مظاهر الجفاء مع النبي mسلم

....................



لا شك أن هناك تقصير من المسلمين نحو نبيهم mسلم، الأمر الذي يتطلب منهم مراجعة أحوالهم ومعالجة ضعفهم قبل فوات الأوان ثم الندم حيث لا ينفع، وهنا نعرض لبعض مظاهر الجفاء التي يقع فيها بعض المسلمين:

1) البعد عن السنَّة باطنًا:
بتحول العبادات إلى عادات ونسيان احتساب الأجر من الله، أو ترك متابعة الرسول mسلم وتعظيمه، والمحبة القلبية الخالصة له، ونسيان السنن وعدم تعلمها، أو البحث عنها، وعدم توقير السنة والاستخفاف بها باطنًا.


2) البعد عن السنَّة ظاهرًا:
بترك العمل بالسنن الظاهرة الواجب منها والمندوب، وعلى سبيل المثال سنن الاعتقاد ومجانبة البدعة وأهلها بل وهجرهم، أو السنن المؤكدة مثل: سنن الأكل واللباس أو الرواتب، أو الوتر، أو ركعتي الضحى، وسنن المناسك في الحج والعمرة، والسنن المتعلقة بالصوم في الزمان والمكان، فصارت السنة عند بعض الناس كالفضلة – والله المستعان.
ولعمر الله لا يستقيم قلب العبد حقيقة حتى يعظِّم السنة ويحتاط لها، ويعمل بها. هذا وقد قال رسول الله mسلم: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" كما في الصحيحين.

3) رد الأحاديث الصحيحة:
بأدنى حجة من الحجج، كمخالفة العقل أو عدم تمشيها مع الواقع، أو عدم إمكان العمل بها، أو المكابرة في قبول الأحاديث، وتأويل النصوص وحرفها لأجل ذلك، أو رد الأحاديث الصحيحة باعتبار أنها آحاد أو دعوى العمل بالقرآن وحده، وترك ما سوى ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن الأدب معه ألاَّ يستشكل قوله، بل تُستشكَل الآراء لقوله، ولا يُعارَض نصه بقياس، بل تُهدَر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، نعم! هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد. فكان هذا من قلة الأدب معه mسلم، بل هو عين الجرأة".


4) العدول عن سيرته mسلم وسنته:
وفي عصر الإعلام يتجلى الجفاء في العدول عن سيرته mسلم وسنته وواقعه وأعماله إلى رموز آخرين من عظماء الشرق والغرب – كما يسمون – سواء كانوا في القيادة والسياسة، أو في الفكر والفلسفة، أو في الأدب والأخلاق. والأدهى من ذلك مقارنة أقوال هؤلاء ومقاربتها لأقوال النبي mسلم وأحواله، وعرضها للعموم والعامة، وتلك مصيبة تهوِّن على العوام التجني على سيرة المصطفى mسلم وسنته، وتثير الشكوك في أقواله وأعماله التشريعية mسلم والتي هي محض وحي: { إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4].
ويلحق بذلك: تقديم أقوالهم على أقواله mسلم، وأحوالهم على أحواله، وأعمالهم على أعماله، ويا للأسف! من يقوم بمثل تلك الأعمال؟ إنهم رجال العفن وفئة منهم أهل الصحافة وبعض ساسة الإعلام والتعليم ممن تسوّدوا بغير سيادة، وقادوا بغير قيادة!!



5) نزع هيبة الكلام حين الحديث عن النبي mسلم:
وفي مجالسنا ومنتدياتنا يلاحظ المتأمل منا جفاءً روحانيًا يتضح في نزع هيبة الكلام حين الحديث عن النبي mسلم وكأنها حديث عابر، أو سيرة شاعر، أو قصة سائر، فلا أدب في الكلام، ولا توقير للحديث، ولا استشعار لهيبة الجلال النبوي، ولا ذوق للأدب النوراني القدسي، فلا مبالاة، ولا اهتمام، ولا توقير، ولا احترام، وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [الحجرات:2]. هذا أيها الناس هو الأدب الرباني، فأين الأدب الإنساني قبل الأدب الإسلامي؟
"كان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله mسلم أمر الحاضرين بالسكوت، فلا يتحدث أحد، ولا يُبرى قلم، ولا يبتسم أحد، ولا يقوم أحد قائمًا، كأن على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة، فإذا رأى أحدًا منهم تبسم أو تحدث لبس نعله وخرج". ولعله بذلك يتأول الآيات الثلاث في أول سورة الحجرات، كما تأولها حماد بن زيد بهذا المعنى".
"وكان مالك رحمه الله أشد تعظيمًا لحديث رسول الله mسلم، فكان إذا جلس كيف كان، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابًا جددًا وتعمم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار، ويبخر المجلس من أوله إلى فراغه تعظيمًا للحديث".


6) هجر أهل السنة أو اغتيابهم والاستهزاء بهم:
ويلحق الجفاء: جفاء القلوب والأعمال تجاه من خدموا السنة، ويتمثل ذلك في هجر أهل السنة والأثر العاملين بها، أواغتيابهم ولمزهم والاستهزاء بهم واستنقاص أقدارهم، وانتقادهم وعيبهم على التزامهم بالسنن ظاهرًا وباطنًا.
وفي وصف أهل السنة والأثر يقول mسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
وهذا أحد السلف وهو الجنيد بن محمد يقول: "الطرق إلى الله كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول mسلم، واتبع سنته ولزم طريقته؛ فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه.


7) هجر السنن المكانية:
ومن صور الجفاء الذي طبقه الكثيرون هجر السنن المكانية، وشواهد هذا الجفاء في حياتنا كثيرة، فترى من الناس من يحج كل عام ويعتمر في السنة أكثر من مرة، ومع ذلك تمر عليه سنوات كثيرة لم يعرِّج فيها على المدينة النبوية إلا أقل من أصابع اليد الواحدة، وإن زارها فلا اهتمام بالسنن والشعائر، وهذا لعله من النسيان والانشغال بغير السنن والبعد عن قراءة السيرة النبوية.
ومن السنن في المدينة: الصلاة في المسجد النبوي، وهي صلاة مضاعفة، والصلاة في مسجد قباء، وقد قال النبي mسلم فيما رواه أُسيد بن ظُهير: "صلاة في مسجد قباء كعمرة".
والصلاة في الروضة الشريفة، وهي من رياض الجنة التي ينبغي التنعم فيها والاعتناء بها، إذ هي من أماكن نزول الرحمة وحصول السعادة وأسبابها. وقد بين ذلك mسلم بقوله: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي".
ويلحق بزيارة المدينة النبوية زيارة قبر النبي mسلم والسلام عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، وزيارة قبور البقيع من الصحابة، وقبور الشهداء، وقبر حمزة رضي الله عنهم؛ لأن النبي mسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولعموم الأحاديث في زيارة القبور؛ وأن يدعو لهم، وأن يستشعر فضائلهم، ومناقبهم وجهادهم، وأن يلين قلبه ويتذكر الآخرة لعل الله أن ينصر به دينه كما نصره بهم، وأن يجمعه بهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، والله المستعان.


8) عدم معرفة خصائص النبي mسلم:
ومن الجفاء مع النبي mسلم علميًا وتربويًا عدم معرفة الخصائص والمعجزات التي خص الله بها نبيه محمد mسلم، وهذا مما ينبغي أن يتفطن له المتعلمون قبل غيرهم، وينبغي مراعاة الفروق بين الخصائص والشمائل والمعجزات والكرامات، وأن الكرامات هي ما يبارك الله في أصله مثل تكثير الطعام والاستسقاء، أو ما يُحدثه الله عز وجل من الخوارق التي يعجز عنها الإنس والجن؛ فيهيئها الله لعباده من غير قاعدة سابقة، ولا تكون الكرامات إلا لمن استقام ظاهرًا وباطنًا على الطريق المستقيم، وقد تجري لغيرهم لكن ليس على الدوام. أما المعجزات فلا تكون إلا للأنبياء للاستدلال بها والتحدي، وهي على الدوام على بابها في التعجيز، وليست من جنس الخوارق. وأما الخصائص فهي الأحكام التي خص الله بها نبيه mسلم مثل الجمع بين أكثر من أربع زوجات، والقتال في الحرم المكي. والشمائل هي: الأخلاق الكريمة التي كانت محور حياة النبي mسلم كالعفو والصفح والرحمة ولين الجانب.


9) الابتداع في الدين:\

ويزداد الجفاء سوءًا حين يبتعد المرء عن الجادة والشرع إلى سلوك الابتداع في الدين ومشابهة حالة المخلِّطين من تعظيم مشايخ الطرق ورفعهم فوق منزلة الأنبياء بما معهم من الأحوال الشيطانية والخوارق الوهمية، أو الغلو في الأولياء الذين يُظن أنهم كذلك، وإطراؤهم في حياتهم وتقديسهم بعد مماتهم، ودعاؤهم من دون الله، والنذر لهم وذبح القرابين باسمهم، والطواف حول قبورهم أو البناء عليها، وهذا هو الشرك الذي بُعِثَ النبي mسلم لإزالته وهدمه وإقامة صرح التوحيد مكانه في الأرض وفي القلوب، فأقام الله دينه.


10) الغلو في النبي mسلم:
ومن الجفاء الذي يؤذي النبي mسلم ويخالف هديه ودعوته، بل يخالف الأصل الذي أرسله الله به وهو التوحيد -: الغلو في النبي mسلم ورفعه فوق منزلة النبوة وإشراكه في علم الغيب، أو سؤاله من دون الله، أو الإقسام به، وقد خاف النبي mسلم وقوع ذلك فقال في مرض موته: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله".
ومن الغلو فيه mسلم: الحلف والإقسام به، فإنه من التعظيم الذي لا يصرف إلا لله وحده، وقد قال mسلم: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت".


11) ترك الصلاة عليه mسلم:
ومن الجفاء أيضًا ترك الصلاة عليه mسلم لفظًا أو خطًّا، إذا مر ذكره، وهذا قد يحدث في بعض مجالسنا، فلا تسمع مصليًا عليه mسلم؛ فضلاً عن أن تسمع مذكِّرًا بالصلاة والسلام عليه، وهذا على حد سواء في المجتمعات والأفراد. وأي بخل أقسى من هذا البخل؟ وبهذا الجفاء يقع الإنسان في أمورٍ لا تنفعه في آخرته ولا في دنياه.


12) عدم معرفة قدر الصحابة:
ومن الجفاء ما يتقمصه الكثيرون على اختلاف في النيات، وتنوع في صور الجفاء يجمعها عدم معرفة قدر الصحابة ومنازلهم وفضائلهم وهم الجيل الأغر، حظ النبي mسلم من الأجيال، وهو حظهم من الأنبياء، لهم شرف الصحبة كما لهم نور الرؤية.


13) الحساسية المفرطة حيال كل ما يتصل بتعظيم النبي mسلم:
ويأتي في النهاية ما قد يكون السبب في التزام الجفاء والتقنع به وهو الحساسية المفرطة من بعض المنتسبين إلى السنة والجماعة حيال كل ما يتصل بتعظيم النبي mسلم وتقديره وتعظيم أهل بيته الصالحين، سواء عند ذكره أو ذكرهم أو القصد إلى ذكره أو ذكرهم، خشية التشبه ببعض الطوائف، وهذا قصد في غير محله، وهذا التعظيم للنبي mسلم لا يُقصد به الخروج عن التعظيم الشرعي الوارد في الكتاب والسنة، ولا الاحتفال بالموالد، ولا التواجد عند السماع، أو التلذذ بالمدائح وحدها، وضابط ذلك التعظيم ما كان عليه النبي mسلم وأصحابه، ومعرفة المحب الصادق من غيره في الاتباع، ومن إذا ذكرت له هدي رسول الله mسلم امتثله، وانتهى عما أحدثه في الدين، ومن إذا ذكرت له السنة تركها واتبع هواه.
ـــــــــ
محبة النبي mسلم وتعظيمه/عبدالله الخضيري وعبداللطيف الحسن(بتصرف).



م/ن