كلبٌ أحب قوماً !! |
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وبعد : هاهم أصحاب الكهف يخرجون من ديارهم فارين بدينهم ، فتيةٌ اعتزلوا ديارهم هرباً من الشرك الذي وقع فيه قومهم .. " إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى " نعم أيها الأحبة فالحق إذا امتزج مع الفتوة وخالطت بشاشته القلوب لم يثنه عن عزمه شيء ، والسعيد من وجد مثل هؤلاء الفتية في زمانه .. فهم مشاعل هداية .. وحصون منيعة رحيمة لإخوانهم .. ياليت قومي يعلمون .. يعلمون نبأ ذلك الكلب الذي حاز على شرف لم يكن لغيره عندما ذكر في القرآن الكريم في سياق المدح والثناء .. ليس لشيء إلا أنه أحب تلك الفتية المؤمنة ولم يكتفي بذلك فقط بل ورافقهم في رحلة الفرار بالدين الغالي .. قال ابن عباس رضي الله عنه : هربوا ليلاً وكانوا سبعة فمروا براع معه الكلب فاتبعهم على دينهم ..وقال كعب : مروا بكلب فنبح لهم فطردوه مراراً، فقام الكلب على رجليه ورفع يديه إلى السماء كهيئة الداعي ، فنطق فقال : لا تخافوا مني ! أنا أحب أحباء الله تعالى ، فناموا حتى أحرسكم .(1) وقد ورد ذكر الكلب في هذه القصة ، وهذا أمر له دلالته ، قال ابن عطية : وحدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت أبا الفضل الجوهري في جامع مصر يقول على المنبر سنة تسع وتسعين وأربعمئة : إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم ، كلب أحب أهل فضل وصحبهم فذكره الله في محكم تنزيله . قال القرطبي : قلت : إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعلا فماظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين المحبين للأولياء و الصالحين ! بل في هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال المحبين للنبي سلم وآله أخيراً . ومما يزيد المؤمن كرماً وفرحاً .. ويجعله في أقصى درجات الراحة النفسية .. ذلك الحديث الذي في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا أنا ورسول الله سلم خارجان من المسجد فلقينا رجل من عند سدة المسجد ، فقال : يارسول الله ، متى الساعة ؟ فقال رسول الله سلم : " ما أعددت لها ؟ " ، قال : فكأن الرجل استكان ، ثم قال : يارسول الله ما أعددتُ لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله ، قال : " فأنت مع من أحببت " قال أنس بن مالك : فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي سلم : " فأنت مع من أحببت " ثم قال أنس : " فأنا أحب الله ورسوله سلم وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم ". قال القرطبي : قلت : وهذا الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين كل ذي نفس ، فكذلك تعلقت أطماعنا بذلك وإن كنا مقصرين ، ورجونا رحمة الرحمن وإن كنا غير مستأهلين ، كلبٌ أحب قوماً فذكره الله معهم ! فكيف بنا وعندنا عقد الإيمان وكلمة الإسلام وحب النبي سلم . نعم أيها الأحبة .. فكن مع من تحب أن تحشر معه .. في زمان صار فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر .. فالتحق بتلك الفتية المؤمنة التقية النقية وكن منهم .. فهم خير معين على نوائب الدنيا .. وهم خير رفيق ستصل معهم إلى جنات النعيم .. وفي الختام .. تأمل في هذه الآية من سورة الكهف التي ذكر فيها قصة الكلب الذي شرف بذكره في القرآن الكريم .. قال تعالى : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً " اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك .. اللهم إنا نحب محمداً سلم وأبابكر وعمر وأنس رضي الله عنهم أجمعين فاجمعنا بهم في جناتك جنات النعيم .. هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . |