الجملة العصبية المركزية
هي
متماثلة في الأسماك، مع وجود اختلافات في تطور أجزاء معينة منها بين نوع
وآخر. ولها الخطة العامة للجملة العصبية في الفقاريات الأخرى. فهناك دماغ
ونخاع شوكي وأعصاب قحفية وأخرى شوكية، إضافة إلى جملة عصبية مستقلة.
ويتألف
الدماغ من مخ ومخيخ وبصلة سيسائية. وتمر التعليمات الشمية إلى مقدمة المخ
التي تمثل الدماغ الطرفي telencephalon ، وتصل التعليمات البصرية إلى مراكز
الرؤية فيما يسمى بالدماغ المتوسط mesencephalon . أما التعليمات السمعية
وما يأتي عن طريق الخط الجانبي فيصل إلى المخيخ مركز توازن الحيوان
وحركته. لذا يكون هذا الجزء ضخماً لدى الأشلاقيات، ولا سيما أسماك القرش
المفترسة.
وتنطلق من البصلة السيسائية بقية الأعصاب القحفية، وهي تضم أيضاً المراكز التي تنظم التنفس والتنظيم الحلولي.
أما
النخاع الشوكي فيعد، بمادته السنجابية المركزية التي تحيط بالقناة
السيسائية، مركزاً للأفعال الانعكاسية، كما يُعدُّ، بمادته البيضاء
المحيطية، طريقاً تسلكه السيالة العصبية الحسية والمحركة. كما تبرز من
النخاع الشوكي الأعصاب الشوكية بجذورها الظهرية الحسية والبطنية المحركة،
التي تتحد لتكوِّن الأعصاب الشوكية المختلطة.
الحس
وتميز هنا عدة فعاليات:
استقبال الصوت:
إن أذن الأسماك تطابق الأذن الداخلية للثدييات. ويبدو أن الكيس السباحي
يؤدي دوراً مهماً في ذلك، بدليل أن الأسماك التي لا يوجد لديها اتصال بين
كيسها السباحي وأذنها مثل الطون والموره (الغادُس أو القد) لا تسمع أصواتاً
تزيد تردداتها على 400 هرتز. أما في حال وجود الاتصال فبإمكانها أن تسمع
أصواتاً يصل ترددها إلى 7 كيلو هرتز. وقد وصف ويبر Weber العظيمات التي تصل
بين الكيس والأذن أول مرة عام 1820، لذلك تسمى جهاز ويبر Weberian
apparatus .
إصدار الصوت:
ويتم بطرائق مختلفة. فالأسماك تصر أسنانها وتحك أشواكها وأشعتها الزعنفية،
وتتجشأ وتتجرع الهواء، وتُخْرِج الريح. ويشارك الكيس السباحي في ذلك فيقوم
بدور مضخم للصوت (رنان) resonator . وقد يصل تردد (تواتر) هذه الأصوات إلى
400 هرتز، ولها أهمية في مواسم التكاثر وفي تحري الغذاء واتصالات الأسماك
بعضها ببعض.
الرؤية:
يوجد في المناطق السطحية من المياه، ضوء كاف للرؤية. أما في الأعماق
المظلمة فإن العيون تكون غاية في التعقيد وكبر الحجم كي تتلاءم مع بريق
التألق الحيوي الذي تصدره كائنات الأعماق. وفي الكهوف، حيث لا أثر للضوء أو
البريق، تستحيل الرؤية، ويستغني أربعون نوعاً من الأسماك عن العيون.
وبإمكان الخط الجانبي للجريث (الجرِّيَّ) استقبال الضوء، وفي الكثير من
الأسماك توجد نافذة فوق الغدة الصنوبرية حساسة للضوء، تسمى العين
الصنوبرية.
وعدسة
العين كروية، وتتمتع بنوعية ممتازة، ذلك أن معامل الانكسار (قرينة
الانكسار) يتغير فيها على طول قطرها الأمامي الخلفي، مما يجعل الأشعة
المارة فيها تتبع مسارات منحنية مكوِّنة بذلك صورة واضحة خالية من الزيغ
اللوني أو الكروي. وتقوم السمكة عموماً بالمطابقة بتحريك العدسة إلى الأمام
والخلف، ويستطيع بعض أسماك القرش المطابقة بتغيير شكل العدسة كما تفعل
الفقاريات البرية.
ولبعض
الأسماك عيون أنبوبية تساعد على توسيع حقل الرؤية بتوجيه هذه العيون إلى
الأمام أو الأعلى. وللبعض الآخر عدسة خاصة تمكِّن من التركيز في الوسطين
الهوائي والمائي.
ويتمتع
معظم الأشلاقيات والخرافيات وبعض الأسماك العظمية بإمكانية عكس الضوء الذي
يصل إلى الخلايا البصرية، لذلك تلمع عيونها مثل عيون القطط، كما يمكنها
التحكم في الموجة الضوئية المراد عكسها.
الشم والذوق:
الفصان الشميان في دماغ الأسماك كبيرا الحجم، وهذا يعكس حاسة الشم
المتطورة جداً. فبعض أسماك القرش يستشعر وجود الحموض الأمينية بتراكيز لا
تزيد على 10 -9 جزيء غرامي وزني. والأنقليس يستشعر وجود كحول بِتافِنيل
إتيل B-phenyl ethyl alcohol بتراكيز 10 -8 جزيء غرامي وزني، ويتم حس الشم
في الأنف المبطن بنسيج ظهاري ذي طيات يمر الماء من خلالها باتجاه واحد،
تنتشر عليها خلايا حسية تمثل المستقبلات الشمية التي ترسل محاورها العصبية
إلى الدماغ عن طريق الأعصاب الشمية.
وللأسماك
عدد من المستقبلات الكيمياوية والحليمات الذوقية تستعمل مثل الجهاز الشمي،
وغالباً ماتوجد الحليمات الذوقية على أعضاء خاصة مثل الذقينات والزوائد
الاستشعارية أو على الأشعة الزعنفية الحرة التي تسمح حركتها بتقصيّ الوسط
المحيط.
الخط الجانبي:
وهو عضو خاص يميز الأسماك، يتمثل بمجموعة من القنوات في الرأس وقناتين
تمتدان على طول جانبي الجسم، تحتوي على مُسْتَقْبِلاتٍ خاصة تتحسس بتغيرات
الضغط والتيارات المائية، مما يسمح للحيوان بتوجيه نفسه والتلاؤم مع
الأحوال كافة.
المستقبلات الكهربائية: يمكن
لبعض الأسماك استشعار حقل كهربائي لا يزيد على 0.01 مكرو فُلط/سم، فتستطيع
بذلك اكتشاف الفرائس المدفونة في الرسابة، ويمكنها توجيه نفسها ضمن حقل
المجال المغنظيسي الأرضي.
وتوجد
هذه المستقبلات في كل الأشلاقيات، وفي مجموعات مختلفة من الأسماك العظمية،
وفي الحفش وذوات التنفُّسين[ر]. والمستقبل قناة تمر من سطح الجلد إلى جراب
يحتوي على خلايا حسية تتصل قاعدتها بنهايات عصبية من أعصاب الخط الجانبي.
وتملأ القناة مادة هلامية تشبه في تركيبها الشاردي ماء البحر، وهي ذات
مقاومة كهربائية منخفضة، في حين يتمتع جدار الجراب بمقاومة عالية.
وتجدر
الإشارة إلى أن هناك فصائل مختلفة من أسماك المياه العذبة، تملك مستقبلات
أخرى تستجيب للترددات العالية التي يتم تحريها عن طريق تضافر بين إصدارات
عضو كهربائي والمستقبلات الكهربائية.
الأعضاء الكهربائية:
وهي ألياف عضلية مخططة فقدت خاصتها في التقلص واكتسبت خاصة إصدار طاقة
كهربائية بشكل نبضات أو موجات تستعملها الأسماك في تفحص الوسط المحيط، وفي
الاتصال بغيرها، وصعق فرائسها أو في دفاعها عن نفسها. ويشذ عن ذلك أسماك
قوسيات القص sternarchids التي تعيش في المياه العذبة، والتي تنشأ فيها
الأعضاء الكهربائية من تحوّل ألياف عصيبة.
وتتألف
الأعضاء الكهربائية من خلايا منبسطة معصبة من جانب واحد، ومرتصة على نحو
يمكِّنها من جمع الكمونات الصغيرة الناشئة عن زوال الاستقطاب عبر الأغشية،
فَتُصْدِرُ بذلك كمونات كبيرة تصل إلى 500فلط لدى السمك الكهربائي
Electrophorus . كما سُجِّلَ توتر 450 فلط لدى سمك السلور الكهربائي
electric catfish . في حين يطلق الرَّعّاد Torpedo دفعاته بتوتر40 فلط
تقريباً. ومعظم الأسماك لا يتعدى ما يعطيه الفلط الواحد.
التألق:
يُصْدر عدد كبير من الأسماك البحرية الضوء بوساطة أعضاء تخصصت لذلك. وهناك
نمطان أساسيان من الأعضاء الضوئية. أحدهما فيه خلايا ضوئية خاصة
بإصدارالضوء، وثانيهما توظف فيه السمكة بعض الجراثيم المتعايشة معها لإصدار
الضوء، وذلك بتربيتها ضمن أكياس خاصة.
ويستعمل الضوء في جذب الفريسة أو تحريها، ولكن الاستعمال الأكبر هو في الاتصال[ر] أو في التمويه.
التكاثر
كثير
من الأسماك خِناث، ولاسيما أسماك الصخور المرجانية. وتفيد هذه الحال في
الحالات التي يتعذر فيها الاتصال أو يكون فيها إنتاج البيوض محدوداً.
ويتحول
الذكر في بعض الأنواع البحرية إلى خنثى ثم إلى أنثى، ويتزاوج بعض أنواع
الشعاب المرجانية تزاوجاً مُتَبادَلاً، ولكن الغدد التناسلية تميل إلى
إنتاج بيوض أكثر من النطاف، مما يساعد على إنتاجية أكبر. وهناك أسماك وحيدة
الجنس. وعلى العموم تكون بيوض الأسماك العظمية صغيرة الحجم وكثيرة جداً،
تتحول بعد الإلقاح إلى يرقات، ثم تتحول لتصبح شبيهة بالأبوين. أما بيوض
الأسماك الغضروفية والجريث فهي كبيرة الحجم وقليلة العدد، وتتطور الصغار
التي تخرج من البيوض مباشرة إلى حيوانات شبيهة بالأبوين.
وتختلف
أنماط التكاثر بحسب المجموعات السمكية، فلدى صفيحيات الغلاصم (الأسماك
الغضروفية) يتم الاقتران بوساطة مشبكين claspers هما زائدتان متطاولتان
ملحقتان بالزعنفتين الحوضيتين، تحمل كل منهما ميزاباً يُكَوِّن مع الميزاب
المقابل قناة تضمن نقل السائل المنوي إلى الفتحة التناسلية الأنثوية. ويتم
إلقاح البيوض في القناة الناقلة للبيوض. وتضع إناث الأسماك الخرافية[ر]
والشفنين وبعض فصائل القرش بيوضها الملقحة في الماء، فهي حيوانات بيوضة
oviparous ، أما أسماك القرش الرمادي وأبو مطرقة وغيرها من الأسماك
الغضروفية فهي ولودة viviparous ، إلا أن أجنتها تعتمد في تغذيها على المح
لمدة ثلاثة أشهر ثم على حبل سري لمدة عشرة أشهر. أما بعض أنواع الشفنين
فليس له حبل سري وتتوافر عوضاً عن ذلك آلاف الخيوط المغذية trophonemata
تدخل الجنين عن طريق الفوهات التنفسية.
أما
الأسماك العظمية فمعظمها بيوض. وتكون يرقاتها صغيرة وحياتها قصيرة عموماً،
ونسبة الوفيات فيها عالية. وتتمثل الأنواع الولودة من الأسماك العظمية في
مجموعتين فقط: الأسماك الثعبانية Ophidioids والبطريخيات cyprinodontoids .
وتتنوع
العادات التكاثرية لأسماك المياه العذبة، فلبعض الأنواع الولودة أعضاء
تناسلية ذكرية تتكون من تطاول أشعة الزعنفة الشرجية. وبعضها الآخر يكون كله
إناثاً وتحتاج لنطاف نوع آخر قريب منه للتحريض على إنتاج البيوض. والريفول
المرموطي Rivulus marmoratus خنثى يلقح نفسه بنفسه.
وبيوض
الأنواع البيوضة كبيرة ومزودة بخيوط لاصقة، توضع على القاع أو تُخَبأ أو
تدفن أو تُحمل بحسب النوع. وهي تفقس لتعطي كائنات هي صورة مصغرة عن
الأبوين.
ويرتبط
تكاثر عدد كبير من الأنواع الاستوائية بالمواسم المطرية، إذ تنتظر الأسماك
حدوث الفيضان الذي يوسع بيئتها المائية ويضمن ما يلزم من المواد المغذية.
وبيوض الأنواع الاستوائية البحرية وأنواع المناطق المعتدلة البحرية قابلة
للعوم، فهي إما طافية أو متعادلة neutral ، وهذا ما يمكنها من الانتشار
السريع بعيداً عن مناطق التكاثر. إلا أن ثلث الأسماك البحرية يعطي بيوضاً
لا تعوم إذ تتوضع على القاع أو تلتصق في أماكن يحرسها أحد الأبوين أو
كلاهما. وأكثر الأنواع يبيض عدة مرات في فصل تكاثري طويل.
السباحة
دور العضلات:
تعتمد السباحة على عمليتين اثنتين: الأولى حدوث تموجات على طول الجسم من
الأمام إلى الخلف، كما في الأنقليس وكلب البحر؛ والثانية حركة الذيل، وهي
ما يعتمده الأسقمري[ر] الذي لاينثني جسمه إلا قليلاً. ومعظم الأسماك وسط
بين الحالين. ويزيد الاعتماد على الذيل كلما ازدادت السرعة.
وتعتمد
هذه العمليات على مجموعة من العضلات تحيط بالهيكل، مؤلفة من قطع عضلية
myomeres متتابعة يصطف بعضها وراء بعض بشكل زاويٍّ <<<< يمثل
الترتيب القِطَعي لعضلات المراحل الجنينية. ويمكن تمييز نوعين من العضلات:
عضلات بيض تشكل معظم اللحم في السمك، وهي مختصة بالتنفس اللاهوائي وتعمل
بالتحلل السكري glycolysis اللاهوائي، لهذا ينتج منها كميات كبيرة من حمض
اللبن، وتختص هذه العضلات بالسباحة السريعة؛ وعضلات حمر تشكل 5 - 15% فقط
من مجمل العضلات، وهي طبقة رقيقة تحيط بالعضلات البيض، وتزيد سماكتها في
وسط الجسم على كل من جانبي منطقة الخط الجانبي. وهي تختص بالتنفس الهوائي،
لذلك تكثر فيها الأوعية الدموية والميتوكندريات mitochondria ، وتسهم في
السباحة البطيئة.
دور الزعانف:
تساعد الزعانف على التجديف والتوازن والدفع. فمثلاً تستعمل السمكة
زعنفتيها الصدريتين في دفع جسمها للأعلى، أو في المحافظة على عمق معين. لكن
الاحتكاك المتولد عن ذلك يؤدي إلى صرف كثير من الطاقة فتضطر سمكة الأسقمري
مثلاً التي تزن نحو 25 غراماً في ماء البحر إلى توليد قوة رفع حركي
dynamic lift مقدارها 2،1 × 410 نيوتن حتى تبقى على مستوى واحد، ولذلك
كان الأفضل اعتماد الرفع الساكن static lift . ولما كان معظم مكونات
السمكة أشد كثافة من ماء البحر كان لا بد من إيجاد ما يدفع السمكة للأعلى،
وهذا يتمثل بالكيس السباحي.
دور الكيس السباحي:
هذا الكيس وسيلة عوم فريدة من نوعها، ويسمى أيضاً المثانة الهوائية swim
bladder ، التي تشكل 5 % من حجم السمكة البحرية و7% من حجم السمكة النهرية.
ويحافظ هذا الكيس على حجم ثابت بامتصاص الغاز في أثناء صعود السمكة في
الماء أو إفرازه في أثناء هبوط الحيوان، يمكِّن السمكة من البقاء في حال
عوم متعادل neutral buoyancy . ولكن الضغط يزداد في البحر بمعدل /1/ ضغط
جوي لكل 10م عمق (في المناطق السطحية). ولما كان الكيس السباحي يخضع لقانون
بُويْل Boyle فإن انتقال سمكة في السطح إلى عمق10م يتطلب انتصاف حجم
الكيس، وهذا غير ممكن لأن عمليات التنظيم داخل الجسم لا يمكنها التكيف مع
هذا التغير الشديد. لهذا لا يوجد لكثير من أسماك السطح كيس سباحي (كالتن
والأسقمري)، أو يكون كيسه مختزلاً كما في الأسقمري الموري Scombromorus .
ولهذا يوجد الكيس السباحي فقط في بعض الأسماك، مثل السمك الطائر.
أما في الأعماق فإن سمكة على عمق 500م لا يتغير حجم كيسها أكثر من 2.5% من حجمه الأصلي إذا ما هبطت إلى عمق 510م.
وينشأ
الكيس السباحي كجيب من مقدمة أنبوب الهضم. وتحافظ الأنواع البدائية من
الأسماك كالأنقليس على القناة الواصلة بين الكيس والقناة الهضمية (مفتوحات
الكيس السباحي physostomes )، وفي هذه الحالة يأخذ الحيوان الهواء من السطح
ليملأ به الكيس. إلا أن معظم الأسماك العظمية تتخلص من هذه القناة الواصلة
في المراحل الأولى من تطورها اليرقي أو بعد ذلك، وتسمى هذه الأسماك
بمسدودات الكيس السباحي physoclistes ، التي يكون كيسها السباحي قد امتلأ
بالغاز قبل التخلص من القناة، أو بوساطة خلايا متخصصة في جدار الكيس تفرز
الغاز اللازم باستخلاصه من الدم. وإن الاحتفاظ بالغاز داخل الكيس يتطلب عدم
نفاذية جداره في الوقت الذي لابد له من أن يكون مرناً. لهذا توجد طبقات من
بلورات الغوانين guanine على جدار هذا الكيس يصل سمكها لدى الأنقليس إلى
3مكرون (10 -6م ). والواقع أن إزالة هذه الطبقة تزيد نفاذية الجدار أربعين
مرة.
دور الشحوم والزيوت:
تسهم في عوم الأسماك أيضاً الشحوم والزيوت التي تخزنها في جسمها. وأكبر
مخازن الشحوم هو الكبد التي يصل وزنها في أسماك القرش، التي تعيش في
الأعماق، إلى ربع وزن السمكة، في حين لا يزيد وزن الكبد في الأسماك الأخرى
على 6% من وزنها. وتحتوي الكبد على شحوم تتألف أساساً من مادة السكوالين
squaline ، كما تحتوي بيوض الأسماك على هذه المادة، لذا فإن حملها لا يزيد
من كثافة الأم، إذ تكون البيوض متعادلة العوم. كما أن الأسماك الثعبانية
المنخر Mycotophidae التي تنتقل في المحيط يومياً 500م صعوداً وهبوطاً، قد
ملأت أكياسها الهوائية بالشحوم، مع أن يرقاتها تملك أكياساً سباحية بالمعنى
الصحيح.
بيئة الأسماك
توجد
الأسماك في جميع البيئات المائية بمجال حراري يراوح بين الصفر المئوي
وأكثر من 40ْس بحسب النوع. ويقطن نحو 41% من الأسماك في المياه العذبة،
وأهمها الشبوط والسلور. أما أسماك البحر فيعيش نصف أنواعها في الأماكن
الدافئة، معظمها على الرصيف القاري (الرصيف القاري هو ذلك الجزء من قاع
البحر قرب الشاطئ الذي لا يتجاوز عمقه200 متر عن سطح الماء). ويعيش 5% فقط
من مجموع الأسماك في المياه الباردة.
ويكوّن
الرصيف القاري مستودعاً غذائياً ضخماً بما يحويه من كائنات نباتية
وحيوانية تتغذى بها أسماك تلك المنطقة، التي تتحمل التغيرات الكبيرة في
الملوحة والحرارة. لذلك تعرف هذه الأسماك باسم واسعة الملوحة euryhaline
واسعة الحرارة eurythermic ، في حين لا تستطيع أسماك أعالي البحار تحمل هذه
التغيرات غير الموجودة أصلاً. لذا تعد أسماك أعالي البحار ضيقة الملوحة
stenohaline ضيقة الحرارة stenothermic .
ويميَّز
في أسماك الأنهار: أسماك أعالي النهر التي تلاءمت مع سرعة التيار هناك،
ووفرة الأكسجين، وبرودة الماء، مثل التروتة [ر] والمِنَّوه minnow . أما
أسماك المنطقة المنخفضة في النهر، مثل الشبوط[ر]، فقد اعتادت على درجات
عالية من الحرارة، وكميات قليلة من الأكسجين، وعلى قاع موحل يحتوي على
كائنات وبقايا عضوية تتغذى بها.
أما
البحيرات القليلة الغذاء oligotrophic (وهي تتميز بعمقها وغناها بالأكسجين
وإنتاجيتها الأولية primary productivity المنخفضة) فتسيطر فيها أنواع مثل
التروتة وغيرها من السلمونيات، في حين أن البحيرات الوافرة الغذاء
eutrophic (وهي عادة ضحلة وتخلو مياهها العميقة من الأكسجين وإنتاجيتها
الأولية مرتفعة) تسيطر فيها الشبوطيات.
سلوك الأسماك
السلوك العدائي:
ينجم عن التنافس ضمن النوع الواحد، على الطعام أو المكان أو القرين،
عدائية تتجلى في مظاهر الهجوم والدفاع التي يتخذها الفرد. وتظهر ضمن أفراد
المجموعة سلسلة من السلوكيات التي تحدد مكانة كل فرد، فتخفف بذلك حدة
التوتر.
والإشارات
التي تحرض على السلوك يمكن أن تكون بصرية أو سمعية أو حسية . فحين ترى
سمكة أبو شوكة stickleback خصماً تأخذ وضعاً خاصاً وكأنها تقف على خطمها
وترفع الشوكة الأمامية من زعنفتها الظهرية بوضوح.
وتؤدي
الغدد الصم دوراً مهماً في السيطرة على السلوكية، كما أن السلوك ذاته يؤثر
في إفراز الهرمونات. فمحور الغدة النخامية ـ الغدة التناسلية يحدد فيما
إذا كان على الذكور أن تقوم بأعمال دفاعية عند التكاثر، كما يفعل أبو شوكة،
أو أن يقوم كلا الجنسين بهذه العمليات كأسماك المشط cichlids . ويعمل محور
الغدة النخامية ـ الغدة الكظرية بوساطة الكرتيزون الذي يؤدي دوراً في
الدفاع عن النفس وردود الفعل المختلفة بمعزل عن عملية التكاثر.
الهجرة وتكوين السرب:
لعل السلمون من أشهر الأسماك التي تهاجر إلى أعالي الأنهار ليتكاثر ثم
يموت. وتخرج اليرقات من البيوض وتبدأ الهجرة المعاكسة نحو البحر حيث الغذاء
الوافر. وتتميز هذه الأسماك بقدرتها على التغلب على ما تكتنفه هجرتها من
تغيرات كبيرة في الملوحة.
وهناك
من الأسماك ما يهاجر ضمن المحيط، فالأنقليس يهاجر بين بحر السرغس وأوربة،
وبين البحر نفسه وأمريكة. وهي هجرات غاياتها التكاثر والتغذي. وهناك هجرات
تحرض عليها درجات الحرارة، مثل رحيل أسماك البحيرات من السطح إلى الأعماق
في الشتاء بحثاً عن الدفء.
وترتبط
الهجرة بقابلية السمكة للتجمع في سرب. وتظهر هذه القابلية منذ أن تكون
السمكة يرقة وتتطور مع نموها. وحين تصل هذه إلى طول 10مم يتم تكوين سرب له
خواص مشتركة.
هي
متماثلة في الأسماك، مع وجود اختلافات في تطور أجزاء معينة منها بين نوع
وآخر. ولها الخطة العامة للجملة العصبية في الفقاريات الأخرى. فهناك دماغ
ونخاع شوكي وأعصاب قحفية وأخرى شوكية، إضافة إلى جملة عصبية مستقلة.
ويتألف
الدماغ من مخ ومخيخ وبصلة سيسائية. وتمر التعليمات الشمية إلى مقدمة المخ
التي تمثل الدماغ الطرفي telencephalon ، وتصل التعليمات البصرية إلى مراكز
الرؤية فيما يسمى بالدماغ المتوسط mesencephalon . أما التعليمات السمعية
وما يأتي عن طريق الخط الجانبي فيصل إلى المخيخ مركز توازن الحيوان
وحركته. لذا يكون هذا الجزء ضخماً لدى الأشلاقيات، ولا سيما أسماك القرش
المفترسة.
وتنطلق من البصلة السيسائية بقية الأعصاب القحفية، وهي تضم أيضاً المراكز التي تنظم التنفس والتنظيم الحلولي.
أما
النخاع الشوكي فيعد، بمادته السنجابية المركزية التي تحيط بالقناة
السيسائية، مركزاً للأفعال الانعكاسية، كما يُعدُّ، بمادته البيضاء
المحيطية، طريقاً تسلكه السيالة العصبية الحسية والمحركة. كما تبرز من
النخاع الشوكي الأعصاب الشوكية بجذورها الظهرية الحسية والبطنية المحركة،
التي تتحد لتكوِّن الأعصاب الشوكية المختلطة.
الحس
وتميز هنا عدة فعاليات:
استقبال الصوت:
إن أذن الأسماك تطابق الأذن الداخلية للثدييات. ويبدو أن الكيس السباحي
يؤدي دوراً مهماً في ذلك، بدليل أن الأسماك التي لا يوجد لديها اتصال بين
كيسها السباحي وأذنها مثل الطون والموره (الغادُس أو القد) لا تسمع أصواتاً
تزيد تردداتها على 400 هرتز. أما في حال وجود الاتصال فبإمكانها أن تسمع
أصواتاً يصل ترددها إلى 7 كيلو هرتز. وقد وصف ويبر Weber العظيمات التي تصل
بين الكيس والأذن أول مرة عام 1820، لذلك تسمى جهاز ويبر Weberian
apparatus .
إصدار الصوت:
ويتم بطرائق مختلفة. فالأسماك تصر أسنانها وتحك أشواكها وأشعتها الزعنفية،
وتتجشأ وتتجرع الهواء، وتُخْرِج الريح. ويشارك الكيس السباحي في ذلك فيقوم
بدور مضخم للصوت (رنان) resonator . وقد يصل تردد (تواتر) هذه الأصوات إلى
400 هرتز، ولها أهمية في مواسم التكاثر وفي تحري الغذاء واتصالات الأسماك
بعضها ببعض.
الرؤية:
يوجد في المناطق السطحية من المياه، ضوء كاف للرؤية. أما في الأعماق
المظلمة فإن العيون تكون غاية في التعقيد وكبر الحجم كي تتلاءم مع بريق
التألق الحيوي الذي تصدره كائنات الأعماق. وفي الكهوف، حيث لا أثر للضوء أو
البريق، تستحيل الرؤية، ويستغني أربعون نوعاً من الأسماك عن العيون.
وبإمكان الخط الجانبي للجريث (الجرِّيَّ) استقبال الضوء، وفي الكثير من
الأسماك توجد نافذة فوق الغدة الصنوبرية حساسة للضوء، تسمى العين
الصنوبرية.
وعدسة
العين كروية، وتتمتع بنوعية ممتازة، ذلك أن معامل الانكسار (قرينة
الانكسار) يتغير فيها على طول قطرها الأمامي الخلفي، مما يجعل الأشعة
المارة فيها تتبع مسارات منحنية مكوِّنة بذلك صورة واضحة خالية من الزيغ
اللوني أو الكروي. وتقوم السمكة عموماً بالمطابقة بتحريك العدسة إلى الأمام
والخلف، ويستطيع بعض أسماك القرش المطابقة بتغيير شكل العدسة كما تفعل
الفقاريات البرية.
ولبعض
الأسماك عيون أنبوبية تساعد على توسيع حقل الرؤية بتوجيه هذه العيون إلى
الأمام أو الأعلى. وللبعض الآخر عدسة خاصة تمكِّن من التركيز في الوسطين
الهوائي والمائي.
ويتمتع
معظم الأشلاقيات والخرافيات وبعض الأسماك العظمية بإمكانية عكس الضوء الذي
يصل إلى الخلايا البصرية، لذلك تلمع عيونها مثل عيون القطط، كما يمكنها
التحكم في الموجة الضوئية المراد عكسها.
الشم والذوق:
الفصان الشميان في دماغ الأسماك كبيرا الحجم، وهذا يعكس حاسة الشم
المتطورة جداً. فبعض أسماك القرش يستشعر وجود الحموض الأمينية بتراكيز لا
تزيد على 10 -9 جزيء غرامي وزني. والأنقليس يستشعر وجود كحول بِتافِنيل
إتيل B-phenyl ethyl alcohol بتراكيز 10 -8 جزيء غرامي وزني، ويتم حس الشم
في الأنف المبطن بنسيج ظهاري ذي طيات يمر الماء من خلالها باتجاه واحد،
تنتشر عليها خلايا حسية تمثل المستقبلات الشمية التي ترسل محاورها العصبية
إلى الدماغ عن طريق الأعصاب الشمية.
وللأسماك
عدد من المستقبلات الكيمياوية والحليمات الذوقية تستعمل مثل الجهاز الشمي،
وغالباً ماتوجد الحليمات الذوقية على أعضاء خاصة مثل الذقينات والزوائد
الاستشعارية أو على الأشعة الزعنفية الحرة التي تسمح حركتها بتقصيّ الوسط
المحيط.
الخط الجانبي:
وهو عضو خاص يميز الأسماك، يتمثل بمجموعة من القنوات في الرأس وقناتين
تمتدان على طول جانبي الجسم، تحتوي على مُسْتَقْبِلاتٍ خاصة تتحسس بتغيرات
الضغط والتيارات المائية، مما يسمح للحيوان بتوجيه نفسه والتلاؤم مع
الأحوال كافة.
المستقبلات الكهربائية: يمكن
لبعض الأسماك استشعار حقل كهربائي لا يزيد على 0.01 مكرو فُلط/سم، فتستطيع
بذلك اكتشاف الفرائس المدفونة في الرسابة، ويمكنها توجيه نفسها ضمن حقل
المجال المغنظيسي الأرضي.
وتوجد
هذه المستقبلات في كل الأشلاقيات، وفي مجموعات مختلفة من الأسماك العظمية،
وفي الحفش وذوات التنفُّسين[ر]. والمستقبل قناة تمر من سطح الجلد إلى جراب
يحتوي على خلايا حسية تتصل قاعدتها بنهايات عصبية من أعصاب الخط الجانبي.
وتملأ القناة مادة هلامية تشبه في تركيبها الشاردي ماء البحر، وهي ذات
مقاومة كهربائية منخفضة، في حين يتمتع جدار الجراب بمقاومة عالية.
وتجدر
الإشارة إلى أن هناك فصائل مختلفة من أسماك المياه العذبة، تملك مستقبلات
أخرى تستجيب للترددات العالية التي يتم تحريها عن طريق تضافر بين إصدارات
عضو كهربائي والمستقبلات الكهربائية.
الأعضاء الكهربائية:
وهي ألياف عضلية مخططة فقدت خاصتها في التقلص واكتسبت خاصة إصدار طاقة
كهربائية بشكل نبضات أو موجات تستعملها الأسماك في تفحص الوسط المحيط، وفي
الاتصال بغيرها، وصعق فرائسها أو في دفاعها عن نفسها. ويشذ عن ذلك أسماك
قوسيات القص sternarchids التي تعيش في المياه العذبة، والتي تنشأ فيها
الأعضاء الكهربائية من تحوّل ألياف عصيبة.
وتتألف
الأعضاء الكهربائية من خلايا منبسطة معصبة من جانب واحد، ومرتصة على نحو
يمكِّنها من جمع الكمونات الصغيرة الناشئة عن زوال الاستقطاب عبر الأغشية،
فَتُصْدِرُ بذلك كمونات كبيرة تصل إلى 500فلط لدى السمك الكهربائي
Electrophorus . كما سُجِّلَ توتر 450 فلط لدى سمك السلور الكهربائي
electric catfish . في حين يطلق الرَّعّاد Torpedo دفعاته بتوتر40 فلط
تقريباً. ومعظم الأسماك لا يتعدى ما يعطيه الفلط الواحد.
التألق:
يُصْدر عدد كبير من الأسماك البحرية الضوء بوساطة أعضاء تخصصت لذلك. وهناك
نمطان أساسيان من الأعضاء الضوئية. أحدهما فيه خلايا ضوئية خاصة
بإصدارالضوء، وثانيهما توظف فيه السمكة بعض الجراثيم المتعايشة معها لإصدار
الضوء، وذلك بتربيتها ضمن أكياس خاصة.
ويستعمل الضوء في جذب الفريسة أو تحريها، ولكن الاستعمال الأكبر هو في الاتصال[ر] أو في التمويه.
التكاثر
كثير
من الأسماك خِناث، ولاسيما أسماك الصخور المرجانية. وتفيد هذه الحال في
الحالات التي يتعذر فيها الاتصال أو يكون فيها إنتاج البيوض محدوداً.
ويتحول
الذكر في بعض الأنواع البحرية إلى خنثى ثم إلى أنثى، ويتزاوج بعض أنواع
الشعاب المرجانية تزاوجاً مُتَبادَلاً، ولكن الغدد التناسلية تميل إلى
إنتاج بيوض أكثر من النطاف، مما يساعد على إنتاجية أكبر. وهناك أسماك وحيدة
الجنس. وعلى العموم تكون بيوض الأسماك العظمية صغيرة الحجم وكثيرة جداً،
تتحول بعد الإلقاح إلى يرقات، ثم تتحول لتصبح شبيهة بالأبوين. أما بيوض
الأسماك الغضروفية والجريث فهي كبيرة الحجم وقليلة العدد، وتتطور الصغار
التي تخرج من البيوض مباشرة إلى حيوانات شبيهة بالأبوين.
وتختلف
أنماط التكاثر بحسب المجموعات السمكية، فلدى صفيحيات الغلاصم (الأسماك
الغضروفية) يتم الاقتران بوساطة مشبكين claspers هما زائدتان متطاولتان
ملحقتان بالزعنفتين الحوضيتين، تحمل كل منهما ميزاباً يُكَوِّن مع الميزاب
المقابل قناة تضمن نقل السائل المنوي إلى الفتحة التناسلية الأنثوية. ويتم
إلقاح البيوض في القناة الناقلة للبيوض. وتضع إناث الأسماك الخرافية[ر]
والشفنين وبعض فصائل القرش بيوضها الملقحة في الماء، فهي حيوانات بيوضة
oviparous ، أما أسماك القرش الرمادي وأبو مطرقة وغيرها من الأسماك
الغضروفية فهي ولودة viviparous ، إلا أن أجنتها تعتمد في تغذيها على المح
لمدة ثلاثة أشهر ثم على حبل سري لمدة عشرة أشهر. أما بعض أنواع الشفنين
فليس له حبل سري وتتوافر عوضاً عن ذلك آلاف الخيوط المغذية trophonemata
تدخل الجنين عن طريق الفوهات التنفسية.
أما
الأسماك العظمية فمعظمها بيوض. وتكون يرقاتها صغيرة وحياتها قصيرة عموماً،
ونسبة الوفيات فيها عالية. وتتمثل الأنواع الولودة من الأسماك العظمية في
مجموعتين فقط: الأسماك الثعبانية Ophidioids والبطريخيات cyprinodontoids .
وتتنوع
العادات التكاثرية لأسماك المياه العذبة، فلبعض الأنواع الولودة أعضاء
تناسلية ذكرية تتكون من تطاول أشعة الزعنفة الشرجية. وبعضها الآخر يكون كله
إناثاً وتحتاج لنطاف نوع آخر قريب منه للتحريض على إنتاج البيوض. والريفول
المرموطي Rivulus marmoratus خنثى يلقح نفسه بنفسه.
وبيوض
الأنواع البيوضة كبيرة ومزودة بخيوط لاصقة، توضع على القاع أو تُخَبأ أو
تدفن أو تُحمل بحسب النوع. وهي تفقس لتعطي كائنات هي صورة مصغرة عن
الأبوين.
ويرتبط
تكاثر عدد كبير من الأنواع الاستوائية بالمواسم المطرية، إذ تنتظر الأسماك
حدوث الفيضان الذي يوسع بيئتها المائية ويضمن ما يلزم من المواد المغذية.
وبيوض الأنواع الاستوائية البحرية وأنواع المناطق المعتدلة البحرية قابلة
للعوم، فهي إما طافية أو متعادلة neutral ، وهذا ما يمكنها من الانتشار
السريع بعيداً عن مناطق التكاثر. إلا أن ثلث الأسماك البحرية يعطي بيوضاً
لا تعوم إذ تتوضع على القاع أو تلتصق في أماكن يحرسها أحد الأبوين أو
كلاهما. وأكثر الأنواع يبيض عدة مرات في فصل تكاثري طويل.
السباحة
دور العضلات:
تعتمد السباحة على عمليتين اثنتين: الأولى حدوث تموجات على طول الجسم من
الأمام إلى الخلف، كما في الأنقليس وكلب البحر؛ والثانية حركة الذيل، وهي
ما يعتمده الأسقمري[ر] الذي لاينثني جسمه إلا قليلاً. ومعظم الأسماك وسط
بين الحالين. ويزيد الاعتماد على الذيل كلما ازدادت السرعة.
وتعتمد
هذه العمليات على مجموعة من العضلات تحيط بالهيكل، مؤلفة من قطع عضلية
myomeres متتابعة يصطف بعضها وراء بعض بشكل زاويٍّ <<<< يمثل
الترتيب القِطَعي لعضلات المراحل الجنينية. ويمكن تمييز نوعين من العضلات:
عضلات بيض تشكل معظم اللحم في السمك، وهي مختصة بالتنفس اللاهوائي وتعمل
بالتحلل السكري glycolysis اللاهوائي، لهذا ينتج منها كميات كبيرة من حمض
اللبن، وتختص هذه العضلات بالسباحة السريعة؛ وعضلات حمر تشكل 5 - 15% فقط
من مجمل العضلات، وهي طبقة رقيقة تحيط بالعضلات البيض، وتزيد سماكتها في
وسط الجسم على كل من جانبي منطقة الخط الجانبي. وهي تختص بالتنفس الهوائي،
لذلك تكثر فيها الأوعية الدموية والميتوكندريات mitochondria ، وتسهم في
السباحة البطيئة.
دور الزعانف:
تساعد الزعانف على التجديف والتوازن والدفع. فمثلاً تستعمل السمكة
زعنفتيها الصدريتين في دفع جسمها للأعلى، أو في المحافظة على عمق معين. لكن
الاحتكاك المتولد عن ذلك يؤدي إلى صرف كثير من الطاقة فتضطر سمكة الأسقمري
مثلاً التي تزن نحو 25 غراماً في ماء البحر إلى توليد قوة رفع حركي
dynamic lift مقدارها 2،1 × 410 نيوتن حتى تبقى على مستوى واحد، ولذلك
كان الأفضل اعتماد الرفع الساكن static lift . ولما كان معظم مكونات
السمكة أشد كثافة من ماء البحر كان لا بد من إيجاد ما يدفع السمكة للأعلى،
وهذا يتمثل بالكيس السباحي.
دور الكيس السباحي:
هذا الكيس وسيلة عوم فريدة من نوعها، ويسمى أيضاً المثانة الهوائية swim
bladder ، التي تشكل 5 % من حجم السمكة البحرية و7% من حجم السمكة النهرية.
ويحافظ هذا الكيس على حجم ثابت بامتصاص الغاز في أثناء صعود السمكة في
الماء أو إفرازه في أثناء هبوط الحيوان، يمكِّن السمكة من البقاء في حال
عوم متعادل neutral buoyancy . ولكن الضغط يزداد في البحر بمعدل /1/ ضغط
جوي لكل 10م عمق (في المناطق السطحية). ولما كان الكيس السباحي يخضع لقانون
بُويْل Boyle فإن انتقال سمكة في السطح إلى عمق10م يتطلب انتصاف حجم
الكيس، وهذا غير ممكن لأن عمليات التنظيم داخل الجسم لا يمكنها التكيف مع
هذا التغير الشديد. لهذا لا يوجد لكثير من أسماك السطح كيس سباحي (كالتن
والأسقمري)، أو يكون كيسه مختزلاً كما في الأسقمري الموري Scombromorus .
ولهذا يوجد الكيس السباحي فقط في بعض الأسماك، مثل السمك الطائر.
أما في الأعماق فإن سمكة على عمق 500م لا يتغير حجم كيسها أكثر من 2.5% من حجمه الأصلي إذا ما هبطت إلى عمق 510م.
وينشأ
الكيس السباحي كجيب من مقدمة أنبوب الهضم. وتحافظ الأنواع البدائية من
الأسماك كالأنقليس على القناة الواصلة بين الكيس والقناة الهضمية (مفتوحات
الكيس السباحي physostomes )، وفي هذه الحالة يأخذ الحيوان الهواء من السطح
ليملأ به الكيس. إلا أن معظم الأسماك العظمية تتخلص من هذه القناة الواصلة
في المراحل الأولى من تطورها اليرقي أو بعد ذلك، وتسمى هذه الأسماك
بمسدودات الكيس السباحي physoclistes ، التي يكون كيسها السباحي قد امتلأ
بالغاز قبل التخلص من القناة، أو بوساطة خلايا متخصصة في جدار الكيس تفرز
الغاز اللازم باستخلاصه من الدم. وإن الاحتفاظ بالغاز داخل الكيس يتطلب عدم
نفاذية جداره في الوقت الذي لابد له من أن يكون مرناً. لهذا توجد طبقات من
بلورات الغوانين guanine على جدار هذا الكيس يصل سمكها لدى الأنقليس إلى
3مكرون (10 -6م ). والواقع أن إزالة هذه الطبقة تزيد نفاذية الجدار أربعين
مرة.
دور الشحوم والزيوت:
تسهم في عوم الأسماك أيضاً الشحوم والزيوت التي تخزنها في جسمها. وأكبر
مخازن الشحوم هو الكبد التي يصل وزنها في أسماك القرش، التي تعيش في
الأعماق، إلى ربع وزن السمكة، في حين لا يزيد وزن الكبد في الأسماك الأخرى
على 6% من وزنها. وتحتوي الكبد على شحوم تتألف أساساً من مادة السكوالين
squaline ، كما تحتوي بيوض الأسماك على هذه المادة، لذا فإن حملها لا يزيد
من كثافة الأم، إذ تكون البيوض متعادلة العوم. كما أن الأسماك الثعبانية
المنخر Mycotophidae التي تنتقل في المحيط يومياً 500م صعوداً وهبوطاً، قد
ملأت أكياسها الهوائية بالشحوم، مع أن يرقاتها تملك أكياساً سباحية بالمعنى
الصحيح.
بيئة الأسماك
توجد
الأسماك في جميع البيئات المائية بمجال حراري يراوح بين الصفر المئوي
وأكثر من 40ْس بحسب النوع. ويقطن نحو 41% من الأسماك في المياه العذبة،
وأهمها الشبوط والسلور. أما أسماك البحر فيعيش نصف أنواعها في الأماكن
الدافئة، معظمها على الرصيف القاري (الرصيف القاري هو ذلك الجزء من قاع
البحر قرب الشاطئ الذي لا يتجاوز عمقه200 متر عن سطح الماء). ويعيش 5% فقط
من مجموع الأسماك في المياه الباردة.
ويكوّن
الرصيف القاري مستودعاً غذائياً ضخماً بما يحويه من كائنات نباتية
وحيوانية تتغذى بها أسماك تلك المنطقة، التي تتحمل التغيرات الكبيرة في
الملوحة والحرارة. لذلك تعرف هذه الأسماك باسم واسعة الملوحة euryhaline
واسعة الحرارة eurythermic ، في حين لا تستطيع أسماك أعالي البحار تحمل هذه
التغيرات غير الموجودة أصلاً. لذا تعد أسماك أعالي البحار ضيقة الملوحة
stenohaline ضيقة الحرارة stenothermic .
ويميَّز
في أسماك الأنهار: أسماك أعالي النهر التي تلاءمت مع سرعة التيار هناك،
ووفرة الأكسجين، وبرودة الماء، مثل التروتة [ر] والمِنَّوه minnow . أما
أسماك المنطقة المنخفضة في النهر، مثل الشبوط[ر]، فقد اعتادت على درجات
عالية من الحرارة، وكميات قليلة من الأكسجين، وعلى قاع موحل يحتوي على
كائنات وبقايا عضوية تتغذى بها.
أما
البحيرات القليلة الغذاء oligotrophic (وهي تتميز بعمقها وغناها بالأكسجين
وإنتاجيتها الأولية primary productivity المنخفضة) فتسيطر فيها أنواع مثل
التروتة وغيرها من السلمونيات، في حين أن البحيرات الوافرة الغذاء
eutrophic (وهي عادة ضحلة وتخلو مياهها العميقة من الأكسجين وإنتاجيتها
الأولية مرتفعة) تسيطر فيها الشبوطيات.
سلوك الأسماك
السلوك العدائي:
ينجم عن التنافس ضمن النوع الواحد، على الطعام أو المكان أو القرين،
عدائية تتجلى في مظاهر الهجوم والدفاع التي يتخذها الفرد. وتظهر ضمن أفراد
المجموعة سلسلة من السلوكيات التي تحدد مكانة كل فرد، فتخفف بذلك حدة
التوتر.
والإشارات
التي تحرض على السلوك يمكن أن تكون بصرية أو سمعية أو حسية . فحين ترى
سمكة أبو شوكة stickleback خصماً تأخذ وضعاً خاصاً وكأنها تقف على خطمها
وترفع الشوكة الأمامية من زعنفتها الظهرية بوضوح.
وتؤدي
الغدد الصم دوراً مهماً في السيطرة على السلوكية، كما أن السلوك ذاته يؤثر
في إفراز الهرمونات. فمحور الغدة النخامية ـ الغدة التناسلية يحدد فيما
إذا كان على الذكور أن تقوم بأعمال دفاعية عند التكاثر، كما يفعل أبو شوكة،
أو أن يقوم كلا الجنسين بهذه العمليات كأسماك المشط cichlids . ويعمل محور
الغدة النخامية ـ الغدة الكظرية بوساطة الكرتيزون الذي يؤدي دوراً في
الدفاع عن النفس وردود الفعل المختلفة بمعزل عن عملية التكاثر.
الهجرة وتكوين السرب:
لعل السلمون من أشهر الأسماك التي تهاجر إلى أعالي الأنهار ليتكاثر ثم
يموت. وتخرج اليرقات من البيوض وتبدأ الهجرة المعاكسة نحو البحر حيث الغذاء
الوافر. وتتميز هذه الأسماك بقدرتها على التغلب على ما تكتنفه هجرتها من
تغيرات كبيرة في الملوحة.
وهناك
من الأسماك ما يهاجر ضمن المحيط، فالأنقليس يهاجر بين بحر السرغس وأوربة،
وبين البحر نفسه وأمريكة. وهي هجرات غاياتها التكاثر والتغذي. وهناك هجرات
تحرض عليها درجات الحرارة، مثل رحيل أسماك البحيرات من السطح إلى الأعماق
في الشتاء بحثاً عن الدفء.
وترتبط
الهجرة بقابلية السمكة للتجمع في سرب. وتظهر هذه القابلية منذ أن تكون
السمكة يرقة وتتطور مع نموها. وحين تصل هذه إلى طول 10مم يتم تكوين سرب له
خواص مشتركة.