]
]
]
بسم الله الرحمـن الرحيم
لا تكن من أكلة لحوم البشر وأموالهم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعــــــــد :
من المعلوم أن الله تعالى خلق الخلق لا لشيء إلا لعبادته قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذريات:56) وسنَّ لهم سنن كونية لا تتبدل ولا تتحول فكانت كما قال تعالى { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }(فاطر: من الآية43)
وحدَّ لهم حدوداً من الحلال والحرام إلى غير ذلك ، فأباح لهم الحلال ونهاهم أن يتعدوه إلى الحرام ، أحل الله النكاح بما شرعه الله فلا يجوز تعديه إلى الزنا وأحل الطيبات فلا يجوز تعديه إلى الخبائث أحل لهم البيع والتجارة بالحلال فلا يجوز تعديه إلى الحرام ، وهكذا وكما قال الله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا }(البقرة: من الآية187) 0
وكذلك حرَّم عليهم الحرام فلا يجوز قربه ، مثال حرَّم الله الربا فلا يجوز علينا أن نقربه ، وكذلك الزنا فلا يجوز قربه وكذلك الخمر فلا يجوز قربه إلى غير ذلك ، فكانت كما قال تعالى { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } (البقرة: من الآية229)
فمن ضمن الحدود التي لا يجوز قربها الظلم ، قال تعالى في حديثه القدسي " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا " رواه مسلم
وهدد الله تعالى كل من يقربه بعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، قال تعالى { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }(الشعراء: من الآية227) ولهذا قال رسول الله سلم " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق " السلسلة الصحيحة
والظلم ينقسم إلى ثلاث أقسام كما بينه سلم حيث قال " الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك قال الله { إن الشرك لظلم عظيم } وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدبر لبعضهم من بعض " صحيح الجامع
فالظلم إذن ثلاث ، فالأول وهو الشرك فالله تعالى لا يغفره إلا بالتوبة الصادقة منه ، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } (النساء:4 وظلم يغفره الله تعالى وهو ظلم العباد أنفسهم بارتكابهم بعض المعاصي والآثام وهي دون الشرك فهذا أمره إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عاقب إن مات مرتكبه بغير توبة ، والآية السابقة شاهدة على ذلك .
وظلم لا يترك الله منه شيئاً وهو ظلم العباد فيما بينهم فهذا ظلم لا يترك الله منه شيئاً حتى يقتص لضعيفهم من شديدهم وإن كان مثقال حبة من خردل ، قال تعالى { َنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }(الانبياء:47) 0 * وأول ظلم لا يترك الله منه شيئاً هو ظلم الدماء – أي سلب حق الحياة للآخرين ظلماً وعدوانا ، وأول ما يحكم بين العباد في الدماء كما قاله سلم والحديث في صحيح الجامع. وسيكون جزاء من وقع بهذا الظلم كما قال تعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (النساء:93) 0
* وكذلك من الظلم الذي لا يترك الله منه شيئاً " أكل أموال الناس بالباطل وأعظمه أكل أموال اليتامى ظلماً ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }(النساء:10)
وأكله بالرشوة والربى والضرائب وغير ذلك ، قال تعالى { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:188) * ومن الظلم أيضاً ، كذلك أخذ أراضي الآخرين ظلماً وعدوانا وبشهادات الزور وباليمين الغموس الكاذبة والتي تغمس صاحبها في نار جهنم والعياذ بالله ، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن أعرابيا جاء إلى النبي سلم فقال يا رسول الله ما الكبائر قال الإشراك بالله قال ثم ماذا قال اليمين الغموس قال وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امرىء مسلم يعني بيمين هو فيها كاذب "
و قال عليه الصلاة والسلام " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار" صحيح أبي داود وجاء أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله سلم قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين رواه البخاري ومسلم
وقال أيضاً " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وإن كان قضيبا من أراك " . صحيح الجامع ، معنى أراك أي قضيب سواك وقال أيضاً " من أخذ من الأرض شيئا ظلما جاء يوم القيامة يحمل ترابها إلى المحشر " . صحيح الجامع ، فكيف بالذين يأخذون أموال غيرهم من الأخوات وذوات الأرحام ممن خصَّهم الله من الإرث سواء كان مالاً أو أرضاً أو غير ذلك. ومن الظلم أيضاً الاعتداء على الآخرين بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، جاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال : لما رجعت إلى رسول الله سلم مهاجرة البحر قال ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة قال فتية منهم بلى يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا قال يقول رسول الله سلم صدقت صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم " صحيح ابن ماجه فكيف يكون العقاب يوم القيامة ؟ جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت " جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله سلم فقال إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم فقال رسول الله سلم إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي فقال له رسول الله سلم أما تقرأ قول الله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين فقال الرجل يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيرا من مفارقتهم أشهدك أنهم كلهم أحرار " أنظر صحيح الترمذي0 وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله سلم من ضرب مملوكه سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة " صحيح الترغيب 0
* ومن الظلم العظيم أيضاً الغيبة والتي أصبحت في هذه الأيام فاكهة المجالس وكذلك الوقوع في أعراض الناس ، قال عليه الصلاة والسلام " الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ". صحيح الجامع . الوقوع في أعراض الناس وقذفهم بالزنى وبوصفهم أنهم أبناء حرام ، وأبناء زنى وهكذا ، فهذا قذف وقد هدد الله قاذفه بعذاب أليم ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النور:23) وقال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:4) 0
فما عقابهم في الآخرة ؟ جاء عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله سلم " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " صحيح الترغيب 0
* ويا للأسف لم يتوقف الأمر على أكل لحوم البشر بالغيبة بل تعداه إلى السعي بين الناس بالنميمة والافساد بين الأحبة ، نبيكم سلم نفى الإيمان عم المرء إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه ، قال عليه الصلاة والسلام " و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير " . صحيح الجامع 0
بل وجعل ذلك شرطاً لدخول الجنة حيث قال " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " صحيح أبي داود 0 فأصبحنا الآن في زمن لا يكاد تجد مسلماً يحب لأخيه ما يحب لنفسه إلا من رحم ربي وقليل ما هم ، بل أصبح الواحد منَّا لسان حاله يقول للآخر – يا أخي لا تريد أن تحبني كما تحب لنفسك فدعني وتركني بحالي ،بل لم يتوقف الأمر على هذا فهو لا يتمنى الخير لأخيه ، بل أكثر من ذلك فهو يتمنى لو كانت على أخيه نعمة أن تزول عنه وترحل والعياذ بالله 0
إذن من الظلم الغيبة ، والغيبة عرَّفها النبي سلم بقوله " ذكرك أخاك بما يكره " أي وهو غائب ، صحيح أبي داود 0
* ومن يقع في الغيبة وفي الخوض بأعراض الناس فهذا قد نُفِيَ عنه الإيمان على لسان نبيه سلم حيث صعد المنبر ونادى بصوت رفيع فقال " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " صحيح الترغيب وفي رواية " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " صحيح أبي داود
لا تكن من أكلة لحوم البشر وأموالهم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أما بعــــــــد :
من المعلوم أن الله تعالى خلق الخلق لا لشيء إلا لعبادته قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذريات:56) وسنَّ لهم سنن كونية لا تتبدل ولا تتحول فكانت كما قال تعالى { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }(فاطر: من الآية43)
وحدَّ لهم حدوداً من الحلال والحرام إلى غير ذلك ، فأباح لهم الحلال ونهاهم أن يتعدوه إلى الحرام ، أحل الله النكاح بما شرعه الله فلا يجوز تعديه إلى الزنا وأحل الطيبات فلا يجوز تعديه إلى الخبائث أحل لهم البيع والتجارة بالحلال فلا يجوز تعديه إلى الحرام ، وهكذا وكما قال الله تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا }(البقرة: من الآية187) 0
وكذلك حرَّم عليهم الحرام فلا يجوز قربه ، مثال حرَّم الله الربا فلا يجوز علينا أن نقربه ، وكذلك الزنا فلا يجوز قربه وكذلك الخمر فلا يجوز قربه إلى غير ذلك ، فكانت كما قال تعالى { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } (البقرة: من الآية229)
فمن ضمن الحدود التي لا يجوز قربها الظلم ، قال تعالى في حديثه القدسي " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا " رواه مسلم
وهدد الله تعالى كل من يقربه بعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، قال تعالى { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ }(الشعراء: من الآية227) ولهذا قال رسول الله سلم " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق " السلسلة الصحيحة
والظلم ينقسم إلى ثلاث أقسام كما بينه سلم حيث قال " الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله وظلم يغفره وظلم لا يتركه فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك قال الله { إن الشرك لظلم عظيم } وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدبر لبعضهم من بعض " صحيح الجامع
فالظلم إذن ثلاث ، فالأول وهو الشرك فالله تعالى لا يغفره إلا بالتوبة الصادقة منه ، قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } (النساء:4 وظلم يغفره الله تعالى وهو ظلم العباد أنفسهم بارتكابهم بعض المعاصي والآثام وهي دون الشرك فهذا أمره إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عاقب إن مات مرتكبه بغير توبة ، والآية السابقة شاهدة على ذلك .
وظلم لا يترك الله منه شيئاً وهو ظلم العباد فيما بينهم فهذا ظلم لا يترك الله منه شيئاً حتى يقتص لضعيفهم من شديدهم وإن كان مثقال حبة من خردل ، قال تعالى { َنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }(الانبياء:47) 0 * وأول ظلم لا يترك الله منه شيئاً هو ظلم الدماء – أي سلب حق الحياة للآخرين ظلماً وعدوانا ، وأول ما يحكم بين العباد في الدماء كما قاله سلم والحديث في صحيح الجامع. وسيكون جزاء من وقع بهذا الظلم كما قال تعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (النساء:93) 0
* وكذلك من الظلم الذي لا يترك الله منه شيئاً " أكل أموال الناس بالباطل وأعظمه أكل أموال اليتامى ظلماً ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }(النساء:10)
وأكله بالرشوة والربى والضرائب وغير ذلك ، قال تعالى { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } (البقرة:188) * ومن الظلم أيضاً ، كذلك أخذ أراضي الآخرين ظلماً وعدوانا وبشهادات الزور وباليمين الغموس الكاذبة والتي تغمس صاحبها في نار جهنم والعياذ بالله ، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن أعرابيا جاء إلى النبي سلم فقال يا رسول الله ما الكبائر قال الإشراك بالله قال ثم ماذا قال اليمين الغموس قال وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امرىء مسلم يعني بيمين هو فيها كاذب "
و قال عليه الصلاة والسلام " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار" صحيح أبي داود وجاء أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله سلم قال من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين رواه البخاري ومسلم
وقال أيضاً " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة وإن كان قضيبا من أراك " . صحيح الجامع ، معنى أراك أي قضيب سواك وقال أيضاً " من أخذ من الأرض شيئا ظلما جاء يوم القيامة يحمل ترابها إلى المحشر " . صحيح الجامع ، فكيف بالذين يأخذون أموال غيرهم من الأخوات وذوات الأرحام ممن خصَّهم الله من الإرث سواء كان مالاً أو أرضاً أو غير ذلك. ومن الظلم أيضاً الاعتداء على الآخرين بالضرب أو الشتم وغير ذلك ، جاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال : لما رجعت إلى رسول الله سلم مهاجرة البحر قال ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة قال فتية منهم بلى يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا قال يقول رسول الله سلم صدقت صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم " صحيح ابن ماجه فكيف يكون العقاب يوم القيامة ؟ جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت " جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله سلم فقال إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم فقال رسول الله سلم إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي فقال له رسول الله سلم أما تقرأ قول الله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين فقال الرجل يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيرا من مفارقتهم أشهدك أنهم كلهم أحرار " أنظر صحيح الترمذي0 وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله سلم من ضرب مملوكه سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة " صحيح الترغيب 0
* ومن الظلم العظيم أيضاً الغيبة والتي أصبحت في هذه الأيام فاكهة المجالس وكذلك الوقوع في أعراض الناس ، قال عليه الصلاة والسلام " الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ". صحيح الجامع . الوقوع في أعراض الناس وقذفهم بالزنى وبوصفهم أنهم أبناء حرام ، وأبناء زنى وهكذا ، فهذا قذف وقد هدد الله قاذفه بعذاب أليم ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (النور:23) وقال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:4) 0
فما عقابهم في الآخرة ؟ جاء عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله سلم " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " صحيح الترغيب 0
* ويا للأسف لم يتوقف الأمر على أكل لحوم البشر بالغيبة بل تعداه إلى السعي بين الناس بالنميمة والافساد بين الأحبة ، نبيكم سلم نفى الإيمان عم المرء إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه ، قال عليه الصلاة والسلام " و الذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير " . صحيح الجامع 0
بل وجعل ذلك شرطاً لدخول الجنة حيث قال " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " صحيح أبي داود 0 فأصبحنا الآن في زمن لا يكاد تجد مسلماً يحب لأخيه ما يحب لنفسه إلا من رحم ربي وقليل ما هم ، بل أصبح الواحد منَّا لسان حاله يقول للآخر – يا أخي لا تريد أن تحبني كما تحب لنفسك فدعني وتركني بحالي ،بل لم يتوقف الأمر على هذا فهو لا يتمنى الخير لأخيه ، بل أكثر من ذلك فهو يتمنى لو كانت على أخيه نعمة أن تزول عنه وترحل والعياذ بالله 0
إذن من الظلم الغيبة ، والغيبة عرَّفها النبي سلم بقوله " ذكرك أخاك بما يكره " أي وهو غائب ، صحيح أبي داود 0
* ومن يقع في الغيبة وفي الخوض بأعراض الناس فهذا قد نُفِيَ عنه الإيمان على لسان نبيه سلم حيث صعد المنبر ونادى بصوت رفيع فقال " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " صحيح الترغيب وفي رواية " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " صحيح أبي داود