الحرية الدينية منصوص عليها في القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ يونس: 99 ونجدها أيضًا في قوله تعالى: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ الكهف: 29 هذا فيما يتعلق بحرية الاعتقاد، أما التعامل مع أهل الأديان الأخرى فهو تعامل سمحٌ طيب كريم، يقول الرسول ³ ( من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا ). سنن ابن ماجه في باب الديات. ويقول الله تعالى: ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾ العنكبوت: 46 بل إن الله ليوصي خيرًا في مجال التعامل مع المشركين الذين هم ليسوا بأهل كتاب فيقول تعالى: ﴿وإنْ أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه﴾ التوبة: 6 فالدين الإسلامي نموذج ممتاز للحرية الدينية في علاقته بالأديان والمعتقدات الأخرى، فيما لا يضر بالمجتمع المسلم أو يسيء إلى أفراده.
أما بالنسبة للمسلم فليس هنالك حرية دينية وإنما هي واجبات يلتزم بها المسلم من يوم قبوله الدخول في الدين، ومنها ما هو ملزم للفرد ومنها ما هو ملزم للجماعة. فلفظ الحرية الدينية إذن ـ من خلال التصور الإسلامي ـ يقصد به حياة الفرد ودينه قبل دخوله الإسلام. أما إذا دخل الإنسان الإسلام أو كان في الأصل مسلمًا، فقد وجب عليه التقيد بمسار التوجيهات والتعاليم والشرائع والمناهج الإسلامية التي حددها الشرع وفصَّلتها السنَّة، ومن هنا بنى بعض العلماء فهمهم للآية الكريمة ﴿ لا إكراه في الدين ...﴾ البقرة: 256 على أن الإكراه هو قبل دخول الدين وليس بعد الدخول فيه وإقامة شعائره ونسكه، فمن دخل الدين الإسلامي فلا حرية له في الردة عنه.
إن حرية العقيدة مثل جميع الحقوق ليست مطلقة، فدرجة الحرية الدينية التي يتمتع بها الناس تختلف من بلد إلى آخر. وتمنع معظم الدول الممارسات الدينية التي تضر الناس أو التي يُعتقد أنها تهدد أو تُخرب المجتمع. فمعظم الحكومات مثلاً تمنع التضحية بالإنسان.
وقد كان الناس على مر التاريخ يُضطهدون بسبب معتقداتهم الدينية، ومن المحتمل أن إنكار حرية الدين ينبع من مصدرين رئيسيين أحدهما شخصي، والآخر سياسي. فالدين يمس أعمق المشاعر لدى كثير من الناس. وقد أدت الآراء الدينية القوية إلى عدم التسامح بين العقائد المختلفة. وترتبط بعض الحكومات بدين واحد وتَعُد الناس الذين يعتنقون أديانًا أخرى تهديدًا للسلطة السياسية. وقد تعتقد أن الدين خطر سياسي لأن الأديان تضع الولاء لله فوق طاعة الدولة.
في الغرب، سببت مسألة الأخلاق العديد من الصراعات بين الكنيسة والدولة. ويُعنى كل من الدين والحكومة بالأخلاق، فهما يعملان بانسجام إذا ما اتفقت الأهداف الأخلاقية التي تُقرها الدولة مع تلك التي تنادي بها الكنيسة، ولكن التنافر ينتج إذا تباينت آراؤهما عن الأخلاق. لذا تضاربت مصالح الكنيسة والدولة مما جعل الفصل بين الدين والدولة واجبًا، وبسبب هذا التضارب رفضت أوروبا الدين أصلاً، ونشأت بذور العلمانية الحديثة التي كان لها أثر واضح في كل تعاملاتهم. والمفروض أنه لا يرد مثل هذا الاختلاف في الإسلام، إذ إن مفهوم الأخلاق واحد راسخ في الكتاب والسنَّة الملزمين للمسلم حاكمًا ومحكومًا، كما أنه لايجوز فصل الدين عن الدولة في مفهوم الإسلام.
يتابع
:uiclown: