الاستعانة بالله
الحمد لله القوي العزيز, العظيم الجليل ,الذي لم يتخذ ولدا, ولم يكن له شريك في
الملك, ولم يكن له ولي من الذل ,وخلق كل شئ فقدره تقديرا, احمده
سبحانه ,واشهد أن لا إله إلا هو, واشهد أن محمدا عبده ورسوله, بلغ الرسالة ,وأدى
الأمانة, ونصح للأمة فصلى الله عليه صلاة دائمة, ما تعاقب الليل والنهار وسلم
تسليما كثيرا
أما بعد:
أيها المؤمنون اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ولا تتعرضوا
لغضب ربكم فإن أجسادكم على النار لا تقوى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً{70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً{71}
عباد الله :
لا شك أن كل إنسان يعلم أنه ضعيف لا يستطيع قوة وليس له ناصر والله يؤكد هذا
المعنى ويقول (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً }النساء
28
ويقول {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }الطارق10
وكلنا يعلم أن الله هو القوي العزيز الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون
لذلك أيها الأحبة وجب على المخلوق الضعيف الاستعانة بالخالق القوي العزيز.
وتخيلوا إنسانا في لجة البحر قد تحطمت سفينته وتعلق بخشبة طافية وانقطعت
سبل النجاة لديه فهو لا يرى منقذ له إلا الله
فتصوروا حاله وكيف يكون تعلقه بربه وكيف يكون دعائه .
وإذا استشعرتم ذلك فاعلموا أننا نعيش هذا المشهد في كل لحظة فنحن نسبح في
بحر من الفتن والشهوات ومن لم يستعن بالله فلن ينجوا ولهذا كان سيد البشر وأكمل
الخلق عليه الصلاة والسلام يكثر من قول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)
هذا وهو النبي المعصوم المؤيد بالوحي وبجبريل والذي أنزلت الملائكة تقاتل معه
وعرج به إلى فوق السموات وله المقام المحمود والحوض والشفاعة مع ذلك هو
خائف من تقلب قلبه سلم.
والآن اسأل نفسك كم مرة سألت ربك أن يثبت قلبك فإن وجدت خيرا فاحمد الله عليه
وإن وجدت غير ذلك فأنصت لما أقول.
أيها المسلمون:
أمرنا ربنا أن نقرأ الفاتحة في كل ركعة وفيها (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5}لماذا ؟
لنعلم أن العبادة لا تتم إلا بالاستعانة بربنا.
لكن كيف تكون الاستعانة؟
الاستعانة هي اعتماد القلب على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله
في حصول ذلك وحسن الظن به
فاعتماد القلب يعني أن تكون الاستعانة لقلبك كما يكون العماد للبنيان.
والمنافع هي كل مطلوب من أمور الدنيا والآخرة
والمضار هي كل مرهوب في الدنيا والآخرة
والثقة بالله تتضمن معرفة الله وتتضمن حسن العبادة فإن حسن الظن من حسن
العبادة
وهاهو الرسول سلم يقول لمعاذ ( لا تدع دبر كل صلاة أن تقول اللهم
أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك)
ويقول لنا أن إذا قال المنادي حي على الصلاة حي على الفلاح أن نقول : لا حول ولا
قوة إلا بالله, فمع أننا نسمع المنادي نقول لا نستطيع أن نجيبك إلا إذا أعاننا الله فلا
حول كائن ولا قوة موجودة إلا بالله.
وإذا خرجنا من المنزل نقول ( بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله)
فيقول الشيطان كيف لي برجل هدي وكفي ووقي.
أيها الناس :
الله يقول (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ)
وهذه من أعظم مراحل الضعف لذلك لأنه هو العليم فقد شرع لنا هذه الصلوات وأمرنا
أن نستعين بها على أمور ديننا ودنيانا فقال{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ
عَلَى الْخَاشِعِينَ }البقرة
45
إذا الاستعانة الحقيقة تكون مع القرب من الله وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
إذا أيها الأحبة إذا كثرت معاصينا وعجزنا عن تغير أنفسنا فلنستعن بربنا.
فمن أراد أن يصلي الفجر في جماعة فليستعن بربه
عباد الله
ومن أراد أن يترك الغيبة فليستعن بربه
ومن أراد أن يترك حلق لحيته أو إسبال ثوبه فليستعن بربه
ومن أراد النجاح في امتحاناته فليستعن بربه
وكذلك من كثرت ديونه وهمومه فليستعن بربه ( ومن قال اللهم اكفني بحلالك عن
حرامك واغني بفضلك عمن سواك) قضى الله دينه وإن كان عليه جبل من
الديون .فعلام الحزن
وأكثروا من الدعاء في سجودكم فإنه كثرته دليل على تعلقكم واستعانتكم بربكم
وإذا سرك أن يستجاب لك في الشدة فأكثر من الدعاء في الرخاء
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{29}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما
تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.