دزاير 54
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دزاير 54 دخول

descriptionحورية البحر Emptyحورية البحر

more_horiz
لقد خلق الله سبحانه و تعلى البحار و المحيطات ومن بين ما خلق في البحر حورية البحر بعد عناء يوم شاق قررت اللجوء إلى مقهى الصيادين، أحتسي الشاي وأتناول «الباجلة»،
وأنا أتأمل مياه الخليج، جاءني النادل يحمل كوبا رابعا من الشاي الكرك، فتناولته
شاكرا، ثم التفت جهة الشرق، غارقا في ملكوتي.
بعد فترة زمنية لا بأس بها لمحت
آخر شخص أتوقعه في هذا المكان، كان يتقدم نحوي بخطوات مترددة وواثقة، وعلى وجهه
مسحة كآبة وابتسامة ناصعة، ويرتدي ثيابا رثة وجديدة، جلس على المقعد الخالي بجانبي
وقال بهدوء مستفز: أنا.. الأمين العام للجامعة العربية، هات لي شيشة تفاح.


ابتسمت له وأنا أتجاهل اقتحامه لخلوتي، وقلت: ومن ذا يجهلك سيدي، أنت أشهر
من نار على علم!، ثم صرخت: رمضان.. هات واحد شيشة تفاح.. على حساب الجامعة العربية.

عندها بدأ الأمين العام للجامعة العربية يضحك ويبكي، يقهقه وينتحب، هل جن
الرجل؟ في الواقع لا ألومه فأن تقضي عدة سنوات أمينا عاما لهذه الجامعة العتيدة،
وتستمع لسيمفونيات زعمائها، من المحيط إلى الخليج، لأمر يبعث على الجنون حقا.


قال لي الأمين العام بعد فاصل البكاء والضحك الذي استمر بضع دقائق: هل تملك
حلا سيدي؟!، عشرات!!، بل مئات القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية!، جميعها لا
تعدو كونها حبرا على ورق، والآن في القرن الحادي والعشرين مجرد نبضات ضوئية على
شاشة الكمبيوتر وليس أكثر، هذه القرارات لو تم تنفيذها لأكل العالم العربي من فوقه
ومن تحته خيرا كثيرا، خبزا وعسلا، وأصبح كل مواطن في بلادنا سيدا حرا أبيا، يملك
كرامته وقوت يومه وغده، لكن للأسف لا حياة لمن تنادي.

عاد من جديد صاحبنا
للفاصل إياه، ضحك هو للبكاء أقرب، فقلت له بعد تفكير عميق «لا أملك لك حلا في
الواقع» اكتأب الأمين العام بداية، إلا أنه ابتسم وأنا أقول متابعا حديثي: «لكن
تعال معي نسأل الحورية!».

جررته خلفي من يده واتجهنا صوب الخليج، تجاهلت
صوت النادل يصرخ مطالبا بالحساب، ومضيت في طريقي، دفعت الأمين العام ليسقط في مياه
الخليج المنعشة، ثم قفزت وراءه بلا تردد، إن هي إلا لحظات حتى وجدنا أنفسنا في قلعة
جميلة أسفل مياه الخليج، دخلناها ونحن نسبح كسلاحف البحر، ثم بعد لحظات وجدنا
أنفسنا في حضرة حورية البحر.

طبعا لا أريد من أي كان أن يتفلسف قائلا: كيف
تتنفس تحت سطح الماء دون أن تكون مستعدا بأجهزة الغطس واسطوانات الهواء؟!، لأنني
حينها سأرد بوقاحة قائلا: طالما أنكم صدقتم ابتداء أنني أجالس الأمين العام للجامعة
العربية في مقهى الصيادين، فعليكم بلا كلمة واحدة أن تصدقوا الثانية، وبأننا نتنفس
تحت سطح الماء كضفادع محترمة.

تأملت حورية البحر من فوق لتحت، كانت ذات شعر
أسود مفلفل، وزعنفتها تضرب في الماء يمنة ويسرة، كان جمالها قاتلا، لتدرك جمالها
حقا، قم بتصفح اية جريدة، واغسل عينيك بصورة كوندي هانم، ست الحسن والجمال في
البراري والبحار.

قالت الحورية بصوتها المفعم حيوية: ماذا عندكما؟!، لماذا
أقلقتما راحتي؟!.

عندها انفجر الأمين العام باكيا كماسورة صدئة مخرومة،
وأخذ يروي لها بالتفصيل مأساة هذه الأمة، من البداية إلى النهاية، ليتوقف عند
القرارات العربية التي باتت حبرا على ورق، وأصبح هذا الورق بالمكتوب عليه أقل قيمة
من الأوراق التي تلف فيها سندوتشات الفول والطعمية.

سبحت الحورية حولنا،
وأخذت أراقب الأمين العام بطرف عيني، لأراه يختلس النظر إلى أماكن غير لائقة من
جسمها، لكني تجاهلت ذلك وأنا أسمع الحورية تقول وهي تسبح بالقرب من أذني: الحل بسيط
للغاية، لتنضم إسرائيل للجامعة العربية.

«ماذا» صرخ الأمين العام معترضا،
أما أنا فضربت كفا بكف ثم قلت «أنت مجنونة، هذا الحل لا يلزمنا».

ضحكت
الحورية ضحكة مائعة، وهي تستقر بيننا، ابتعدنا قليلا لنفسح لها المكان، رأيت الأمين
العام وقد لانت عريكته وهو يبحلق في الحورية، بينما كانت تقول: أنتم هكذا معشر
العرب، تفكرون بعواطفكم، لا بعقولكم، سأشرح لكم ما خفي عليكم.

قال الأمين
العام وقد هدأ تماما كطفل رضيع وجد أمه: تفضلي أيتها الحورية.

قالت الحورية
بصوت رخيم: ألم تلاحظوا أن كل اتفاقية تكون إسرائيل طرفا فيها تنفذ بحذافيرها من
قبل الطرف العربي، وبالمقابل الاتفاقيات العربية لا يلقي لها أحد بالا.


قلنا: بلى، هذا صحيح.

تجاهلتنا وهي تواصل حديثها: فمثلا أبومازن
يتمرغ في التراب تحت قدمي إسرائيل، ملتزما بالاتفاقيات التي وقعها سابقا مع
إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل أذاقته ومن معه وكذلك الذين خلفوه، الويل والثبور
وعظائم الأمور، بالمقابل أبو مازن أسد أمام حماس، لم يلتزم معهم باتفاقية، ولا يريد
أن يتنازل قيد أنملة، أليس كذلك؟!.

قلنا: بلى.. بلى.

تابعت الحورية
حديثها قائلة: ليس فقط أبو مازن، بل العرب أنفسهم، أنظروا مثلا للدول العربية
المجاورة لغزة، تغلق المعابر أمام الفلسطينيين، وتقف سدا بينهم وبين العالم
الخارجي، وذلك التزاما منهم باتفاقيات دولية، إسرائيل طرف فيها بالطبع، على الرغم
من أن إسرائيل تنتهك القوانين الدولية كل يوم، بل كل ساعة، أليس كذلك؟!.


قلنا: بلى.. بلى.. بلى.

عندها برقت عينا الحورية وهي تقول: إذا لو
قبلتم بضم إسرائيل للجامعة العربية، وأصبحت بالتالي إسرائيل جزءا من أي قرار يتخذه
الزعماء العرب، عندها أضمن لكم بأن أي قرار سيتخذه زعماؤكم سيجد طريقه للتنفيذ حالا
بالا، ما رأيكم، أليست فكرة جهنمية؟!.

في الواقع بصفتي رأسماليا اشتراكيا
مخضرما، أعجبتني الفكرة، لم لا؟!، أما الأمين العام فأصابته حالة من الذهان، ولم
ينطق ببنت شفة، فبقدر ما كانت الفكرة صادمة، كانت في جانب منها منطقية، وكانت تبدو
وكأنها طريق الخلاص لأمة عنترة بن شداد.

descriptionحورية البحر Emptyرد: حورية البحر

more_horiz
شكرا لك اخي قلب القران على الموضوع الجميل
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد