أخي أقلع عن التدخين
الحمد لله رب العالمين ... يا رب غفرانك... خلقتنا فما قدرناك حق قدرك ... أنعمت علينا فما شكرناك حق شكرك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون :
يقول الله تبارك وتعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين )
ـ التغابن 12 ـ
ما أحل الله لنا شيئا إلا وفيه النفع العظيم والخير العميم ومن بعده متعة النعيم ، وما حرم الله علينا شيئا إلا وفيه الضرر الجسيم والشر المستديم ومن بعده عذاب الجحيم .
لم تبتل الإنسانية قاطبة والأمة الإسلامية جمعاء بآفة جامحة وداء وبيل وعادة سيئة مثلما ابتليت بالتدخين الذي يعد من عائلة المخدرات ، وإن العالم بأسره غدا وراح يدق ناقوس الخطر وقد أشعل الضوء الأحمر حتى احترق منذرا بكارثة قد تأتي على النوع الإنساني فتدمر حياته وتقضي على النسل السليم الذي أراده الله للخلافة في الأرض وعمارتها .
هذه الآفة قد أضرت بالمجتمعات وفتكت بالملايين لأنها وجدت الجو الملائم والفرص المواتية لتضرب أطنابها وتنشب أظفارها ومخالبها في جسد الأمة الإسلامية خاصة ولا يخفى على كل عاقل أنه كم يؤلمنا انتشارها بشكل مخيف في أوساطنا شبابنا الذين هم عماد الأمة ، وكم يغيظنا أن نراها تباع علنا على الأرصفة على مرأى ومسمع من الغادين والرائحين رغم أخطارها وبلواها على الصحة والعقول والأموال ويا للأسف .
ولهذا وذاك أحببت أن أدلي بدلوي مع الدلاء فأضع النقاط على الحروف وأوضح بعض المسائل وأنبه إلى بعض المخاطر ثم أترك إلى السامع أن يحكم بعد ذلك .
أيها الإخوة الأعزاء
لم يكن التدخين شيئا مذكورا ولا معروفا في عهد الرسول (ص) فينزل فيه حكم شرعي واضح الدلالة صريح العبارة ، وإنما جاء عن طريق اليهود والنصارى بغية الكيد للإسلام ليضعفوا من قوة المسلمين التي كانت ترهبهم ردحا من الزمن ،وليهلكوا عقولهم وأجسادهم ، وليسرقوا أموالهم وهم يضحكون ، وليجعلوهم تابعين لا متبوعين ، فألهوهم بالفن والرياضة والمسرح والسينما ليضيعوا أوقاتهم، وأقاموا المراقص ودور الفساد والبغاء في ديارهم ليهدروا أموالهم ويشبعوا غرائزهم في الحرام ويكتسبوا الأوبئة والأمراض، وعلموهم التدخين وشرب الخمور وتعاطي المخدرات والمسكرات وما شاكل التدخين في تأثيره كالشمة والسعوط والشيشة وغيرها ليتلفوا عقولهم ... إنه تخطيط يهودي محكم لإبادة المسلمين في العاجل والآجل فلنحذر ، قال تعالى : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) ـ المائدة 82 ـ
وقال تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ـ البقرة 109 ـ
لقد جاء الإسلام الحنيف ليحافظ على الكليات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض ، فحرم كل ضار ومفسد ومهلك ليعيش الإنسان سويا كما خلقه الله تعالى مكرما معززا قوي الإيمان طاهر الروح جميل الأخلاق سليم العقل صحيح البدن طيب العشرة فخالف هذا الإنسان الفطرة فراح يخرب حياته بارتكاب المحرمات وتعاطي المهلكات منها التدخين والمخدرات.
إن صاحب الذوق الرفيع منا والفطرة السليمة لتنفر نفسه من رؤية الدخان وهو يتصاعد من فم رجل ذي هيبة ومن رائحته الكريهة ، وإن الواحد منا ليتنحى جانبا أو يسد أنفه عندما يحدثه مدخن للرائحة الخبيثة التي تنبعث من فمه،أما من يتعاطى الشمة ففمه أشبه بالمرحاض لنتنه أكرمكم الله .
أيها الإخوة الكرام:
لقد تعالت الصيحات وتوالت الصرخات من جميع الجهات : من طرف الأطباء وعلماء الصحة وخبراء الاقتصاد وأساتذة القانون والاجتماع وعقلاء البشرية وهم يتفقون كلهم قائلين : احذروا التدخين اجتنبوا السم الزعاف انتبهوا إلى الموت البطيء لا تقربوا الشجرة الخبيثة خذوا العبرة ممن ماتوا بسبب التدخين ...
ولكن علماء الأديان قد سبقوهم بسنوات عديدة بالتحذير والتشنيع قائلين بأعلى أصواتهم: إن التدخين محرم شرعا فلم يكن يصغى لهم لما نطقوا ولم يسمع لقولهم حتى أدركوا الحقيقة المرة وفاجأتهم الكارثة...
إن التدخين محرم شرعا للأسباب والحقائق الآتية :
أولا :
لو قلنا لمدخن :حكم عقلك وأجب ، أين تصنف التدخين أفي قائمة الطيبات أم قائمة الخبائث ؟ لا نظن أن يضعه في الطيبات إذا هو من الخبائث والرسول (ص) قد بعثه الله تعالى ليحرم الخبائث ، قال تعالى:( الذين يتبعون الرسول النبيء الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) ـ الأعراف 157 ـ
ثانيا :
إن التدخين يسبب الأمراض المهلكة والله تعالى يقول : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) البقرة 159
ثالثا :
إن التدخين قتل بطيء للإنسان ينهك جسده شيئا فشيئا والله تعالى يقول:(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ـ النساء 29 ـ
رابعا :
إن التدخين يتلف المال ويحرقه إحراقا وهو من الإسراف المقيت والله تعالى يقول:( ولا تبذر تبذيرا) ـ الإسراء 26 ـ ويقول أيضا : (وأن المسرفين هم أصحاب النار ) ـ غافر 43 ـ والرسول (ص) نهى عن إضاعة المال ـ رواه مسلم ـ
خامسا :
إن التدخين ضرر كله : لصاحبه وجليسه وزوجته وأولاده ومن حوله والرسول (ص) يقول : ( لا ضرر و لا ضرار ) ـ رواه ابن ماجة ـ
سادسا :
إن التدخين يحتوي على سموم عديدة منها النيكوتين لا تقل خطرا عن سموم الأفاعي من حيث التأثير والمفعول السيئ والرسول (ص) يقول : ( من تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم )
سابعا :
إن للتدخين رائحة منتنة تلوث الفم وتصيب الأسنان والحنجرة بالاسوداد وتغير جو الغرف من هواء طلق نقي إلى سحب سوداء داكنة والرسول (ص) يقول : ( إن الله يبغض الوسخ الشعث ) ـ رواه البيهقي ـ
ثامنا :
إن التدخين يؤذي الناس ويضايقهم خاصة من ابتلي بضيق التنفس وقد يصاب بعض الأصحاء الذين لا يدخنون ببعض الأمراض مكرهين وهو ما يسمى بالتدخين السلبي فيكون المدخن ظالما لنفسه ولغيره والله تعالى يقول : ( ومن يظلم منكم نذقه عذابا أليما ) ـ الفرقان 19 ـ والرسول (ص) يقول : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) ـ متفق عليه ـ
تاسعا :
إن التدخين مفتر للأعضاء ومخدر للأعصاب باعتراف الأطباء والمدخنين أنفسهم والرسول (ص) قد نهى عن كل مسكر ومفتر ـ رواه أحمد ـ
عاشرا :
إن التدخين من عادات الكفار ومن إرث الاستعمار ومخلفاته المذمومة فتقليدهم واتباعهم محاباة وموالاة لهم والله تعالى يقول :( ياأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) ـ الممتحنة 13 ـ
فيا من لا يزال يصادم النصوص الشرعية وبالتدخين يجاهر،ويا من يعاند النصائح الطبية وعن الحق يكابر...
إن لم تقتنع بما سمعت وتقلع ، وإن لم ترعو عن غيك وتمتنع، فإليك مزيدا من التوضيحات وجملة من الإحصائيات المخيفة وطائفة من المصائب التي تنزل على المدخنين تباعا أو تحل قريبا من دارهم لعلهم يتقون
ـ يموت في العالم بسبب التدخين أزيد من ثلاثة ملايين شخص في السنة .
ـ يصيب السرطان بسبب التدخين كلا من : الرئة والفم والحنجرة والرحم والمثانة والقلب .
ـ يؤدي التدخين إلى السكتة القلبية وداء السل وقرحة المعدة وفقدان الذاكرة وداء الزهايمر .
ـ قال أحد الأطباء : لقد مضى على معالجتي للسرطان خمسة وعشرون عاما فلم يأتني مصاب بسرطان الحنجرة إلا مدخن .
ـ وقال آخر : إن مدخنة مدفأة المنزل تحتاج إلى تنظيفها كل عام ، فكيف ننظف صدور المدخنين إنهم لو اطلعوا على حناجرهم ورئاتهم وقد اسودت وتآكلت لولوا منها فرارا ولملئوا منها رعبا ولقالوا للسيجارة يا ليت بيننا وبينك بعد المشرقين فبيس القرين .
ـ يخسر العالم في الترويج والإشهار للتدخين في السنة أزيد من خمسة وعشرين مليون دولار .
ـ يستهلك المدخنون في العالم في السنة أزيد من ثلاثمئة مليون دولار .
ـ في العالم توقد ثلاثون سيجارة في الثانية ، أي ما يقارب مليونين وخمسمئة ألف سيجارة في اليوم ، أي مايعادل مليارين وخمسمئة مليون سنتيم في اليوم تذهب سدى بالإحراق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ـ في عام 2020 م سيقتل التدخين عشرة ملايين شخص سنويا ، سبعة ملايين شخص في العالم الثالث من ضمنه العالم العربي ويا للأسف .
أيها الإخوة المؤمنون :
لا أشك في أن من يسمع إلى هذه الإحصائيات للأموال المتلفة والأمراض المزهقة للأرواح سينخلع قلبه حتما ويتفطر، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
كان الناس في مجتمعنا منذ القديم ولا يزالون يعتبرون التدخين شيئا محرما وعارا شنيعا وجرما عظيما يتستر صاحبه عن أعين الناس حياء ومتعاطيه وقتئذ يعدون على الأصابع ، ولكنه اليوم أصبح يتعاطى جهارا نهارا بتحد ومكابرة من بعض السفهاء ... وكم يدمي قلوبنا أن نرى شبابا أطهارا صلحاء تمر أيام أو شهور على غربتهم لأجل العطلة أو العلم أو العمل أو الواجب الوطني ويندمجون مع غيرهم ويختلطون بمن هب ودب ثم يرجعون إلى ذويهم وقد تلوثوا بآفة التدخين .
ومما يندى له الجبين حزنا أن يسقط الأطفال والشباب الأحداث في هذه الهاوية عندما يعملون صيفا في ورشات بعض عمالها يدخنون فيزينون لهم التدخين فيقلدونهم في الخفاء ثم لا يلبثون طويلا حتى يجاهروا به وصدق من قال كيف يفلح من لا يرى مفلحا .
إن الأسباب التي أدت ببعض شبابنا إلى الانجراف والانحراف : ضعف الإيمان وجهلهم بأضرار التدخين وعدم سماعهم للوعظ والإرشاد ومخالطة قرناء السوء وسكوتنا عن المنكر .
أخي الشاب : احذر من السيجارة الأولى ، وإياك أن تستمع إلى المضللين من إخوان الشياطين ، قد يقول لك أحدهم جرب مرة واحدة فقط ، ولكن سرعان ما تتعود التدخين فلا تستطيع التوقف عنه فتكون من المدمنين ، وابتعد عن خلطاء السوء والمقاهي ومجالس المدخنين ، ولا تغرنك الفتاوى الكاذبة بأنه مكروه فهو حرام شرعا، أو أن الأطباء يبالغون في ذكر العلل والأمراض التي تصيب المدخنين بل إنهم على صواب فر من هذه المصيبة بدينك وعقلك وعرضك وحصتك فرارك من الأسد ،ولا تعبأ بمن يدخن سواء كان أستاذا أو طبيبا أو عالما فإنهم على خطأ والحق يعلو ولا يعلى عليه وليسوا قدوة لنا، فقدوتنا الرسول (ص) والصالحون من هذه الأمة المباركة .
أيها الشباب : حافظوا على صحتكم ولا تنخدعوا بمظهر المدخنين إن لم تظهر الأمراض والعلل في فترة شبابهم ، فالمصيبة تعظم والعلة تكبر والخطر يتفاقم مع تقدم السن وستظهر لا محالة تلك العلل لأنها كامنة فيهم .
فكروا قبل أن تبدؤوا بالتدخين وانظروا إلى حالة بعضهم وهي حالة يرثى لها : سعال مستمر وهزال مخيف وشحوب في اللون وارتجاف في اليدين وأنفاس متقطعة ولهث شديد وأعصاب متوترة وفقدان للشهية وأرق ملازم وغضب مفتعل شديد عند فقدان السجائر خاصة في شهر رمضان هم للموت يومئذ أقرب منهم للحياة .
فاللهم باعد عنا وعن أولادنا آفة التدخين واحفظنا من المصائب والأوجاع والأسقام يا أرحم الراحمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون :
بعد هذه التوضيحات الوافية والبيانات الشافية التي لا تدع مجالا للشك في خطورة هذه الشجرة الملعونة وخبائث التدخين، ألم يأن للمسلمين أطباء وعلماء ومسؤولين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر و يمنعوا بيع السجائر في السر والعلانية وأن يضعوا حدا لانتشارها وأن يكثفوا جهودهم في التوعية بالمحاضرات والندوات والملصقات ...ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق... إن ما تقدم هو الحق إن شاء الله وما سواه باطل... وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، هذا بلاغ للناس ولينذروا به .
وقبل الختام أهمس في أذن كل مدخن مدمن أو مبتدئ أومن يوشك أن يقع فريسة التدخين قائلا له :
ماذا ستقول لربك إذا وقفت بين يديه للحساب وقال لك ممتنا بنعمه عليك : عبدي خلقتك بيدي وسويتك وصورتك فأحسنت صورتك وجعلت لك عينين ولسانا وشفتين ومنحتك حواس سليمة لتعبدني وتسبح بها وتذكرني وتتلو القرآن فلماذا لوثت شفتيك بالتدخين وخربت رئتيك وسودت حنجرتك وسوست أسنانك وأضعفت قلبك رغبة منك وبمحض إرادتك ، أليست جوارحك أمانات عندك تجب المحافظة عليها وأن تردها سليمة كما كانت أول مرة ... أفعصيت أمري وخالفت شرعي واتبعت الشهوات؟؟؟...كيف يكون الجواب وهل تستطيع أن تراوغ وتختلق الأعذار في ذلك اليوم الذي قال فيه الله عز وجل اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ...؟؟؟ أخي تب إلى ربك واستح منه وأقلع عن التدخين وعاهده على الاستقامة وادع غيرك بالحكمة والموعظة الحسنة وسله التوفيق في حياتك والتثبيت عند السؤال والفوز بالجنة والنجاة من النار .
فاللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت وعافنا فيمن عافيت وبارك لنا فيما أعطيت واكف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك يا أرحم الراحمين . اللهم جنبنا الفواحش والتدخين والمخدرات والفتن ما ظهر منها وما بطن وباعد عنا الأمراض والعلل والأسقام . اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين .
اللهم انصر الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين في مشارق الأرض ومغاربها يا أرحم الراحمين .
اللهم وفق ولي أمرنا وجميع ولاتنا ومسؤولينا لما فيه خير البلاد وصلاح العباد .
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا واجعل ذلك الوارث منا يا أرحم الراحمين .
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.