center]نص السؤال : أيهما أهم في الإدراك : العوامل الذاتية أم العوامل الموضوعية ؟
إذاكان علم النفس التقليدي قد نظر إلى الشروط الذاتية النفسية والعقلية و
البيولوجية على أنها مجموعة العناصر الأولية والضرورية في حدوث عملية
الإدراك . وإذا كان علم النفس الحديث يعتبر ذلك خطأ وراح يصحح هذه النظرة
منطلقا من أن العوامل الموضوعية هي الضرورية في عملية الإدراك , فإلى أي
منهما تعود الأفضلية في حصول عملية الإدراك إلى الذات أم إلى الموضوع ؟
الأفضلية في الإدراك تعود إلى عوامل ذاتية :
يذهب بعض العلماء وخاصة علماء النفس التقليدي
إلى أن العوامل الذاتية مثل الاستعدادات العقلية هي التي تمكن من الإدراك
, فالإنسان عندما يكون مرتاحا تكون لديه قدرة على الانتباه والتركيز أفضل
مما يكون في حالة قلق , كما يدرك الفرد بسهولة الأشياء التي تتفق مع
ميوله ورغباته ...
وهذا الموقف نجده عند الذهنيين أمثال "
ديكارت " : " الإدراك حكم عقلي " وعند التجريبيين أمثال " جورج بركلي " : "
إدراك المسافات حكم يستند إلى التجربة " . كما يقف " بيرلو " من خلال
تجاربه على أطفال عرب ( إدراك الأشياء من اليمين إلى اليسار) وغير العرب (
إدراك الأشياء من اليسار إلى اليمين ) أن الإدراك راجع إلى دور العادة .
لكن العوامل الذاتية وحدها غير كافية , وإلا
تمكن الجميع من الإدراك لأن قدرة العقل مشتركة كما أن القدرات العقلية
أحيانا لا يمكنها تجاوز العوائق الخارجية .
الأهمية في الإدراك تعود إلى العوامل الموضوعية :
يذهب البعض الآخر من العلماء وخاصة علماء
النفس الحديث إلى أن الإدراك يعود إلى الموضوع الخارجي , لا إلى
الاستعدادات العقلية فالشكل الخارجي للموضوع وبناؤه العام هو الذي يحدد
درجة الإدراك وهذا الرأي نجده عند علماء الجشطالط كوهلر , بوهلر و فرتيمر
الذين ركزوا على الصفة الكلية للموضوع واعتبروها أساس الإدراك فالجزء لا
يكتسب معناه إلا داخل الكل الذي ينتظم وفق قوانين يسميها الجشطالط قوانين
الانتظام و هي تتحكم في العلاقة بين الصورة والخلفية , فعندما تكون هذه
العلاقة منتظمة تبرز الصورة الفضلى أي الصيغة البارزة . أما إرادة الإنسان
فلا تتدخل إلا في حالة وجود صورتين فضليين مثلا في الشكل : وجهان
متقابلان أو مزهرية .
لكن العوامل الموضوعية وحدها غير كافية هي
الأخرى و إلا تساوى الإدراك عن جميع المدركين لأن الموضوع واحد , كما أن
لكل إنسان اهتمامه فلا يعود للصورة الفضلى الأفضلية في الإدراك عند الجميع
.
الإدراك يكون بتظافر العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية :
إن العلاقة بين العوامل الذاتية والعوامل
الموضوعية يبدو على أنها علاقة تنافر باعتبار أن الأولى داخلية وتتعلق
بخصائص شخصية الفرد و أحواله الذاتية . والثانية خارجية وتتعلق بالمحيط
الذي يوجد فيه الشخص , والواقع أن هذه العلاقة هي علاقة تجاور لأننا من
الناحية العملية لا نستطيع أن نفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي فالفرد
يدرك بالاعتماد عليهما معا .
إن حصول عملية الإدراك عند الإنسان لا يمكن
ردها إلى العوامل الذاتية وحدها فقط وإنما الإدراك عملية تتم عن طريق
التكامل والتعاون بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية .