتخمل الذهن:

تناول الخمور والمخدرات بشتى أنواعها، التدخين، الإثارات الجنسية كمشاهدة
الأفلام الخليعة والصور الفاضحة, فإنها تعطل وظيفة العقل، وتسبب شرود الذهن،
وتقضي على ملكة الاستذكار والتركيز الذهني، فضلاً عن الإلهاء وإضاعة الوقت.

ومما يساعد على نمو عقل الفتاة:
1ـ التغذية السليمة.
2ـ تجنب القلق والصراع النفسي والتشتت الذهني والمشكلات العائلية والنفسية
الأخرى, حيث إن هذه الأمور من العوائق الشديدة أمام فاعلية الذكاء ونشاطه
وتركيزه، كما أنها من الأسباب التي تعوق نمو عقل الفتاة نموًا سليمًا، بالإضافة
إلى هذا فإنها ترهق العقل، وتبدد حيويته ونشاطه.

جمال العقل عند هؤلاء:

السيدة خديجة بنت خويلد:
من قرأ السيرة ونسي من أحداثها ما نسي, فإنه لن ينسى قصة نزول الوحي الأول على
الرسول mسلم, فوجد لدى السيدة خديجة ما يذهب روعه ويسكن نفسه،
كلماتها المشهورة ترن في قلبي صداها: 'والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل
الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق'.

تذكره فضائله وتفتح له أبواب الأمل بالخير وتبشره، ثم تكون أول من يؤمن به على
الإطلاق.

قال ابن إسحاق: 'فخفف الله بها عن رسول الله mسلم, فكان لا يسمع
شيئًا يكرهه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون
عليه أمر الناس'.

وقد أمر جبريل الرسول mسلم أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا
صخب فيه ولا نصب.

لقد كانت امرأة حازمة عاقلة، لم تكن تظن أنها ستكون خير نساء الأرض، أحبها
الرسول حبًا عظيمًا بالرغم من كبر سنها 'أليست هذه المرأة جميلة بالرغم من كبر
سنها؟ بلى إنها جميلة بعقلها.

امرأة تحدت الجبروت:
مدح الله امرأة فرعون فكان ذكرها في القرآن إلى قيام الساعة حيث قال تعالى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ
قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ
فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

ما أعقل هذه المرأة! حيث إنها طلبت جوار الرب الكريم، فقدمت الجار قبل الدار،
وخرجت من طاعة المجرم الطاغية فرعون، ورفضت العيش في قصره وزخارفه، وطلبت دارًا
أبقى وأحسن وأجمل في جوار رب العالمين، أليست هذه امرأة جميلة بعقلها، فكانت
لها إرادة واختيار وأحسنت الاختيار.

أسماء بنت يزيد الأنصارية:
ذهبت وافدة النساء إلى الرسول تطلب مشاركة النساء مع الرجال في الأجر، حتى قال
الرسول لأصحابه: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟
فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا.
أليست هذه امرأة جميلة عاقلة تفكر فيما يصلح به أمر دينها ودنياها.

السيدة عائشة:
إن العلم يزيد من جمال عقل الفتاة ويضفي على شخصيتها تألقًا ونموًا، ومن النساء
من نبغ في العلم نبوغًا لم يسبق له مثيل كالسيدة عائشة أم المؤمنين فقد كانت
المرجع الأول في الحديث والسنة المطهرة والفقيهة الأولى في الإسلام، وهي في
ريعان الشباب لم يتعد عمرها التاسعة عشرة.

قال هشام عن عروة بن الزبير: 'ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من
عائشة'.

درة سعيد بن المسيب
وهذه ابنة سعيد بن المسيب كانت من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله وأعلمهم بسنة
الرسول mسلم, عندما تزوجت عبد الله بن وداعة تلميذ أبيها نهض في
الصباح يريد الخروج فقالت له زوجته: إلى أين؟

قال: إلى مجلس أبيك سعيد بن المسيب أتعلم العلم, فقالت له: اجلس أعلمك علم
سعيد. فمكث شهرًا لا يحضر حلقة العلم مستعينًا بعلم هذه الصبية الحسناء.

أليست هذه فتاة جميلة عاقلة!!






جمال الخُلُق [أ].. فتاتي هل أنت جميلة؟
[3]




قد يختلف الكثيرون في آرائهم حول الجمال ومعاييره، ولكنه لا يختلف اثنان على
أن الخلق الحسن في حد ذاته جمال يزين صاحبته.
فقد نرى فتاة جميلة الشكل والصورة والملبس, ولكنها ليست مؤدبة ومقصرة في
دراستها فهل هذه توصف بالجميلة.




ليس الجمال بأثواب تزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدب



ونرى أخرى ليست جميلة الشكل والصورة ولكنها حسنة الخلق ومتفوقة في دراستها, فهي
طبعًا جميلة في نظر كل من يراها, وانظري معي قول القائل:
كم من حسن في الخُلُق غطى عيبًا في الخَلْق.
وكان من دعاء الرسول mسلم: 'اللهم كما أحسنت خَلْقِي فحسّن
خُلُقِي'.

· حسن الخلق من الإيمان:
ومن الجميل أن ينسب رسولنا الحبيب صفة الإيمان إلى من يتصف بحسن الخلق.
فقد قال mسلم: 'أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا' [رواه
الترمذي].
والفحش من صفات القبح, والقبح عكس الجمال، قال رسول الله mسلم:
'ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله
يبغض الفاحش البذيء'. [رواه الترمذي].

والبذيء: هو الذي يتكلم بالفحش رديء الكلام.

· حسن الخلق عبادة كالصوم والصلاة
ويؤكد ذلك ما روته السيدة عائشة عن حبيبها mسلم: 'إن المؤمن
ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم' [رواه أبو داود].

· حسن الخلق طريق إلى حب الرسول وجواره
ويؤكد ذلك قوله mسلم: 'إن من أحبكم إلي وأقربكم مجلسًا يوم
القيامة أحاسنكم أخلاقًا'.
وإذا سألتِ عزيزتي الفتاة: وماذا نعني بحسن الخلق؟

فإنا نجد الإجابة الشافية والمبسطة فيما رواه الترمذي عن عبد الله بن المبارك ـ
رحمه الله ـ في تفسير حسن الخلق حيث قال: 'هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف
الأذى'.

ويقول الإمام ابن عيينة:
'البشاشة مصيدة المودة, والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين'.

فتاتي المسلمة الجميلة:
ونحن بصدد الحديث عن جمال الخلق فإن هناك من الأخلاق ما تختص بها الفتاة
المسلمة دون غيرها والمرأة المسلمة عمومًا ـ وسأشير بومضات سريعة إلى هذه
الأخلاق وهي من أخلاق الجمال في الفتاة المسلمة, وهي:

الحياء ـ العفة ـ الاستقامة ـ التدين

[1] الحياء: هو خلق يبعث على ترك القبيح وكل ما
يغضب الله.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي mسلم: 'إن مما أدرك الناس من كلام
النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت'.
ـ ولقد روى ابن ماجة في سننه وحسنه الألباني أن النبي mسلم قال:
'إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء'.
ـ والحياء خلق يثمر سلوكًا مع الله وسلوكًا مع الخلق أيضًا، من كانت به صفة
الحياء يلقى من الخلق الثناء.
ـ والحياء والإيمان مرتبطان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله
mسلم: 'الإيمان بضع وسبعون شعبة, والحياء شعبة من الإيمان'.

وأيضًا روى الحاكم في مستدركه: 'الحياء والإيمان قرناء جميعًا، فإذا رفع أحدهما
رفع الآخر'.

وقد ورد في صحيح النسائي عن الرسول mسلم: 'إن الله حيي ستير يحب
الحياء والستر'. وهذه إشارة إلى أنه حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث
تحل الجرأة على القبائح يحل معها التكشف والفضائح.

وهنا لا بد أن نقف عند قصة آدم وحواء لما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله
عنها، وبدت لهما سوءاتهما، أخذا يجمعان من ورق الجنة ويشبكانه بعضه ببعض
ويضعانه على سوءاتهما، ما يوحي بأن الإنسان يستحي من التعري بالفطرة، ولا يتعرى
ولا يتكشف إلا بفساد في هذه الفطرة من إبليس وأعوانه.

وإن رؤية العري جمالاً هو فساد في الذوق الإنساني قطعًا.




فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء



فتاتي الجميلة تابعي معنا الخلق الثاني من أخلاق الجمال وهو [العفة] في المقال
التالي زادك الله جمالاً.

2ـ العفة:
هي الطهر والستر، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
وهذا أمر من الله خاص للنساء بغض البصر عما حرم الله.
وأيضًا أمر هو من الله خاص 'بحفظ فروجهن' قال سعيد بن جبير: عن الفواحش وقال
قتادة وسفيان: عما لا يحل لهن وقال مقاتل: عن الزنا.

والآن نقف ونتساءل: وما جزاء العفة عند الله تعالى؟
نجد الإجابة وبكل وضوح في الآية الكريمة قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ... أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ
مُكْرَمُونَ} [المعارج:35].

فتاتي المسلمة الجميلة: إن مع المتعفف عون من الله ووعد منه أيضًا بالرزق
والإغناء، لقد كفل الله بإغناء الرجال والنساء إن هم اختاروا طريق العفة
النظيف: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
[النور:32].

وقال mسلم: 'ثلاثة حق على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله،
والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف'.

سوداء لكنها جميلة ومن أهل الجنة

فتاتي الجميلة إليك هذه القصة العجيبة:
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ' ألا أريك امرأة من
أهل الجنة ؟ فقلتُ: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي mسلم
فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله تعالى لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة
وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر فقالت: فإني أتكشف, فادع الله أن لا
أتكشف فدعا لها'. [متفق عليه].

إنها اختارت الجنة, ولكن أرَّقها أنها حين تصرع تتكشف، فسألت الرسول صلى الله
عليه وسلم الدعاء ألا تتكشف.. لماذا؟ إنه الحياء.. إنها العفة.. إنها امرأة
جميلة مع أنها سوداء، إنها جميلة بخلق العفة والحياء.

فكيف بفتيات اليوم وأين ذهب حياؤهن ؟ وتلك المرأة تخشى أن تتكشف ساقها فقط وهي
مريضة، والفتاة الآن قد تكشف غير ذلك وهي بكامل عقلها وصحتها بلا حياء.

إن جمال المرأة ليس في لونها أبيض أو أسود, ولكن الجمال الحقيقي في الحياء
والعفة، فحياء الفتاة قوة وليس ضعفًا, وهو عنصر جمال عند الفتاة لا يقل أهمية
عن لونها وشكلها.

وللمربي .. أقول:
إن تربية الفتاة على معاني العفة يستلزم التقيد بآداب الإسلام وبالوسائل
المؤدية إلى تهذيب النفس وبالتدابير التي لا توصل إلى إثارة هؤلاء المراهقات،
ومن هذه التدابير: غض البصر ـ التقيد بآداب الاستئذان ـ الابتعاد عن مخاطر
التلفاز ـ التورع عن الوقوع فيما حرم الله.

فلا بد أن تتربى الفتاة على التسامي والعفة قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ
الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
[النور:33].

وإذا سألت سائلة: فكيف يكون الاستعفاف؟
تكون الإجابة بأن الاستعفاف يكون بالصوم أو بالزواج لمن استطاع الزواج، وأيضًا
بالدعاء كما كان يدعو رسولنا mسلم: 'اللهم إني أسألك الهدى
والتقى والعفاف والغنى'.

3ـ الاستقامة: وهي لزوم طاعة الله، وهي من جوامع
الكلم، وهي الاعتداء والمضي على المنهج دون انحراف.

فعن أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله, 'قل لي
في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم'. [رواه
مسلم].

استقم: أي على عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات.

واعلمي عزيزتي الفتاة أن المعاصي تزيل النعم وتذهب الجمال، فإن ما عند الله لا
ينال إلا بطاعته، وزوال النعمة تكون في معصيته.




لا تعرضي عن هدي ربك ساعة *** عضي عليه مدى الحياة لتغنمي
ما كان ربك جائرًا في شرعه *** فاستمسكي بهداه حتى تسلمي



4ـ التدين: وهذا ما سنفرد له مقالاً بعنوان 'جمال
التدين' فتابعينا زادك الله جمالاً.






جمال التدين ... فتاتي هل أنت جميلة ؟؟
[4]



تتبارى كل امرأة وفتاة حسناء وغير حسناء بما لديها من جواهر، وما عليها من ثياب
لتقول إني الجميلة الحسناء، وتضع من المساحيق والألوان والعطور أذكاها وأغلاها،
كي يقال عنها إنها عصرية متطورة ومتحضرة، وبعد ساعات تزول المساحيق وتلقى
الجواهر ويبقى الجوهر الأصل .. القلب وما يحتويه من إيمان ودين.

وكلنا يعرف ويردد الحديث الشريف وهو منهج حياة لكل شاب عند البحث عن فتاة
الأحلام، قال رسول الله mسلم: 'تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها
ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك' [متفق عليه].

فقد بين mسلم صفات المرأة التي ينبغي للرجل أن يبحث عنها، ويقال
إن هذا الحديث فيه جمال حسي ومعنوي، فأما الحسي فهو كمال الخلقة لأن المرأة
كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها وأصغت الأذن إلى
نطقها فينفتح لها القلب وينشرح لها الصدر وتسكن إليها النفس.

ثم ذيل الحديث بأفضل صفة وهي صفة الدين وهي الجمال المعنوي، فكلما كانت المرأة
ذات دين وخلق كانت أحب إلى النفس وأسلم عاقبة.

يقول الغزالي: 'وليس أمره mسلم بمراعاة الدين نهيًا عن مراعاة
الجمال، ولا أمرًا بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين، فإن
الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين فوقع في
النهي عن هذا.

ومما قيل: المرأة الجميلة تملك القلوب لكن المرأة الفاضلة [المتدينة] تسرق
العقول فالأولى ملكت ما سمى [قلبًا] لكثرة تقلباته، والثانية افتتنت كنز
[الحكمة] ومركز حقيقة الإنسان.

ورب جميلة بدون دين يصونها جرت على أسرتها الويلات [أي سببت لهم المشاكل].




يقول الشاعر:




لا تركنن إلى ذي مـنظر *** فـرب رائقة قد ساء مخبرها
ما كل أصفر دينار لصفرته *** صفر العقارب أرداها وأنكرها



ولذلك حذر الرسول mسلم من الزاج من الجميلة في المنبت السوء
فقال: 'إياكم وخضراء الدمن قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال المرأة
الجميلة في المنبت السوء'.

معنى التدين
والتدين هو الطريق الذي اختاره لنا الله، والتزام في الحياة يجعل الإنسان يسير
على أرضية صلبة ويؤدي هذا الطريق إلى الجنة.

واعلمي أختي الحبيبة أن الدين في حد ذاته جمال لأنه يجمع بين التدين والخلق
وهذا يبعث بالجمال في المظهر، ورضا الله يبعث صفاءً على الوجه فتبدو الفتاة
جميلة.

والفتاة المتدينة المحجبة جميلة بدينها وحجابها، لأن الحجاب يظهر جمال الفتاة،
ونقصد بالجمال هنا جمال طاعة الله تعالى، ألا نقول عندما يقع العبد في معصيته
أنه عمل عملاً قبيحًا، أما إذا عمل الطاعة نقول عمل عملاً جميلاً، فالحسنة توصف
بالجمال والسيئة توصف بالقبح.

واعلمي أن كل خطوة في اتجاه الدين هي حب من الله لك، فإذا رزقك الله الدين فقد
أحبك فقد قال رسول الله mسلم: 'إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن
لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب' وتلمحي فجر الأجر وتذكري رضا الله والجنة.

اشكري الله على جمالك وترنمي مع قول الشاعر:




إني اتخذت من الجمال وحسنه *** سببًا لشكر الخالق الرحمن
الله قد خلق الجمال كآية *** لجليل صنع الله في الأكوان



القلب الأبيض جمال:




إني وهبت الشعر أسود فاحمًا *** لكن شعوري أبيض العنوان
فالقلب إن يملأ بطيب مشاعر *** لهو الجمال الحق ما أهناني



قيام الليل جمال:




والليل إذ يقضي بخير عبادة *** هو نور روحي أو مضيء جناتي



ملامح الإيمان:




وجهي إلى الرحمن متجهًا له *** كل الثناء وطائـل الشكران
وجهي تزينه بروحي عزة *** بالله لا بسـواه عـز مكاني
وملامح الإيمان تكسو بالحيا *** وجهي وليست صبغة الألوان



جمال الصدق:




فمي الجميل به أسبح خالقي *** لا أحـرم لا غـيبة بلسـاني
أنا لست أنطق بالمعيب لأنه *** قبح يشـوه فـطرة الإنسـان
أنا لست انطق غير صدق إنني *** وسواه دومًا ما نحن مختصمان



جمال الحجاب:




ثوبي أجهزه كثيفًا واسعًا *** ليكون سترًا ليس كشف عوان
ثوب الفضيلة والطهارة سعره *** غالٍ ونعـم زيـادة الأثمـان
ثوب الحسان مطرز ومضيق *** سـاءت به تفصـيله الأبـدان
ثوب الكرام تزين وتعفف *** ليس الحرير بساتر الجسمـان
ثوب الوقار وشاح كل جميلة *** ثوب العـفاف جـميلة البستان



فتاتي أنت جميلة بدينك وحجابك وحيائك وعقلك ..

أنت جميلة بذكرك لله وإيمانك أنت جميلة برضا الله عنك.




هذي ملامح من جمالي إنها *** أصل الجمال وكسوة الإنسان
هذي عطوري يا خليلة طيبها *** يبقـى وتلك كسـوتي وكياني
ركبت من سحر الجمال حقيقة *** فخـذي بلا عـد بلا أثمـان
تبقين عمرك في جمال ساحر *** والذكـر للإنسان عمـر ثانِ