فهذا الباب يدخل منه كل أحد إلى محبته
سبحانه
وتعالى، فإن نعمته على عباده مشهودة لهم يتقلبون فيها على عدد الأنفاس
واللحظات،
وقد روي في بعض الأحاديث مرفوعا: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من
نعمه، وأحبوني
بحب الله ) فهذه محبة تنشأ من مطالعة المنن ورؤية النعم والآلاء،
وكلما سافر
القلب فيها ازدادت محبته وتأكدت، ولا نهاية لها فيقف سفر القلب عندها؛ بل
كلما
ازداد فيها نظراً ازداد فيها اعتبارا وعجزاً عن ضبط القليل منها، فيستدل
بما عرفه
على مالم يعرفه، والله سبحانه وتعالى دعا عباده إليه من هذا الباب، حتى إذا
دخلوا
منه دُعوا من الباب الآخر وهو باب الأسماء والصفات الذي إنما يدخل منه إليه
خواص
عباده وأوليائه، وهو باب المحبين حقا الذي لا يدخل منه غيرهم، ولا يشبع من
معرفته
أحد منهم، بل كلما بدا له منه علم ازداد شوقا ومحبة وظمأ، فإذا انضم داعي
الإحسان
والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ
القلوب
وأخبثها وأشدها نقصا وأبعدها من كل خير؛ فإن الله فطر القلوب على محبة
المحسن
الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب
عباده فمن
المعلوم أنه لا أحد أعظم إحسانا منه سبحانه وتعالى، ولا شيء أكمل منه، ولا
أجمل؛
فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعه سبحانه وتعالى، وهو الذي لا يُحد
كماله،
ولا يوصف جلاله وجماله، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم
إحسانه
وبديع أفعاله، بل هو كما أثنى على نفسه وإذا كان الكمال محبوبا لذاته ونفسه
وجب أن
يكون الله هو المحبوب لذاته وصفاته، إذ لا شيء أكمل منه، وكل اسم من أسمائه
وصفة
من صفاته وأفعاله دالة عليها، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل وعلى كل
ما أمر
إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة
والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، وكل واحد من ذلك يستوجب الحمد والثناء
والمحبة
عليه، وكلامه كله صدق وعدل، وجزاؤه كله فضل وعدل، فإنه إن أعطى فبفضله
ورحمته
ونعمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته.