|
الصلاة وحياة المسلم |
|
لبنى شرف / الأردن |
قال عليه الصلاة والسلام: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله" [صحيح الجامع:2573]. إن للصلاة منزلة عظيمة وأهمية بالغة في الإسلام وفي حياة المسلم، فهي عمود الدين، وهي العبادة الوحيدة التي لا تسقط بحال من الأحوال، إلا في حالة فقدان وغياب العقل، فالعقل مناط التكليف. ولأن للصلاة هذه الأهمية فلابد أن يكون لها تأثير كبير في حياة المسلم، ولو كان حالنا في تعاملاتنا وحياتنا كمسلمين كحالنا في الصلاة، لأصبح حال أمتنا أفضل مما هو عليه الآن. فبداية، إن للصلاة مواقيت محددة، وأوقات مخصوصة، أي أن هناك نظاماً ودقة، فلا عشوائية في الأمر ولا فوضى، فلماذا لا يعيش المسلمون حياتهم بهذا النظام؟ ولماذا لا تكون مواعيدهم بهذه الدقة؟ ولماذا لا يحرصون على استغلال أوقاتهم أفضل استغلال؟ فإنهم إن فعلوا هذا لارتقت أمتنا أيما ارتقاء!! ولكننا نجد أن هذا النظام وهذه الدقة في المواقيت قد نُقلت إلى اللعب، فمباريات كرة القدم مثلاً مُقننة بقوانين صارمة، وأنظمة مدروسة، وأما الجد فتُرك بلا قوانين!!.. شيء عجيب!! ثم إن من شروط صحة الصلاة الوضوء، وطهارة الجسم والثياب والمكان، وهذا يدل على أن ديننا يحث على الطهارة والنظافة؛ الحسية والمعنوية، ولكن كثيراً من المسلمين لا يدركون هذا، ولذلك فإننا نرى هذه السلوكيات المستقذرة المنتشرة في بلاد المسلمين، وللأسف. قال عليه الصلاة والسلام: "أرأيت لو أن بفناء أحدكم نهر يجري، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقى من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال: إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" [السلسلة الصحيحة:1614]. وأيضاً، قال تعالى: ﴿يـٰبني ءادمَ خُذوا زينَتَكُم عند كل مَسْجِد﴾ {الأعراف:31}، وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له" [صحيح الجامع:652]. هذه النصوص تدعو إلى أن يكون المسلم في أحسن هيئة عند الصلاة، فلماذا لا يحرص المسلم على أن يكون حَسن المظهر في كل أحواله؟ فالهيئة الحسنة صورة محببة إلى كل النفوس، وكل بحسب استطاعته، فلا يكلف الله نفساً إلا وُسعها. والصلاة تعلمنا الإتقان، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل ليصلي ستين سنة، وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع" [صحيح الترغيب:529]، فلو أننا حرصنا على إتقان كل عمل نقوم به، لأصبح لنا شأن آخر غير الذي نحن عليه الآن! والصلاة تعلمنا العزة والقوة، فالسجود لله رفعة وسمو، فلا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه إلا لله، ولا يجوز له أن يخضع إلا لله. عن أبي أمامة، قال: أتيت رسول الله ـ سلم ـ فقلت: مرني بأمر أنقطع به، قال: "اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة" [السلسلة الصحيحة:1488]. سجدة تخفض الجباه و لكن *** عز فيها مسبح و تعالى ظنها الجاهلون غُلاً على العبد *** ولكن تحطم الأغلالا تثبت الوجه والجوارح في الأر *** ض، ولكن تقلقل الأجبالا تهدم الشرك والوساوس في النفـ *** ـس، ولكن تشيد الأجيالا في سكون، وللقلوب مسير *** سخر الأرض رهبة وجلالا هي لله، وحدته، فقرت *** ومحت كل غاشم يتعالى من وعاها: وعى السيادة في *** الأرض جلالاً، ورحمة، وجمالا إن الصلاة تعلمنا الحب والتعاون والتآلف، تعلمنا وحدة الصف والتراص وجمع الكلمة، تعلمنا ألا نجعل مجالاً للشيطان أن يدخل بيننا. قال عليه الصلاة والسلام: "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كصفوف الملائكة، حاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله" [السلسلة الصحيحة:743]، وقال: "خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها" [السلسلة الصحيحة:2533]، وقال: "أقيموا صفوفكم ثلاثاً، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" [السلسلة الصحيحة:32]. لو أن المسلمين حرصوا على هذا التراص وسد الفُرَج في الصفوف، ليس داخل الصلاة فقط، ولكن خارجها أيضاً، لحكموا العالم، ولكن..!! نحن الآن بحاجة إلى نشر الحب فيما بيننا، ونبذ الفرقة والخصام، فما قويت شوكة عدونا إلا بعدما أصبح بأسنا بيننا شديداً، فإن لم تنتج صلاتنا في المسجد جماعة هذا الحب وهذه الوحدة، فما الفرق بينها وبين صلاة الفرد وحده؟ لقد أشارت بعض أحاديث الرسول الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى أهمية الوحدة والتعاون والمحبة والمودة بين المسلمين، فإنما هم إخوة. قال عليه وآله الصلاة والسلام عندما سئل: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" [صحيح النسائي:5015]، وقال: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة" [صحيح الترمذي:1956]، والابتسامة كما يقول الداعية الأستاذ عباس السيسي: (هي انفراج الأسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس، تحرك الوجدان، وتشرق على الوجه كوهج البرق، حتى ليكاد الوجه يتحدث بنداء وهواتف تلتقطها القلوب فتنجذب، والأرواح فتأتلف). وقال عليه الصلاة والسلام: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه" [السلسلة الصحيحة:149]، وقال: "من كان معه فضل ظهر فليعد على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد على من لا زاد له" [صحيح الجامع:6497]، وقال: "لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً" [غاية المرام:404]. إن هذه النصوص وغيرها تشير إلى أن المجتمع المسلم لابد أن يكون مجتمعاً تسوده الألفة والمحبة والأخوة، ولابد أن يكون مجتمعاً متعاوناً، وحتى مع وجود المذاهب الفقهية المختلفة، فلا ينبغي أن يصل الاختلاف فيما بينها إلى حد العداوة. يقول الشيخ أحمد حسن الباقوري (مدير جامعة الأزهر آنذاك): (الواقع أن الإسلام لا يطلب التوحيد بين المذاهب، ولكنه يمقت أن يكون بين المذاهب خلاف يصل إلى حد العداوة، وما دامت المذاهب قد وُجدت نتيجة أمرين: نصوص محتملة وعقول مختلفة، إذن فالتوحيد غير محتمل الوقوع بالمرة. ثم قال مقترحاً الحل لكيفية حدوث التقارب الواجب، هو أن يتفهم كل فريق مذهب الآخر). |