السؤال:
هل الرقية الشرعية يجوز فيها الاجتهاد في اختيار الآيات والأحاديث الصحيحة
والأدعية الثابتة؟ أم يجب الاتباع لما ثبت بالأحاديث الصحيحة التي خصت
الرقية الشرعية ؟




الجواب :
الحمد لله
إذا رقى الراقي بعموم القرآن ، أو عموم ما ورد من تعويذات وأدعية شرعية للرقية ، أو
ما فتح الله عليه من الأدعية الصحيحة المناسبة للمقام ، من دون أن يلتزم الرقية
الخاصة الواردة ، فلا حرج عليه في ذلك ، إن شاء الله ؛ لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ
فَلْيَنْفَعْهُ ) رواه أحمد (13973) ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 6019 )

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ
فِيهِ شِرْكٌ ) رواه مسلم (2200) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز الرُّقَى عِنْد اِجْتِمَاع ثَلَاثَة
شُرُوط :
أَنْ يَكُون بِكَلَامِ اللَّه تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته ,
وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ أَوْ بِمَا يُعْرَف مَعْنَاهُ مِنْ غَيْره , وَأَنْ
يَعْتَقِد أَنَّ الرُّقْيَة لَا تُؤْثَر بِذَاتِهَا بَلْ بِذَاتِ اللَّه تَعَالَى .

وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنهَا شَرْطًا , وَالرَّاجِح أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ
اِعْتِبَار الشُّرُوط الْمَذْكُورَة , فَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَوْف بْن
مَالِك قَالَ : " كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقُلْنَا : يَا رَسُول
اللَّه كَيْف تَرَى فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : اِعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ , لَا
بَأْس بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْك " وَلَهُ مِنْ حَدِيث جَابِر " نَهَى
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى , فَجَاءَ آل عَمْرو
بْن حَزْم فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدنَا رُقْيَة نَرْقِي
بِهَا مِنْ الْعَقْرَب , قَالَ : فَعَرَضُوا عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا أَرَى بَأْسًا
, مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ " وَقَدْ تَمَسَّكَ قَوْم
بِهَذَا الْعُمُوم فَأَجَازُوا كُلّ رُقْيَة جُرِّبَتْ مَنْفَعَتهَا وَلَوْ لَمْ
يُعْقَل مَعْنَاهَا , لَكِنْ دَلَّ حَدِيث عَوْف أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنْ
الرُّقَى يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك يُمْنَع , وَمَا لَا يُعْقَل مَعْنَاهُ لَا
يُؤْمَن أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك فَيَمْتَنِع اِحْتِيَاطًا , وَالشَّرْط
الْآخِر لَا بُدّ مِنْهُ ... وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : " مَا كَانَ بِكَلَامِ اللَّه
أَوْ بِأَسْمَائِهِ فَيَجُوز , فَإِنْ كَانَ مَأْثُورًا فَيُسْتَحَبّ " انتهى من
"فتح الباري" (10/195) .


وقال الخطابي رحمه الله :
" فأما الرقى فالمنهي عنه هو ما كان منها بغير لسان العرب ، فلا يدرى ما هو ولعله
قد يدخله سحر أو كفر ، فأما إذا كان مفهوم المعنى ، وكان فيه ذكر الله تعالى فإنه
مستحب متبرك به "
انتهى من "معالم السنن" (4/ 226) .


وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" الرقى أربعة أقسام : ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة ، وما كان شركاً
، أو كان بدعة فالرقية به محرمة ، وما كان دعاءً مباحاً لا شرك فيه ولا بدعة ، لكنه
ليس مما ورد عن النبي mعلى آله وسلم ، فالرقية به جائزة ، ولهذا قال
النبي عليه الصلاة والسلام في الرقى ( لا بأس بها ما لم تكن شركاً ) . انتهى من "
فتاوى نور على الدرب" (6 /14) .