رضيت بالإسلام دينًا
صح في مسلم أن رسول الله -سلم- قال: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا..» [الراوي:
العباس بن عبدالمطلب، المحدث: مسلم، صحيح]، والمعنى: ذاق طعم الإيمان من
رضي بالله ربًا ورضي بالإسلام دينًا..، فالواو كما هو مقرر عند النحويين من
حروف عطف النسق، وتستخدم لمطلق الجمع والاشتراك في الحكم، بإجماعهم.
فمع الرضا بالله ربًا لابد من الرضا بالإسلام دينًا ليكون ذوق طعم الإيمان، ولتحصل حلاوته للإنسان.
والدين
في اللغة واستعمال الشرع يرد على معان عدة، جمهرة منها مرادة في هذا
السياق، بيد أن منها السياسة والحكم والخضوع لهما، فالديان هو السائس، كما
في قول الجاهلي حرثان بن محرث ذي الإصبع العدواني:
لاه ابن عمك لا أَفْضَلْت في حسبٍ *** عـنـي ولا أنت دياني فتخزوني
يعني بديّاني: سائسي.
ومن التعبير عن الدين بمعنى الخضوع في الحكم قول الله -تعالى-: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40]، ومن التعبير به عن معنى الحكم والسياسة قوله -تعالى-: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} [يوسف: 76].
وإذا
بدا هذا فمن جملة الرضا بالإسلام دينًا الركون بالخضوع والانقياد لما جاء
به محمد -سلم- في الأمور كلها ومنها أمور السياسة وإدارة
شؤون الملة.
فمن اتخذ الديمقراطية أو الاشتراكية أو أي نظام أو فكر
غير الإسلام عقيدة يعتقدها ونظامًا يلتزمه وسلطة يخضع لمقرراتها وينطلق عن
أمرها ونهيها فقد دان بدين غير دين الإسلام، ورضي عقيدة غير عقيدة الإسلام،
وقد قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
وقد
أبعد النجعة وأغرق النزعة من ظن أن نظام الإسلام السياسي قاصر مفتقر إلى
ما يكمله من أنظمة الشرق أو الغرب، وتلك كتب السياسة الشرعية القديمة
والمعاصرة مفصلة لنظام الحكم في الإسلام مبينة مزاياه، شارحة آلياته وتركيب
أجهزته التنفيذية بلغة يستنبطها العالم ثم لا يضر بعد ذلك النظامَ جهلُ
قصير الباع في علم الشريعة بها! ونور الشمس إذا لم يبصر به الأعمى فليطلب
من يقوده! وأهل العلم عليهم نحت القوافي من مقاطعها.. وأما عجزهم عن إنفاذ
ما هو واضح في مجتمع ما فهو عذر لهم، ومَن ثرَّب عليهم في لحظة غضبية فاهمس
في أذنه مذكرًا: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا}
[الطلاق: 7]، وذكره بأنه مثلهم عاجز عن هذا، وطائفة منهم عاجزة عن هذا
وعاجزة كذلك حتى عن استيراد نظم الغرب التي يخالونها أخف ضررًا.
والمقصود
أن من الرضا بالإسلام دينًا الرضا بحكمه والخضوع له في سائر الشؤون ومنها
شؤون السياسة والحكم، وكل دعوة مقتضاها التحرر من هذا الخضوع فهي دعوة
طاغوتية استبدادية وإن كانت في ظاهرها دعوة للخروج من ربقة الاستبداد
السياسي الفردي، إلاّ أن حاصلها وحقيقتها نقل الناس من استبداد إلى استبداد
أوسع دائرة، ومن استعباد إلى استعباد آخر مقنن، وقد رأينا نظم الغرب
والشرق وكيف انسلخت تشريعاتها عن ديانات أهلها، وكيف تعدت على غيرها، وكيف
جارت على من سواها، وما ذاك عن البلاد الإسلامية إن اتبعت تلك النظم ببعيد،
والواقع يشهد، ولا ضمانة تمنع إلاّ بجعل تلك النظم نظمًا وهمية خاضعة
لمجالس حاكمة عليها بيدها الحل والعقد حقيقة، في عناء وتطويل ليس وراءه
طائل! وإني لأعجب من بعض المحبطين من واقع الأمة، تجد أحدهم لا يملك إنفاذ
النظم الغربية، ولا الإسلامية، ومع ذلك يجاهد من أجل إحلال نظام غربي ليحكم
بنظام إسلامي وَفق مُثلٍ أفلاطونية غير واقعية يبهرجها بجدل بيزنطي! أو
بإرجاع الأمر لأهل الحل والعقد الذين يزدريهم ويستعديهم! وفي نفس الوقت
يستعدي النظم القائمة، وينابذ في لجة الثورة الغضبية من يرشده لاختصار
الطريق! مع حاجته له في إقامة نظام إسلامي، يحكم في شتى مجالات الحياة إن
كان يرضى بالإسلام دينًا!
والمقصود: بيان أن من الرضا بالإسلام دينًا التحاكم إليه وتحكيمه في سائر شؤون الأمة.
ومن
الرضا بالإسلام دينًا الرضا بمقرراته في العقيدة فلا يتعرض لها بتأويلات
العقول القاصرة، ولا ترد بآراء الرجال، بل واجب تعظيم معارضتها بشيء من
ذلك، وتعظيم النكير على معارضيها، أما من زهد في ذلك وازدراه فليراجع رضاه
بالإسلام دينًا.
وكذلك الشأن في الشريعة، ولا عقائد الإسلام الثابتة
تخالف عقلًا صحيحًا، ولا شرائعه الثابتة كذلك تخالف عقلًا صحيحًا أو علمًا
صريحًا، وقد ألف علماء الإسلام في درء تعارض العقل والنقل مؤلفات ضخام،
ولم تزل الأيام تبدي للناس آيات الشريعة، وقصور العقول عنها، ولم يعارض شيء
من مكتشفات العصر وحقائق العلوم ما تقرر في الشريعة، بل كل يوم تظهر للناس
آية في التشريع والحمد لله، والكتابة في موضوعات إعجاز التشريع في
الإسلامي كثيرة.
ومن الرضا بالإسلام دينًا الغبطة به واستعلاء
بأحكامه والاعتزاز بها، فإن رضا العزيز وهو المسلم إنما يكون بالعزيز من
الشرائع الأحكام.. أما الذين يستحون من دينهم، ويخجلون من إظهار شعائر
الإسلام، ويجدون في أنفسهم حرجًا من الإعلان بها بين الكفار، ويقولون لمن
أظهرها بلسان الحال أو المقال: فشّلتنا! فليراجعوا أنفسهم، ولينظروا محلهم
من الرضا بالإسلام دينًا، وليعلموا أنهم على شفا خطر.. وفوق ذلك هم على رأي
مرذول قد انتكست عقولهم وسفهت آراؤهم إذ استحوا مما حقهم الاستعلاء به،
فلا تشريعات الغرب تضاهي تشريعات الإسلام، ولا أديان القوم التي يفخرون بها
أهلٌ لأن تقارن بدين الإسلام! ولا مقررات العقول تتعارض مع ما أرشد إليه
من المصالح الدنيوية والأخروية، فحقيق بأهل الإسلام أن يخجلوا هم من انتساب
أمثال أولئك الضعاف المهازيل إليهم، وأن تتغير وجوههم عند عد العالمين
لأولئك في نفير أهل الإسلام أو في عيرهم! فإنما المسلم من رضي بالإسلام
دينًا.
للكاتب : الشيخ/ ناصر العمر
< align="center">
>
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك