إن الحياة الزوجية سر من أسرار استمرار الحياة على هذه الأرض.
ومن عجيب هذه الحياة، أنها قد تجعلك أسعد إنسان، وقد تجعلك أشقى إنسان، وهذه الزوجة قد تقلب حياتك من بؤس إلى نعيم، أو من نعيم إلى بؤس، وهي آية من آيات الله العجيبة، قال تعالى:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"سورة الروم. لذا فإن الشرع قد حفها بنظام متكامل، يحفظ للزوجين حقوقهما، ويضمن لهما سعادتها، إلا أن كثيرا من المسلمين، يجهلون تفاصيل هذا النظام، ويبدأ الزوجان حياتهما بخلفيات مختلفة، وكل يظن أن الآخر سيعامله على حسب ما تركز في خلفيته، وعندما ينزلان إلى أرض الواقع يجدان غير ما كانا يؤملان.
ومن خلال اطلاعي على كثير من المشاكل الزوجية، تبين لي أن جهل الطرفين بحقوقهما سبب رئيس في هذه الخلافات، لذا فإن هذا القانون الذي أقدمه بين يديك، هو نتاج بحث طويل جمعت فيه ما تشتت في الكتب، وقدمته على شكل نقاط تشبه القانون، بحيث يطلع عليه الزوجان قبل التعاقد، ليعرف كل منهما ما له وما عليه، وكيف على الطرف الآخر أن يتعامل معه، وماذا يجب عليه تجاهه.
قانون الحياة الزوجية
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: الزوج
1- معاشرة الزوجة بالمعروف لقوله تعالى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))سورة النساء. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيرا)رواه مسلم. فإما أن تمسكها بمعروف فإن لم تستطع ففارقها بإحسان، وإياك أن تمسك بظلم أو تفارق بعدوان.
2- إطعامها مما طعمت، وكسوتها مما اكتسيت، لقوله

3- الصبر على أخلاقها، لقوله

4- عدم تعييرها بقبح الخلقة كالقصر أو السمن أو شيء في أصل الخلقة، لقوله

5- استخدام العلاج الشرعي لتقويم أخلاقها وهو المشار إليه في قوله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" سورة النساء، ويكون ذلك بالتدرج، فتستخدم الوعظ أولا، وتذكرها بما أمر الله من طاعة الزوج، فإن لم تستجب تنتقل إلى الهجر ثم الضرب إن لزم الأمر، لكن بشرط أن يكون ضربا غير مبرح كما أخبر الرسول

الذين يضربون زوجاتهم ليسوا من خياركم، لقوله

6- لا تضرب الوجه، لقوله

7- إذا استخدمت الهجر فلا تهجر إلا في البيت، لقوله

8- من مسؤولياتك الزوجية، القيام بالنصيحة لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ"سورة التحريم، وقوله ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا))سورة طه. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته)متفق عليه.
9- وسع عليها مما وسع الله عليك، لقوله تعالى: ((لينفق ذو سعة من سعته)). ولقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سقى الرجل امرأته الماء أجر) حسنه السيوطي والألباني، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (ألا و حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن فى كسوتهم و طعامهم) رواه الترمذي وصححه الألباني.
10- اجعل من أهدافك أن تكون خير الناس لأهله، لقوله

11- يجوز لك الزواج بأخرى إن طابت لك شريطة ألا تظلم، لقوله تعالى: "فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ"سورة النساء. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (من كان له امرأتان, فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقه مائل) رواه النسائي وغيره وصححه الألباني.
12- لا تستخدم التعدد كسلاح ترهب به المرأة، فإن هذا لا يجوز، لقوله تعالى: (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)سورة البقرة.
13- عليك أن تأخذها إلى زيارة أهلها على ما جرى عليه عرف الناس وعادتهم، لقوله تعالى: ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))سورة النساء. والمعروف هو المتعارف عليه بين الناس. ولا تمنعها من الخروج للمسجد لقوله

13- لا تكتم غيرتك لسبب من الأسباب، ولا تتهاون في كل ما يمس بأمور الدين والحياء، فمتى ما أحسست بالغيرة المقيدة بالشرع فتصرف على ما تقتضيه الحكمة، وتمليه السياسة بالتي هي أحسن، لكن لا تسكت فتتعود وتنطمس غيرتك، وليس معنى الغيرة أن تسيء الظن بها فتخوّنها فإن ذلك منهي عنه لقوله

14- يجب أن تصبر على زوجتك حتى وإن كنت تكرهها، ولا تبادر إلى فراقها لكي يتحقق لك وعد الله في قوله: "فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"سورة النساء، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها غيره"متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
١٥- المرأة أمانة عندك، وسوف تسأل عنها أمام الله، فاحرص على أن تحفظ الله في هذه الأمانة، فقد قال

١٦- إذا طلقتها فلا تطلقها في حيض ولا في طهر جامعتها فيه، وإنما تنتظرها حتى تحيض ثم تطهر، فتطلقها طلقة واحدة وتمسكها في بيتك حتى تنتهي عدتها، لقوله تعالى:" "لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ" سورة الطلاق، ثم قال تعالى:((لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)) فربما حدث في أثناء العدة ما يجعلك تراجعها، فهي في فترة العدة زوجتك ترى منها ما كنت تراه، فإن مسستها فتلك رجعة.
ثانيا: الزوجة.
1- أطيع زوجي فيما لا معصية فيه، لقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"سورة النساء.
وقوله



٢- يجب عليك التجمل لزوجك والاهتمام بمظهرك، لأن ذلك عبادة عظيمة فقد جاءت امرأة إلى رسول الله



٣- يجب عليك تلبية طلبه إن أرادك للفراش، وأن لا تمنعي نفسك منه، حتى وإن لم يكن لك به حاجة، وهذا من أعظم حقوق الزوج، فقد قال

٤- لا تدخلي بيته أحدا يكرهه، لقوله

٥- عليك أن تحفظي ماله وأولاده وتحفظي نفسك في حال غيبته، لقوله

٦- إذا كان زوجك شحيحا لا ينفق، فلك أن تأخذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف، لقوله

٧- عليك خدمة زوجكـ وإعداد ما يحتاج إليه من أمور البيت مما جرى به العرف لقوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقد قال

٨- ليس للزوجة الحق في تأنيب زوجها أو تعنيفه، بل تسلك مسلك النصح بالتي هي أحسن، أما هو فيملك تأنيبها بل ضربها إن لزم الأمر.
٩- لا تنكري نعمة زوجك عليك عند أول مصيبة، فهذا سبب لدخول النار، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل أيكفرن بالله قال، يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط) رواه البخاري.
١٠- لا تطلبي منه الطلاق من غير بأس، لقوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ثوبان، وصححه الألباني.
١١- من حقك أن تطلبي الخلع إن لم يعجبك شيء في الزوج، وليس ذلك عيبا، فقد جاءَتْ امرأَةُ رفَاعَةَ القُرَظِيِّ إلى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالتْ: كنتُ عندَ رفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فأَبَتَّ طلاقِي، فتزَوَّجْتُ عبدَ الرحمنِ بنِ الزبيرِ، (وفي رواية: إِنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ)، إنَّمَا معهُ مثلُ هُدْبَةِ الثَّوبِ، فقالَ:(َتَرِيدِينَ أن تَرجِعِي إلى رفَاعَةَ؟ لا، حتَّى تَذُوقِي عُسَيلَتَهُ ويذُوقَ عُسَيلَتِكِ). وقول الصحابية (مثلُ هُدْبَةِ الثَّوبِ) كناية عن الجماع، والحديث متفق عليه.
١٢- لا ترهقي زوجك بالطلبات مما لا يطيقه فينفر منك. لقوله عليه السلام: "إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني"قطعة من حديث رواه ابن خزيمة، وصححه الألباني، ورواه مسلم قطعة منه.
١٣- احرصي على ماله فلا تتصرفي فيه بغير رضاه، ولا تنفقيه بغير علمه لقوله

١٤- القناعة ركن من أركان الزواج السعيد، والطمع خراب للبيوت أكيد، خصوصا إذا عودت نفسك المقارنة مع الآخرين، بل عليك النظر في أمور الدنيا إلى من هم دونك، والنظر في أمور الآخرة إلى من هم فوقك.
١٥- الحب ليس شرطا في حصول الاطمئنان والسعادة النفسية، فقد قال سبحانه عن الزوجين: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)سورة الروم، وقال عمر رضي الله عنه: (ليس كل البيوت بنيت على الحب) فكل زواج يبنى على الحب فقط، فإنه معرض للانهيار؛ لأن الحب لا يستقر غالبا.
١٦- اجعلي رضا الله نصب عينيك في كل ما تقومين به، فطاعة الزوج هي من طاعة الله، والله هو الذي يثيبك على ما تفعلين، فاقصديه بهذه العبادة، وتوجهي إليه بنيتك في كل ما تقدمين عليه من أمور الحياة الزوجية، فتكسبين رضا الله ورضا الزوج.
١٧- إن حصل طلاق، فاعلمي أن ربك قد وعدك بالغنى من سعته: "وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ"سورة النساء، لكن عليك أن تلتزمي الحدود الشرعية، فلا تخرجي من بيت الزوجية حتى تنقضي عدتك لقوله تعالى: "لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ" سورة الطلاق، فإياك أن تتعدي هذه الحدود فتظلمي نفسك: "تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ" سورة البقرة، وقال تعالى:"وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" سورة الطلاق، إلا إن كانت الطلقة هي الطلقة الثالثة فليس لك البقاء، ولا يحل لك الرجوع إليه حتى تنكحي زوجا غيره.
والحمد لله رب العالمين.