Sad


-هل الإحساس الخالص وجود؟
-هل يمكن الفصل بين الإحساس والإدراك؟
-هل الإدراك إدراك لنظام الأشياء أمارتباط بالتجربة الحسية ؟





مقدمة:
يعيش الإنسان في بيئة مادية واجتماعية تحيطبها آثارها من كل جانب وفي كل الحالات هو مطالب بالتكيف معها ومن الناحية العلميةوالفلسفية تتألف الذات الإنسانية من بعدين أساسيين, أحدهما يتعلق بالجانب الاجتماعيوالآخر ذاتي يتعلق بطبيعة ونوعية الاستجابة, هذه الأخيرة منها ما هو إحساس ومنها ماهو تأويل وإدراك, فإذا علمنا أن الإنسان يعيشفي بيئة حسية وأن الأشياء تظهر منظمةفي الواقع فالمشكلة المطروحة:
-
هل الإدراك إدراك لنظام الأشياء أم ارتباطبالتجربة النفسية ؟
الرأي الأول(الأطروحة):
انطلق أنصار هذه الأطروحة من فكرةعامة أن الإدراك يرتبط بسلامة الأعضاء لأنه من طبيعة حسية ومعنى ذلك أنه إذا لميوجد عضو لما وجد أصلا إدراك, ويتحدثون عن العوامل الموضوعية المتمثلة في الشيءالمدرك {إن الإنسان لا يدرك بعض الأصوات إذا زادت عن حدّها أو ضعفت}, تعود هذهالنظرية إلى "أرسطو" الذي قال {من فقد حاسة فقد معرفة} ومن حججهم الحجة التمثيليةإن التمثال بمقدار زيادة الحواس تزداد معارفه مثله مثل الإنسان, حتى قيل في الفلسفةالإنجليزية{العقل صفحة بيضاء والتجربة تخطّ عليها ما تشاء}وشعارهم {لا يوجد شيء فيالأذهان ما لم يكن موجودا في الأعيان}, غير أن هذه النظرية لم تتضح معالمها إلا علىيد "ريبو"الذي لاحظ أن النشاط العضلي يصحب دائما بإدراك, وان الإنسان يتعلم خصائصالمكان(الطول, العرض, العمق) من التجربة الحسية, قال في كتابه [السيكولوجياالألمانية]{إن حالة الشعور التي ترافق بعض أنواع الحركات العضلية هي الأصل فيإدراكنا للطول والعمق والعرض} والحقيقة أن هذه النظرية هاجمت التيار العقلي بلوأثبتت عجزه كما أكدت على دور وأهمية التجربة الحسية, قال "مولينو" {إذا علَّمناالأكمة قليلا من الهندسة حتى صار يفرق بين الكرة والمكعب ثم عالجناه فسقي ثم وضعناأمامه كرة ومكعب فهل يستطيع قبل التجربة الحسية أن يدررك كلا منهما على حدى وأنيفصله على الآخر}, ويرى "سبنسر" أن البصر هو أهم حاسة في إدراك موقع الأشياء وإذاافترضنا وجود سلسلة من الحروف (أ, ب,ج, د) فإن انتقال البصر من (أ)إلى(ب) ثم(ج ود) بسرعة بعد إحساس بالجملة كاملة لأن الأثر لا يزول إلا بعد مرور 1\5 من الثانية, وأكد على نفس الفكرة "باركلي" الذي تحدث عن الإحساس اللمسي البصري.
نقد:
مايعاب على هذه النظرية هو المبالغة في التأكيد على دور الحواس وإهمال العقل ثم أنالحيوان يمتلك الحواس ومع ذلك لا يدرك.
الرأي الثاني(نقيض الأطروحة):
أسسأنصار هذه الأطروحة موقفهم من مشكلة الإدراك بقولهم أن نظام الأشياء هو العاملالأساسي, أي كلما كانت الأشياء منظمة يسهل إدراكها, ولهذا حاربت هذه النظريةالاعتماد على فكرة الجزء (التجزئة) ودافعت عن فكرة الكل, وتعود هذه النظرية إلى "وايتمر"و"كوفكا"و"كوهلر" هؤلاء العلماء اعتمدوا على طريقة مخبرية من خلال إجراءالتجارب, وكانت أكثر تجاربهم أهمية تلك التي قام بها "وايتمر" حول الرؤية الحركيةوكل ذلك تم في جامعة فرانكفورت عام 1942, هذه النظرية جاءت ضد العضوية التي اعتمدتعلى منهجية التحليل والتفكيك فكانت تقسم الموضوع إلى إحساساته البسيطة, ومثال ذلكالغضب أو الفرح فيدرسون وضعية العينين والشفتين والجبين, ثم بعد ذلك يؤلفون هذهالإحساسات البسيطة ويقدمون تفسيرا لتلك الظاهرة بينما "الجشتالت" يرون أن الغضب لايوجد في العينين أو الشفتين بل في الوجه ككل والفكرة التي نأخذها عن الإنسان أفضلوأوضح عندما نركز في كامل الوجه بدلا لتركيز على الأشياء مفككة, وهكذا رفض "الجشتالت" التمييز بيم الإحساس والإدراك وعندهم لا وجود لإحساس خالص كما دافعوا عنالعوامل الموضوعية المتمثلة في الشيء المدرك ولم يهتموا بالعوامل الذاتية, ووقفتهذه النظرية التجريبية أننا {نرى القلم في الماء منكسرا رغم أنه في الحقيقة ليسكذلك} وحصروا مراحل الإدراك في ثلاثة مراحل [إدراك جمالي] يتم دفعة واحدة ثم [الإدراك التحليلي] الذي يعقبه [الإدراك التركيبي التفصيلي], وقالوا أن هناك خصائصومميزات أطلقوا عليها اسم عوامل الإدراك وذكروا منها (عامل التشابه) أي {كلماتماثلت وتشابهت سهل إدراكها} و(عامل الصورة أو الخلفية) وكذلك عامل التقارب وملخصالأطروحة أن الصورة أو الشكل الذي تظهر به الأشياء هو العامل الأساسي فيإدراكنا.
نقد:
إن التركيز على الصورة والشكل هو اهتمام بالعوامل الموضوعيةوإهمال للعوامل الذاتية ثم أننا نجد نفس الأشياء ولكن الأشخاص يختلفون في حقيقةإدراكنا.
التركيب:
إن الموقف التجريبي لا يحل مشكلة الإدراك لأن التركيز علىالحواس هو تركيز على جزء من الشخصية, والحديث عن الصورة أو الشكل كما فعل "الجشتالت" هو إهمال لدور العقل وهذا ما أكدت عليه النظرية الظواهرية التي وقفتموقفا وسطا جمعت فيه بين الحواس والعقل والشعور أي ربط الإدراك بكامل الشخصية, قال "ميرلوبنتي" {العالم ليس هو ما أفكر فيه وإنما الذي أحياه}, والحقيقة أن الإدراكليس و مجرد فهم المعنى جافة وآلية بل هو الوصول إلى عمق المعنى, ولا يكون ذلك إلابالشعور, ومثال ذبك عند الظواهرية أن الفرق بين العجلة الخشبية الفارغة والعجلةالتي تحمل ثقلا هو فرق في الشعور أي أننا نختلف في إدراكنا للشيء الواحد اختلافالشعور والشخصية ككل.
الخاتمة:
ومن كل ما سبق نستنتج: الإدراك لا يرتبطبالعوامل الذاتية المتمثلة في الحواس ولا العوامل الموضوعية المتمثلة الصورة أوالشكل بل يرتبط بالشخصية ككل.(الحواس والعقل والشعور)
.