بهذه المناسبة السعيد التى يسعد فيها المؤمنون وهوعيد الأضحى المبارك
الله أكبر...الله أكبر ما هام قلب مشتاق
إلى حج بيت الله الحرام, الله أكبر ما تهيأ للرحيل محب هزه الوجد والغرام,
الله أكبر ما سار الحجاج إلى الميقات واغتسلوا للإحرام, الله أكبر ما
تجردوا من المخيط والمحيط وأحرموا منه وضجوا بالتلبية استجابة لنداء خليل
الرحمن في البرية, الله أكبرما جدوا في السير حتى شاهدوا الكعبة البهية,
الله أكبر ما حطمت ذنوبهم عند الحطيم ونالوا المواهب السنية, الله أكبر ما
هلت مطايا الأشواق إلى عرفات, الله أكبر ما ابتهلوا فيه وحطت عنهم
الخطيئات, الله أكبر ما ازدلفوا ووقفوا بالمشعر الحرام
فارتقوا أعلى الدرجات, الله أكبر ما رموا
جمرة العقبة ونحروا هديهم وطافوا للإفاضة فتحللوا, الله أكبر ما أغدق عليهم
ربنا الكريم سحائب الرضوان والإحسان, الله أكبر ما أتحفهم بزيارة سيد ولد
عدنان, الله أكبر ما كملهم بالصلاة بين المنبر والمقام روضة الجنان. الله
أكبر...لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. أحمدك اللهم دللتنا على
موائد إحسانك وإنعامك, وأعدت علينا هذه الأيام عوائد برك وإكرامك, وخصصتنا
بضيافة عيد السرور على تعاقب الأيام, وأشكرك مولانا وخالقنا أتممت علينا
النعمة بما شرعته لنا في هذا ليوم المبارك السعيد , وأشهد أنك الله الذي لا
إله غيره تجليت على عبادك بالرحمات, وتحببت لأهل مودتك ومحبتك فحببت إليهم
الطاعات والقربات, فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد
الرضا ولك الحمد على كل حال, وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا محمدا عبدك
ورسولك, وصفيك من خلقك وخليلك , خير من بلغ رسالة الله برا وبحرا, وأفضل من
صدع بالنذارة من لدنه زجرا وأمرا, وبالغ في الدعوة إليه جهرا وسرا, ودمغ
ببراهين المعجزات شبهات من ضاق بالحق صدرا, وأنار بضوء الهداية طريق من
أذعن للحقيقة سبرا .آله وصحابته ذوي الحلم والنهى وأهل
العلم والتقى ,الأدلاء على رب العالمين المستحفظين على أسرار الوحي والدين
القوامين في العالمين المشفعين في يوم لا يغني فيه مال ولا بنون إلا من أتى
الله بقلب سليم.أما بعد معشر الأحباب الخارجين استجابة لأمر الله وتعرضا
لأفضاله في هذا اليوم المبارك, إن يومكم هذا يوم من أيام الله أعاده الله
علينا وعليكم وعلى أمة الإسلام باليمن والبركات, وهو تمام العشر التي أقسم
الله بها في كتابه فقال: وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ* ولم يقسم بها
ربنا إلا لعظمتها وقدرها الرفيع عنده, ومضاعفة ثواب الأعمال الصالحة فيها,
وهي الأيام التي يقع فيها الحج إلى بيت الله الحرام. وإذا كان لكل أمة من
الأمم عيد يعود عليها في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها وأخلاقها وفلسفة حياتها،
فإن عيد الأضحى وعيد الفطر قد شرعهما الله تعالى لأمة الإسلام، قال الله
تعالى: لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا [الحج:34]، روى ابن جرير في
تفسيره عن ابن عباس قال: (منسكاً أي: عيداً)[1] فيكون معنى الآية أن الله
جعل لكل أمة عيداً شرعياً أو عيداً قدرياً. وعيد الأضحى وعيد الفطر يكونان
بعد ركن من أركان الإسلام، فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحج، وعيد الفطر
يكون بعد عبادة الصوم، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة
ولهم يومان يلعبون فيهما قال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما
في الجاهلية، فقال: ((قد أبدلكم الله خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))
رواه أبو داود والنسائي[2].
إن ربنا سبحانه شرع في هذا العيد أعمالاً
جليلة صالحة يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، وسماه الله يوم الحج
الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحج تكون فيه, ولغير الحاج شرع الله صيام عرفة
الذي يكفر السنة الماضية والآتية, وصلاة العيد في جمع المسلمين، وقربان
الأضحية، فأبواب الخيرات كثيرة ميسرة، وطرق البر ممهَّدة واسعة، ليستكثر
المسلم من أنواع الطاعات لحياته الأبدية بقدر ما يوفقه الله تعالى
فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إخوة الإيمان في أيام دهركم الفاضلة. الله أكبر،
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله
الحمد.إن يوم العيد يذكرنا بأسس الإسلام في شريعة خليل الرحمن إبراهيم :
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن
قَبْلُ.ولقد جعل الله الأمة الخاتمة أولى الناس بحماية شريعة إبراهيم من
التحريف فقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران. وإن أول أساس هو الطاعة المطلقة لله تعالى دون
انتظار لحكمة الأمر الذي أمرنا به, بل على المسلم أن يطيع أولا, ثم بعد ذلك
يعلمه الله الحكمة, ودليل ذلك في سيرة خليل الرحمن أنه لما جاءه أمر الله
بالخروج من بلده لم يسأل الوحي إلى أين أذهب وكيف أذهب؟ بل حزم متاعه
واستصحب أهله وخرج قائلا: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
}الصافات99. فأين هذه الطاعة وهذا الانقياد ممن عطلوا المساجد وهجروها,
وتهاونوا في الصلاة وفرطوا فيها, أين هذه الطاعة وهذا الانقياد ممن منعوا
زكوات أموالهم وبخلوا بفضولها, وسعوا في الاستكثار من الأموال من حلها
وحرامها, أين هذه الطاعة وهذا الانقياد من عورات تكشفت وأعراض انتهكت
وأحكام عطلت, وأهواء ومشتهيات عبدت من دون الله. والأساس الثاني هو الإيمان
بالله تعالى وبأمره ونهيه إيمانا مطلقا دون شك ولا حيرة, ولا قلق من تأخير
إجابة المطالب, وأنه تعالى يفعل الصالح لعباده في الوقت الذي يريد, وقد
بشر الله تعالى خليله إبراهيم عليه السلام بولد من صلبه وكانت الإجابة بعد
البشرى بعشرين سنة. ولله در ابن عطاء الله حين قال: لا يكن تأخر أمد العطاء
مع الإلحاح في الدعاء فهو قد ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما
تختاره لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد. ولقد وضع إبراهيم
ابنه إسماعيل على أرض جرداء لا نبات فيها ولا ماء, ولم يسأل ربه ماذا يأكل
وماذا يشرب وكيف ينام؟ بل عندما هم بالانصراف سألته زوجه المؤمنة هاجر:
الله أمرك بهذا؟ قال نعم. قالت: إذن لن يضيعنا. هذا هو الإيمان بحقيقته
وروحه ومعناه. وأين هذا الإيمان الذي يجب أن نملأ به قلوبنا, وننطلق منه في
تصرفاتنا ممن يستعجل الرزق بتعاطي المحرمات والمتاجرة فيها, وانتهاك
الحدود والاستهانة بها من ربا ورشوة ومخدرات وخمور وغيرها مما عج به
مجتمعنا رغم دعواه الانتماء للحنيفية السمحة.
والأساس الثالث من أسس دين الخليل الذي
ورثناه هو العمل لوجه الله لمصلحة الجميع دون انتظار جزاء ولا شكور من
مخلوق سواء تعلق هذا العمل بجلب المنافع لهم وتيسير أسبابها, أو صرف الشرور
والقضاء على أسبابها ومواطنها. وأين هذا الأساس أيضا من أوكار فساد مفتحة
على مصراعيها في أوساط المجتمعات لإفساد الشباب وإشاعة الرذيلة وطمس معالم
الفضيلة, أين هذا الأساس من خدمات اجتماعية في المؤسسات الإدارية والمالية
والتعليمية اتخذ منها القائمون عليها والمباشرون لها وسيلة لتحقيق مصالحهم
وتلبية مطامعهم والامتنان على إخوانهم, وإذلال الضعفاء منهم, فلا هم
بأجورهم المالية سعوا في استيفاء حقها من الخدمات ليستحقوها طيبة حلالا,
ولا بأجور الآخرة تعاطوا أسبابها ليرجوا من الله مضاعفتها.
أيها المسلمون، إن العيد من شعائر الإسلام
العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة،
وحِكماً بديعة، أولى معاني العيد في الإسلام توحيد الله تعالى وإفراده
بالعبادة في الدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة والاستعانة، والتوكل والرغبة
والرهبة، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا التوحيد هو أصل الدين الذي
ينبني عليه كل فرع من الشريعة، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله المدلولِ
عليه بقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]،
الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنات النعيم، وإذا ضيَّعه لا ينفعه
عمل، وخُلِّد في النار أبداًً. فتمسكوا معشر الأحباب بهذا الأصل العظيم،
فهو حق الله عليكم وعهده الذي أخذه على بني آدم في عالم الأرواح، وقد أكد
الله في القرآن العظيم إفراده بالعبادة، وعظم شأنه، فما من سورة في كتاب
الله إلا وهي تأمر بالتوحيد نصاً أو تضمناً أو التزاماً، أو تذكر ثواب
الموحدين أو عقوبات المشركين، فمن وفى بحق الله تعالى وفى الله له بوعده،
تفضُّلاً منه سبحانه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله
أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) رواه البخاري[3]. فالتوحيد أول الأمر
وآخره.الله أكبر...وثاني معاني العيد تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله
التي ننطق بها في التشهد في صلاة العيد وغيْرها من الصلوات، إن معنى شهادة
أن محمداً رسول الله طاعة أمره واجتناب نهيه وتصديق أخباره وعبادة الله
بما شرع مع محبته وتوقيره، قال الله تعالى: قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ
وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54].ومن حكم العيد ومنافعه
العظيمة شهود جمع المسلمين لصلاة العيد، ومشاركتهم في بركة الدعاء والخير
المتنزل على جمعهم المبارك، والانضواء تحت ظلال الرحمة التي تغشى المصلين،
والبروز لرب العالمين، إظهاراً لفقر العباد لربهم، وحاجتهم لمولاهم،
وتعرضاً لنفحاته وهباته التي لا تُحد ولا تُعد، عن أم عطية رضي الله عنها
قالت: أمرنا رسول الله أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات
الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. رواه
البخاري ومسلم[4].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. وإن من حكم العيد ومنافعه العظمى،
التواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء
نار الأحقاد والضغائن والحسد. فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان
واحد لأداء صلاة العيد آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين
قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لأنه واحد، ولا
يفرق بين القلوب إلا الأهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة
المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي
الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم
مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر
والحمى))[5]، وفي الحديث: ((ليس منا من لم يرحم الصغير، ويوقر الكبير))[6]،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ابغوني في
الضعفاء، فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم)) رواه أبو داود بإسناد جيد[7].
والمحبة بين المسلمين والتوادد غاية عظمى
من غايات الإسلام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا
تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم[8]. فجاهد نفسك ـ أيها
الم