[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أعظم هذه العبادات الصيام ,لما له من أسرار عظيمة ,
أنه يعد
الصائم لدرجة التقوى والارتقاء في مدارج السالكين، فالصوم يحفظ على القلب
والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر
العون على التقوى كما قال الله تعالى ﴿ ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم
الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾أنه يزكي النفس ويدربها
على كمال العبودية لله تعالى,فلو شاء العبد الصائم لأكل وشرب أو جامع
امرأته ولم يعلم بذلك أحد، ولكنه ترك ذلك لوجه الله تعالى وحده، وفي هذا
جاء الحديث(والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك،
يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه
لي، وأنا أجزي به)وأنه يكسر شهوات النفوس ويقطع أسباب الاسترقاق والتعبد
للأشياء,فالصوم يقطع أسباب التعبد لغير الله ويورث الحرية من الرق للشهوات
والشبهات لأن المراد من الإنسان أن يكون مالكاّ للأشياء وخليفة فيها لا أن
تكون مالكة له لأنه خليفة لله في ملكه، فإذا استغرق في أغراضه وملكته فقد
أقلب الحكمة وصير الفاعل مفعولا والأعلى أسفل كما قال الله تعالى﴿ أغير
الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين﴾ وقد علم الله تعالى أن رمضان في قطع ذلك ,أي أسباب التعبد لله لغير الله,إذا صامه الصائمون كما يجب، إذا
سلم رمضان سلمت السنة كلها. ومن زاد زادت حريته ما لم يخرج إلى ضرر بالنفس
والعقل بل الكمال المحض في حق الإنسان أن يملك الأشياء ولا تملكه ويسترقها
بالخلافة ولا تسترقه فيتناول الشهوات في أوقاتها ويضعها في أماكنها، وهذا
هو وصف الربوبية يتصرف في ملكه بالتدبير ولا يشغله بل يملكه كل الملك
ويقهره كل القهر,وإنه يشعر الصائم بنعمة الله تعالى عليه,
فإن
إلف النعم يفقد الإحساس بقيمتها، ولا يعرف مقدار النعمة إلا عند فقدها،
وبضدها تتميز الأشياء، قال فيه سلم(عرض على ربي ليجعل لي
بطحاء مكة ذهبا، فقلت, لا يارب، ولكني أشبع يوما، وأجوع يوما، فإذا جعت
تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك) وإنه مناسبة لقهر عدو
الله,فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات، وإنما تقوى الشهوات بالأكل
والشرب، ولذلك قال سلم, (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى
الدم فضيقوا مجاريه بالجوع) فلما كان الصوم على الخصوص قمعاّ للشيطان
وسداّ لمسالكه وتضييقاّ لمجاريه إستحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل،
ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه، وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له،
قال الله تعالى﴿ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ فالبداية بالجهد من
العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل، ولذلك قال الله تعالى﴿ والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ فالشهوات مرتع الشياطين، ومرعاهم فما دامت
مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه
وكان محجوبا عن لقائه، وقال سلم(لولا أن الشياطين يحومون
على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات)والحق
أن صيام رمضان مدرسة متميزة، يفتحها الإسلام كل عام للتربية العملية على
أعظم القيم,وأرفع المعاني، فمن اغتنمها وتعرض لنفحات ربه فيها فأحسن
الصيام كما أمره الله، ثم أحسن القيام كما شرعه رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقد نجح في الامتحان وخرج من هذا الموسم العظيم رابح التجارة، مبارك
الصفقة، وأي ربح أعظم من نيل المغفرة والعتق من النار, قال رسول
الله سلم(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من
ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)