اللقاء بعد الغيبة
يدور في أروقة المحاكم الكثير من القضايا الأسرية التي يذهب فيها أحد الزوجين أو كلاهما ليشكو من الآخر.. وقد يصل الخلاف إلى الانفصال، وقد ينتهي بالمصالحة، حسب رؤية وتقدير القاضي.. هذا ما سنعرفه من خلال سلسلة هذه الجلسات السرية بالمحكمة.
القاضي يلملم أوراقه المتبقية من الجلسة السابقة، فيدخل عليه الزوجان.. الزوج يحاول أن يخفي غضباً في داخله والزوجة تبدو عليها انفعالات الضيق بشدة، فيستهل القاضي الحوار قائلاً: السلام عليكما.
الزوج وعليكم السلام.
يتوجه القاضي للزوجة قائلا: السلام عليك يا أختي..
الزوجة ببخل: وعليكم السلام يا شيخ..
يتوجه القاضي للزوج قائلا: ما اسم الأخ؟
الزوج : اسمي زوج صالح..
وينظر إلى الزوجة وكأنه يسألها السؤال نفسه، فتجيب: زوجة صالحة..
يبتسم القاضي قليلا: فما بالكما طالما أنكما صالحان؟
الزوجة ( مندفعة في الكلام، وكأنما أرادت متنفساً سريعاً) يا شيخ، أنا أحتكم إليك في هذا الزوج.. فعلى الرغم من كونه رجلا تحلم به النساء إلا أنني أشكو من جفائه حين دخوله البيت.. فلا أتصوره أبداً إلا داخلا لمؤسسة رسمية.. داخلا فلا يلتفت يميناً ولا شمالاً..
راكضا لغرفة النوم ليقوم بتبديل ملابسه، معطياً أوامره بوضع الغذاء وهو يزمجر، ثم متوجها نحو التلفاز ليتابع آخر الأخبار رافضاً مقاطعة من أحد، ثم راكضاً لسريره معانقا الوسادة ومتدثراً بالغطاء.. ألا يتصور أن لديه زوجة تستحق منه بعض عناء المجاملة والملاطفة؟ ألا يعتقد أن في الحياة شيئاً أجمل من هذه الصورة التي نعيشها كل يوم؟
الزوج جالس يستمع وهو يتضور من الغضب، فيميل إليه القاضي باسماً:
ما رأيك في كلام زوجتك أيها الزوج الصالح؟
الزوج الصالح: لا أدري ماذا حل بهذه المرأة؟
أنا أدخل البيت مهموم القلب موجوع الرأس من كثرة أعباء العمل.. حتى إني أدخل البيت ولا أرى ما أمامي من شدة التعب والإرهاق.. فماذا تريد هذه المرأة مني؟ هل أنا مقصر معها في حاجات البيت حتى تشتكيني إليك في هذه النقطة التافهة؟
القاضي يتبسم، ويحاول ألا يزيد الزوج من الكلام حتى لا تسوء الأمور بينهما..
القاضي: يا ولدي العزيز.. ألا أخبرك بشيء يجعلك تعيش ملكاً مع هذه المرأة؟ إن طلب زوجتك أمر سهل، فلكل زوجة مفتاح لو أدركه الزوج لعاش مع امرأته هانئاً، وكذلك لكل زوج مفتاح لو عرفته المرأة لعاشت هانئة.. إن مفتاح زوجتك يا ولدي هو التقدير الذي تحمله معك عند عودتك من العمل، فيبدو لي أنها من النساء اللواتي يقمن بالاستعداد للزوج حين عودته من العمل، وبالتالي فإن عدم إعارتها الاهتمام اللائق باستعدادها لك يثير كوامن العتاب لديها.. ولذلك أحسن مقابلتها عند عودتك من العمل أو السفر أو الغيبة لأي أمر.
الزوج مقاطعا: ولكني تعب ومرهق يا حضرة القاضي.
القاضي: ولدي، هل نترك التعب يفقدنا متعاً نحن أولى بها؟ إننا نستطيع أن نسيطر على كثير من ضغوطنا النفسية والجسدية إذا آمنا بضرورة ذلك. ففي حالتك.. حاول في طريق عودتك من العمل أن تسترخي قليلاً في السيارة وأن تأخذ نفساً عميقاً ثم ازفر هواء يحمل معه كل تعب اليوم، وحاول أن تلغي ما علق في ذهنك من أثقال وهموم العمل.. انظر إلى الأمام وتصور سعادتك وأنت ذاهب لزوجتك التي تنتظرك، وتخيل عشك الهادئ، وتذكر أولادك وهم ينتظرون منك صدراً رحباً.. وتذكر أيضاً نعمة عظيمة لا يملكها كثير من الناس..
الزوج الصالح مطرقاً: حسناً وماذا بعد ذلك؟
القاضي يبتسم: ابدأ زوجتك بالسلام يابني وأنت مبتسم، فقد قال الله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) [ النور/61].
وسلامك هذا فيه إشاعة للبركة ونشر لمعاني الأمن والسكينة بين الزوجين، ويقوي المحبة بينكما.. ولا يكون سلامك جافاً يا ولدي، فقد سئلت عائشة (رضي الله عنها) كيف كان الرسول سلم إذا دخلا في بيته، فقالت: كان ألين الناس، بساما ضحاكاً.. وفي البسمة يا ولدي معان من الرحمة ومسح العناء، ولا يخفيك ما للمصافحة، والتقبيل بحرارة وشوق، سروراً بهذا اللقاء، من إدخال الأنس والحرارة.. فإليك يا ولدي حل مشكلتك، ولا تراها سخيفة تافهة، فإنها كبيرة في عيني زوجتك، ومن طبع النساء أنهن يعكسن مشاعرهن في مواقف أخرى.
فلن يهنأ لك بال.. اسأل الله العون، وليكن قصدك نيل الأجر والثواب من الله تعالى..
وأنت أيتها الزوجة، فإنّ مما يشرح صدر زوجك لك أن تستقبليه بزينتك التي تعفه عن النظر إلى غيرك، ولا تنسي الأخبار السعيدة والأحداث السارة مما مر بك في يومك، ولا تنسي عبارات الشوق والارتياح، وأحسني صناعة الطعام حتى لا يدري زوجك أيلتهم الطعام الذي أمامه أم يلتهمك..
بارك الله تعالى لكما وأسعدكما دائماً