مناطق الغامضة في المحيطات



يعتقد
بعض الناس أن هناك مناطق من العالم ، تتوقف فيها قوانين الطبيعة عن العمل ،
وتحدث في تلك المناطق حوادث خارقة مثل بعض الاختفاءات غير المحسوبة ،
والحوادث الغريبة ، ومثل هذه المناطق هو مثلث برمودا .
كثيرا ما قيل أن
الغموض هو حيث تجده ، وكل إنسان يثير فضوله كل ما هو غير قابل للتفسير .
ويبدو أن تاريخ الإنسانية هو سلسلة من حل المشاكل الغامضة ، إذ أن الإنسان
لم يكن ليستريح أمام المجهول ، وحيث لم يوجد تفسير معقول لظاهرة ما، فقد
اخترع الإنسان تفسيرا لها ، وهكذا كانت الآله في العصور القديمة ، والقوى
الخارقة هي المسئولة عن الظواهر الغامضة في العالم . وبهذه الطريقة نفترض
أن الإنسان حتى قبل نزول الأديان السماوية ، وتطور علوم الفلسفة ، وطرق
التفسير العلمية ، استطاع أن يفسر الظواهر الغامضة حوله ويتلاءم معها .
إن
الإنسان في مواجهة الظواهر التي كانت تهدد حياته ( الطقس السيئ والأمراض
والكوارث الطبيعية ) اتخذ موقفا لمنع وقوع مثل هذه الحوادث ، وهو تغير
سلوكه والإذعان لإرادة الأرواح والقوى التي آمن بها ، ولو لم يفعل الإنسان
ذلك ، لعاش في ذعر وشك دائمين .
لقد استطاع الإنسان بخبرته والمعلومات
التي حصل عليها تفسير كثير من غوامض الطبيعة بشكل جيد ، ولكن ما زلنا
بعيدين جدا عن تفسير كامل للطبيعة ،ولأنفسنا كما يحاول البعض اعتقاد ذلك .
وعلى
مر التاريخ اعتبرت بعض الأماكن مخيفة ، أو مسكونه بالأرواح الشريرة أو
مجرد أنها غريبة ونحن حتى الآن لا نزال نجد مثل هذه الأماكن ، وخلال قرن من
تطور العلم والتكنولوجيا أصبح الناس أكثر استعدادا لتفحص ودراسة الظواهر
غير المألوفة ، لقد ذكر الكاتب ومؤلف الخيال العلمي المشهور اسحق عظيموف نه
لا يوجد شيء غير قادر للتفسير ، وهو سيبدو غير قابل للتفسير طالما أن
المعلومات اللازمة لتفسيره لا زالت ليست بحوزتنا .
وفي مجال الغرائب
المعاصرة ،نجد في أكثرها شعبية وتأثيرا ( إلي جانب وبالارتباط مع الأجسام
الطائرة المجهولة ) نجد ما يسمى بالمثلثات ، والدوامات ، ومناطق الرعب
المنتشرة في العالم ، وتمثل هذه المناطق انعطافات أو تشققات في المكان
والزمان ، إنها جيوب تتوقف فيها القوانين العادية للطبيعة عن العمل ،
وتتميز هذه المناطق بشكل نظري بعدد من الظواهر الغامضة : الاختفاءات
الغامضة ، والشذوذات الكهرطيسية والجاذبية ، ونشاطات هامة للأجسام الطائرة
المجهولة والأجسام المغمورة المجهولة ، والتفافات في الزمن ، وتجليات
للأشباح ، وبقايا مخيفة لحضارات قديمة ضائعة .
إن النظريات الخاصة بمثل
هذه المناطق والظواهر المتعلقة بها ، يمكن أن توضح باستعراض أهم هذه
الحالات وهي من اكثر الدوامات إخافة وشعبية : مثلث برمودا .
ومثلث
برمودا هو المنطقة من غرب المحيط الأطلسي حيث يُزعم حدوث عدد كبير من
الحوادث التي تفتقر للتفسير مثل : إختفاءات غير متوقعة ، واضطرابات في
الأجهزة والآلات ، وأجسام طائرة مجهولة وأجسام مغمورة مجهولة .
ويختلف
الموقع الدقيق لمثلث برمودا ومساحته وفق مختلف العلماء والبحاثة ، ولكن
يمكن رسم القسم المركزي من المثلث بوصل نهاية شبه جزيرة فلوريدا بخط إلى
جزيرة باهاما ، ومن ثم إلى بورتوريكو ، ثم إلى برمودا ، وأخيرا إلى فلوريدا
مرة أخرى . وهذا هو ما وصفه فينسنت غاديس عام (1960)حين أطلق اصطلاح مثلث
برمودا على هذه المنطقة ، ويستعلم آخرون نفس التسمية ولكن على منطقة تشمل
مساحة أكبر من المحيط الأطلسي .
لقد أصبحت منطقة برمودا ومياهها في
القرن العشرين ، ولقد أحاطت الشاعرية والغموض بها منذ الأيام الأولى
للرحلات الاستكشافية للعالم الجديد انطلاقا من أوربا ، ففي عام (1492) و
قبيل الرسو على شواطئ جزر الهند الغربية ، سجل كر يستوف كولومبوس انه لاحظ
مع بحارته كرة نارية كبيرة تسقط في البحر ، وفي (11) تشرين الأول وقرب
انتهاء الرحلة ذكر كولومبوس انه وأحد بحارته لاحظا ضوءا مشعا على سطح الماء
لم يلبث أن اختفى فجأة .
وبعد ساعات من ذلك شاهد كولومبوس الأرض
الجديدة ، ورغم أن هذه الحوادث اعتبرت على أنها الأولى التي أشارت لغرابة
مثلث برمودا ، إلا أن كولومبوس ورفاقه لم يعيروا اهتماما يذكر لما رأوا ،
فلربما كانت الكرة النارية شهبا ، والضوء على سطح الماء ربما كان نارا على
شاطئ إحدى الجزر أو في أحد زوارق الهنود ، وأخيرا ربما كان وهما ، ومهما
كان الأمر فقد أعطى كولومبوس لمثلث برمودا أصلا يعود إلى (500)سنة ، إن
أكثر ما يثير الاهتمام في ملاحظات كولومبوس ، هو أنه بينما كان بجوار بحر
ساركاسو دُهش لتحول اتجاه بوصلته من الشمال إلى الشمال الغربي وقد زاد
الانحراف خلال الأيام التالية وقد ساد الذعر بين البحارة ، وزاد مخاوفهم من
انهم يدخلون منطقة غير طبيعة فعلا . ولقد اعتقد كولومبوس نفسه أن البوصلة
لم تكن تسير جهة نجم القطب ، وإنما إلى جهة أخرى غير معروفة ، وعلى الرغم
من أن كولومبوس كان الأول لملاحظة مثل هذا الانحراف ، ألا أنه يحدث تقريبا
في كل مكان وسرعان ما يقوم مع مياه المناطق الأخرى من الأرض ، فقد شق
المستكشفون الأوائل والجيوش والمغامرون طريقهم إلى العالم الجديد الغني عبر
جزر الهند الغربية وتبعهم المستعمرون والتجار الرقيق . ولا زالت المنطقة
تُقطع حتى اليوم بالسفن والطائرات الكبيرة والخاصة ، وكذلك فهي منطقة مفضلة
للتدريب لسلاح البحرية لعدد من الدول .
وطبعاً،فمنطقة مكتظة بالحركة
هذه، يزيد فيها احتمال الحوادث والتحطم والضياعات بالمقاربة مع مناطق أقل
كثافة بالنسبة للمرور البحري والجوي. ولكن وفق أسطورة مثلث برمودا
المتنامية ، هناك عدد كبير من الكوارث غير الطبيعية والغريبة حدثت هناك ولا
يمكن تجاهلها بشكل كامل. لقد كان هناك بالتأكيد عدد من الحوادث الدرامية
التي أقرت أكثر سلطات التحقيق واقعية بصعوبة حلها .
وربما كان من أكثر
حوادث مثلث برمودا غموضاً هو حادثة الطيران 19 تاريخ 5 كانون الأول سنة
1945، ففي الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم ، حلق رف من الطائرات
بقيادة الملازم شارلز تايلور انطلاقاً من قاعدة لودر دير البحرية في رحلة
تدريب روتينية. ولقد اشترك 14 رجل في هذه المهمة ، وكان هناك رجل خامس عشر
هو الكوربورال آلان كوستار وقد أعفي من الطيران في ذلك اليوم بناء على
طلبه.
حلق الرف لمسافة حوالي 110 كم شرقاً وكان من المقرر أن يستمر
بالطيران إلى الشرق ثم الشمال فالغرب والجنوب الغربي ملتفاً حول مثلث يعيده
إلى القاعدة التي انطلق منها حوالي الساعة الرابعة بعد ظهر نفس اليوم،
ولكن في الساعة الرابعة إلا ربع تلقى برج الاتصال في القاعدة إشارة تفيد أن
رف الطائرات يعاني من مشكلة ، فبينما كان الملازم روبرت كوكس يقود رف آخر
تدريبي في نفس الوقت التقط مكالمة موجهة من الملازم تايلور إلى أحد ملاحي
الطائرات الأخرى وسمع كوكس في المكالمة ما يلي على لسان تايلور: ( لا أدري
أين نحن ، لا بد أننا أضعنا الطريق بعد الالتفاف الأخير ) وقد أخبر كوكس
القاعدة على الفور بما سمعه ، ثم اتصل بتايلور ولعب دور الوسيط بينه وبين
القاعدة ،وأبلغ تايلور أن البوصلتين لديه لا تعملان ، ومن وصف تايلور للأرض
المتكسرة تحته ، خمن كوكس أن رف تايلور لا بد أن يطير فوق باهاما أو
بيمينيس ،وأعقب ذلك تعطل جهاز الإرسال لدى كوكس مما اضطره إلى قطع الاتصال
والهبوط ، ومن العبارات التي قالها تايلور للقاعدة أيضاً ( يبدو وكأننا
ندخل المياه البيضاء ، وكل شيء خطأ ، حتى المحيط لا يبدو كما يجب أن يكون )

وأصبحت بعد هذه الرحلة قصة طيران الرف 19 من أكثر القصص غموضاً
وإثارة في الجو وعلى الأرض.

لقد فشلت محاولات تخفيف الغموض الخاص
بمثلث برمودا ولم تحرز النجاحات التي تحاول على العكس توسيع القضية ، ويجب
أن نؤكد أنه إذا قرر أحد الأشخاص تفسير الموضوع بشكل منطقي فلن يبقى إلا
القليل جداً من الغموض ، وهناك قول مأثور يقول : إذا لم تعجب من الحادث
العجيب ، لا تبقى عجيباً على الإطلاق، ويبدو أنه إذا أثير موضوع مشوق
فسيبقى تشويقه مخلداً ، ويجد الأشخاص المهتمين بغوامض مثلث برمودا أنفسهم
على الغالب ، أكثر تحسساً للمشاركة في الخبرات غير العادية.