قضايا و
اراء
اراء
[center]41902
السنة
126-العدد
2001
اغسطس
27
8 من جمادى
الأخرة 1422 هــ
الأثنين
السنة
126-العدد
2001
اغسطس
27
8 من جمادى
الأخرة 1422 هــ
الأثنين
من أسرار
القرآن
الإشارات الكونية في القرآن الكريم
ومغزي دلالتها العلمية
ـ 15ـ والسـماء ذات الرجـع
بقلم: د. زغـلول النجـار
هذة الآية الكريمة التي جاءت في منتصف سورة
الطارق هي من آيات القسم في القرآن الكريم, والقسم في كتاب الله يأتي من قبيل
تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به, لأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده
كما سبق وأن ذكرنا.
والقسم هنا بالسماء وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذات
الرجع, وفي ذلك قال قدامي المفسرين إن رجع السماء هو المطر, وأنه سمي رجعا لأن
بخار الماء يرتفع أصلا من الأرض إلي السماء حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا بإذن
الله, في عملية دائمة التكرار والإعادة, ولفظة الرجع هنا مستمدة من الفعل رجع
بمعني عاد وآب ولذا سمي المطر رجعا كما سمي أوبا.
ومع تسليمنا بصحة هذا
الاستنتاج يبقي السؤال المنطقي: إذا كان المقصود بالتعبير رجع السماء هو المطر
فقط فلماذا فضل القرآن الكريم لفظة الرجع علي لفظة المطر؟ ولماذا لم يأت القسم
القرآني بالتعبير والسماء ذات المطر بدلا من والسماء ذات الرجع؟
واضح الأمر ــ
والله تعالي أعلم ــ أن لفظة الرجع في هذه الآية الكريمة لها من الدلالات مايفوق
مجرد نزول المطر ــ علي أهميته القصوي لاستمرارية الحياة علي الأرض ــ مما جعل هذه
الصفة من صفات السماء محلا لقسم الخالق( سبحانه وتعالي) ــ وهو الغني عن القسم
ــ تعظيما لشأنها وتفخيما. فما هو المقصود بالرجع في هذه الآية
الكريمة؟
يبدو ــ والله تعالي أعلم ــ أن من معاني الرجع هنا الارتداد أي أن
من الصفات البارزة في سمائنا أنها ذات رجع أي ذات ارتداد, بمعني أن كثيرا مما
يرتفع إليها من الأرض ترده إلي الأرض ثانية, وأن كثيرا مما يهبط عليها من أجزائها
العلا يرتد ثانية منها إلي المصدر الذي هبط عليها منه, فالرجع صفة أساسية من صفات
السماء, أودعها فيها خالق الكون ومبدعه, فلولاها ما استقامت علي الأرض حياة,
ومن هنا كان القسم القرآني بها تعظيما لشأنها, وتنبيها لنا لحكمة الخالق(
سبحانه وتعالي) من إيجادها وتحقيقها...!!!
الرجع في اللغة العربية
الطارق هي من آيات القسم في القرآن الكريم, والقسم في كتاب الله يأتي من قبيل
تنبيهنا إلي أهمية الأمر المقسوم به, لأن الله( تعالي) غني عن القسم لعباده
كما سبق وأن ذكرنا.
والقسم هنا بالسماء وبصفة خاصة من صفاتها وهي أنها ذات
الرجع, وفي ذلك قال قدامي المفسرين إن رجع السماء هو المطر, وأنه سمي رجعا لأن
بخار الماء يرتفع أصلا من الأرض إلي السماء حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا بإذن
الله, في عملية دائمة التكرار والإعادة, ولفظة الرجع هنا مستمدة من الفعل رجع
بمعني عاد وآب ولذا سمي المطر رجعا كما سمي أوبا.
ومع تسليمنا بصحة هذا
الاستنتاج يبقي السؤال المنطقي: إذا كان المقصود بالتعبير رجع السماء هو المطر
فقط فلماذا فضل القرآن الكريم لفظة الرجع علي لفظة المطر؟ ولماذا لم يأت القسم
القرآني بالتعبير والسماء ذات المطر بدلا من والسماء ذات الرجع؟
واضح الأمر ــ
والله تعالي أعلم ــ أن لفظة الرجع في هذه الآية الكريمة لها من الدلالات مايفوق
مجرد نزول المطر ــ علي أهميته القصوي لاستمرارية الحياة علي الأرض ــ مما جعل هذه
الصفة من صفات السماء محلا لقسم الخالق( سبحانه وتعالي) ــ وهو الغني عن القسم
ــ تعظيما لشأنها وتفخيما. فما هو المقصود بالرجع في هذه الآية
الكريمة؟
يبدو ــ والله تعالي أعلم ــ أن من معاني الرجع هنا الارتداد أي أن
من الصفات البارزة في سمائنا أنها ذات رجع أي ذات ارتداد, بمعني أن كثيرا مما
يرتفع إليها من الأرض ترده إلي الأرض ثانية, وأن كثيرا مما يهبط عليها من أجزائها
العلا يرتد ثانية منها إلي المصدر الذي هبط عليها منه, فالرجع صفة أساسية من صفات
السماء, أودعها فيها خالق الكون ومبدعه, فلولاها ما استقامت علي الأرض حياة,
ومن هنا كان القسم القرآني بها تعظيما لشأنها, وتنبيها لنا لحكمة الخالق(
سبحانه وتعالي) من إيجادها وتحقيقها...!!!
الرجع في اللغة العربية
من صور الرجوع
الى
الارض
الى
الارض
يقال:( رجع يرجع رجوعا) بمعني عاد يعود
عودا, و(رجعه) غيره أو( أرجعه) بمعني أعاده ورده, و(الرجوع) العودة
إلي ماكان منه البدء, ويقال( رجعه, يرجعه رجعا).
كما يقال( رجع يرجع
رجعا وترجيعا) بمعني رد يرد ردا, فالرجع لغة هو العود, والارتداد, والرد,
والانصراف والافادة, والإعادة, ولذلك يقال للمطر رجعا لرد الهواء ماتناوله من
ماء الأرض بطريقة مستمرة, كما يقال للغدير رجعا بنسبته إلي المطرالذي ملأه, أو
لتراجع أمواجه وتردده في مكانه ويستند في ذلك إلي قول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وقيل فيها أيضا أي ذات النفع.
ويقال(
رجع يرجع ترجيعا) أي ردد يردد ترديدا,( فالترجيع) ترديد الصوت في الحلق في
القراءة وفي الغناء, وتكرير القول مرتين فصاعدا, ومنه( الترجيع) في
الأذان, وكل شئ يردد فهو( رجع) و(رجيع) ومعناه( مرجوع) أي مردود,
و(الرجع) أيضا صدي الصوت, ويقال( راجع) أي عاود, و(المراجعة)
المعاودة, ويقال( راجعه) الكلام أي رد عليه.
و(الرجعة) العودة من
الطلاق, والعودة إلي الدنيا بعد الممات.
يقال( رجعت) عن كذا(
رجعا) و(رجوعا) أي رفضته بعد قبوله, و(رجعت) الجواب أي رددت عليه,
و(المرجع) و(الرجعي) الرجوع والعود أو مكان العود وذلك من مثل قوله(
تعالي): إلي الله مرجعكم جميعا.. وقوله( سبحانه): إن إلي ربك الرجعي
وقوله( سبحانه وتعالي): لعلهم يرجعون أي يرجعون عن الذنب أو يعودون إلي الله(
تعالي) وهدايته الربانية, وقوله( عز من قائل):.. فناظرة بم يرجع المرسلون
من الرجوع أو من رجع الجواب, وقوله( تبارك اسمه): يرجع بعضهم إلي بعض القول
وقوله( تعالي جده): ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
ويقال ليس لكلامه(
مرجوع) أي مردود أو جواب, ودابة لها( مرجوع) أي لها مردود بمعني أنه يمكن
بيعها بعد استخدامها.
و(الراجع) المرأة يموت عنها زوجها فترجع إلي
أهلها( أما المطلقة فيقال لها مردودة).
وفي قوله( تعالي): يرجع
بعصهم إلي بعض القول أي يتلاومون.
و(الاسترجاع) الاسترداد,
و(التراجع) الارتداد إلي الخلف أوالرجوع عن الأمر, يقال( استرجع) فلان
منه الشئ أي أخذ منه ماكان قد دفعه إليه, و(استرجع) عند المصيبة أي قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون.
و(الرجيع) الاستفراغ أو الرفث ويستخدم كناية عن
أذي البطن عند كل من الإنسان والحيوان, وهو من( الرجوع) ويكون بمعني
الفاعل, أو من( الرجع) ويكون بمعني المفعول.
و(الرجيع) من الكلام
المردود إلي صاحبه أو المكرر.
المفسرون ورجع
السماء
عودا, و(رجعه) غيره أو( أرجعه) بمعني أعاده ورده, و(الرجوع) العودة
إلي ماكان منه البدء, ويقال( رجعه, يرجعه رجعا).
كما يقال( رجع يرجع
رجعا وترجيعا) بمعني رد يرد ردا, فالرجع لغة هو العود, والارتداد, والرد,
والانصراف والافادة, والإعادة, ولذلك يقال للمطر رجعا لرد الهواء ماتناوله من
ماء الأرض بطريقة مستمرة, كما يقال للغدير رجعا بنسبته إلي المطرالذي ملأه, أو
لتراجع أمواجه وتردده في مكانه ويستند في ذلك إلي قول الحق( تبارك وتعالي):
والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وقيل فيها أيضا أي ذات النفع.
ويقال(
رجع يرجع ترجيعا) أي ردد يردد ترديدا,( فالترجيع) ترديد الصوت في الحلق في
القراءة وفي الغناء, وتكرير القول مرتين فصاعدا, ومنه( الترجيع) في
الأذان, وكل شئ يردد فهو( رجع) و(رجيع) ومعناه( مرجوع) أي مردود,
و(الرجع) أيضا صدي الصوت, ويقال( راجع) أي عاود, و(المراجعة)
المعاودة, ويقال( راجعه) الكلام أي رد عليه.
و(الرجعة) العودة من
الطلاق, والعودة إلي الدنيا بعد الممات.
يقال( رجعت) عن كذا(
رجعا) و(رجوعا) أي رفضته بعد قبوله, و(رجعت) الجواب أي رددت عليه,
و(المرجع) و(الرجعي) الرجوع والعود أو مكان العود وذلك من مثل قوله(
تعالي): إلي الله مرجعكم جميعا.. وقوله( سبحانه): إن إلي ربك الرجعي
وقوله( سبحانه وتعالي): لعلهم يرجعون أي يرجعون عن الذنب أو يعودون إلي الله(
تعالي) وهدايته الربانية, وقوله( عز من قائل):.. فناظرة بم يرجع المرسلون
من الرجوع أو من رجع الجواب, وقوله( تبارك اسمه): يرجع بعضهم إلي بعض القول
وقوله( تعالي جده): ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون
ويقال ليس لكلامه(
مرجوع) أي مردود أو جواب, ودابة لها( مرجوع) أي لها مردود بمعني أنه يمكن
بيعها بعد استخدامها.
و(الراجع) المرأة يموت عنها زوجها فترجع إلي
أهلها( أما المطلقة فيقال لها مردودة).
وفي قوله( تعالي): يرجع
بعصهم إلي بعض القول أي يتلاومون.
و(الاسترجاع) الاسترداد,
و(التراجع) الارتداد إلي الخلف أوالرجوع عن الأمر, يقال( استرجع) فلان
منه الشئ أي أخذ منه ماكان قد دفعه إليه, و(استرجع) عند المصيبة أي قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون.
و(الرجيع) الاستفراغ أو الرفث ويستخدم كناية عن
أذي البطن عند كل من الإنسان والحيوان, وهو من( الرجوع) ويكون بمعني
الفاعل, أو من( الرجع) ويكون بمعني المفعول.
و(الرجيع) من الكلام
المردود إلي صاحبه أو المكرر.
المفسرون ورجع
السماء
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) أن رجع
السماء هو المطر, ذكره ابن عباس( رضي الله عنهما), وعنه أيضا أن( الرجع)
هو السحاب فيه المطر, وأشار ابن كثير أيضا إلي رأي قتادة( يرحمه الله) في(
السماء ذات الرجع) أنها ترجع رزق العباد كل عام, ولولا ذلك لهلكوا وهلكت
مواشيهم, وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) نفس المعاني. ويؤكد صاحب
الظلال( يرحمه الله) علي هذا المعني بقوله الرجع المطر ترجع به السماء المرة
بعد المرة.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( والسماء) أي المظلة,( ذات
الرجع) أي المطر, وسمي رجعا لأن السحاب يحمل الماء من بخار البحار والأنهار,
ثم يرجعه إلي الأرض مطرا, أو لأنه يعود ويتكرر, من رجع: إذا عاد, ولذا يسمي
أوبا, لرجوعه وتكرره, وكذلك ذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم أن القسم
هنا بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر.
الفعل رجع في القرآن الكريم
ورد الفعل( رجع)
بمشتقاته في القرآن الكريم مائة وأربع مرات(104) ا في الصيغ التالية:
[
رجع, رجعتم, رجعك, رجعنا, رجعناك, رجعوا, أرجع, ترجعونها,
ترجعوهن, يرجع, يرجعون, ارجع, أرجعنا, ارجعوا, أرجعون, ارجعي,
رجعت, ترجع, ترجعون, يرجع, يرجعون, يتراجعا, رجع, الرجع, رجعه,
الرجعي, راجعون, مرجعكم, مرجعهم].
وجاءت لفظة رجع فيها ثلاث مرات
علي النحو التالي:
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد( ق:3)
إنه علي
رجعه لقادر( الطارق:8)
والسماء ذات الرجع( الطارق:11)
وكلها بمعني
الرجوع, والعودة, والارتداد, والرد, والإعادة, وهو ما يمكن أن يعيننا في
فهم دلالة الرجع في قوله( تعالي): والسماء ذات الرجع, وهو معني أوسع وأشمل من
مجرد رجوع ماء الأرض المتبخر من سطحها ومن تنفس إنسها وحيواناتها ونتح نباتاتها,
وإلا لكان القسم بالسماء ذات المطر.
السماء
في اللغة العربية
(السماء) لغة اسم مشتق من( السمو) بمعني
الارتفاع والعلو, تقول:( سما, يسمو, سموا), فهو سام بمعني علا, يعلو,
علوا, فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو أصل يدل علي الارتفاع
والعلو, يقال:( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي
ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه ومن هنا قيل: كل ما علاك فأظلك فهو
سماء.
ولفظة( السماء) في العربية تذكر وتؤنث( وإن كان تذكيرها يعتبر
شاذا), وجمعها( سماوات) كما جاء في القرآن الكريم وهناك صيغ أخري لجمعها
ولكنها غريبة.
وانطلاقا من هذا التعريف اللغوي قيل لسقف البيت( سماء)
لارتفاعه, وقيل للسحاب( سماء) لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من
السحاب, وللعشب لارتباط نبته بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل
الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الإجرام
المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج,
وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية أو مستترة
خفية.
وقد خلق الله( تعالي) السماء ـ وهو سبحانه خالق كل شيء ـ ورفعها
بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من
كل شيطان مارد من الجن والإنس, فهي محفوظة بحفظه( تعالي) إلي أن يرث الكون
بما فيه ومن فيه.
السماء في القرآن
الكريم
تكرر ورود لفظة( السماء) في القرآن الكريم ثلاثمائة وعشر
مرات, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع(
السماوات), والجمع في غالبيته إشارة إلي كل ما حول الأرض من خلق أي إلي الكون في
جملته, والإشارات المفردة منها ثمان وثلاثون(38) يفهم من مدلولها الغلاف الغازي
للأرض بسحبه ورياحه وكسفه, واثنتان وثمانون(82) يفهم منها السماء الدنيا غالبا
والكون أحيانا.
وقد جاءت الإشارة القرآنية إلي السماوات والأرض وما بينهما في
عشرين موضعا من كتاب الله, وأغلب الرأي أن المقصود بما بين السماوات والأرض هو
الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة, والجزء الأسفل منه( نطاق المناخ) بصفة
خاصة, وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
والسحاب المسخر بين السماء
والأرض..( البقرة:164) والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16
كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر عند خط الاستواء, والذي يحوي أغلب مادة الغلاف
الغازي للأرض(75% بالكتلة) والقرآن الكريم يشير إلي إنزال الماء من السماء في
أكثر من آية, وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب أو النطاق المحتوي
علي السحاب والمعروف علميا بنطاق المناخ.
العلوم الكونية ورجع السماء
إذا كان المقصود
بالسماء ذات الرجع في سورة الطارق هو الغلاف الغازي للأرض بنطاق من نطاقاته( نطاق
الطقس) أو بكل نطقه, فإن دراسة ذلك الغلاف الغازي قد أكدت لنا أن كثيرا مما
يرتفع من الأرض إليه من مختلف صور المادة والطاقة( من مثل هباءات الغبار
المتناهية الدقة في الصغر, بخار الماء, كثير من غازات أول وثاني أكسيد
الكربون, أكاسيد النيتروجين, النوشادر, الميثان وغيرها, الموجات الحرارية
كالأشعة تحت الحمراء, والراديوية كموجات البث الاذاعي, والصوتية, والضوئية
والمغناطيسية وغيرها) كل ذلك يرتد ثانية إلي الأرض راجعا إليها.
كذلك فإن
كثيرا مما يسقط علي الغلاف الغازي للأرض من مختلف صور المادة والطاقة يرتد راجعا
عنها بواسطة عدد من نطق الحماية المختلفة التي أعدها ربنا( تبارك وتعالي)
لحمايتنا وحماية مختلف صور الحياة الأرضية من حولنا.
وإذا كان المقصود ـ
السماء ذات الرجع في هذه السورة المباركة هو كل السماء الدنيا التي زينها( تبارك
وتعالي) بالنجوم والكواكب فإن علوم الفلك قد أكدت لنا أن كل أجرام السماء قد
خلقها الله( تعالي) من الدخان الكوني( دخان السماء) الذي نتج عن عملية
الانفجار العظيم التي يسميها القرآن الكريم عملية الفتق أو فتق الرتق, وأن كل
أجرام السماء الدنيا تمر في دورة حياة تنتهي بالعودة إلي دخان السماء عن طريق
الانفجار أو الانتثار, لتتخلق من هذا الدخان السماوي أجرام جديدة لتعيد الكرة في
دورات مستمرة من تبادل المادة والطاقة بين أجرام السماء ودخانها( المادة المنتشرة
بين النجوم في المجرة الواحدة, المجرات وتجمعاتها المختلفة, وفي السدم وفي فسحة
السماء الدنيا, وربما في كل الكون الذي لانعلم منه إلا جزءا يسيرا من السماء
الدنيا).
وهذه صورة مبهرة من صور الرجع التي لم يدركها العلماء إلا بعد اكتشاف
دورة حياة النجوم في العقود المتأخرة من القرن العشرين. وسواء كان المقصود
بالسماء ذات الرجع إحدي الصورتين السابقتين أو كليهما معا فهو سبق قرآني مبهر
بحقيقة كونية لم يدركها العلماء إلا منذ عشرات قليلة من السنين وذلك مما يشهد
للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي
الله عليه وسلم) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات
والأرض.
نطق الغلاف الغازي
للأرض
تحاط الأرض بغلاف غازي يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات,
ويتناقص فيه الضغط مع الارتفاع من واحد كيلو جرام علي السنتيمتر المكعب
تقريبا(1.0336 كج/ سم3) عند مستوي سطح البحر إلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين
كيلو مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر.
ويقسم هذا الغلاف الغازي للأرض علي
أساس من درجة حرارته إلي عدة نطق من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي:
(1)
نطاق التغيرات الجوية( نطاق الطقس أو نطاق الرجع)
TheTroposphere
ويمتد من سطح البحر إلي ارتفاع16 كيلو مترا فوق
خط الاستواء, ويتناقص سمكه إلي نحو عشرة كيلو مترات فوق القطبين وإلي أقل من ذلك
فوق خطوط العرض الوسطي(7 ــ8 كيلو مترات) وعندما يتحرك الهواء من خط الاستواء
في اتجاه القطبين يهبط فوق هذا المنحني الوسطي فتزداد سرعته, وتجبر حركة الأرض في
دورانها حول محورها من الغرب إلي الشرق كتل الهواء في التحرك تجاه الشرق بسرعة
فائقة تعرف باسم التيار النفاث
The Jet Stream
وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع
الارتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن
سطح الأرض الذي يمتص47% من أشعة الشمس فترتفع درجة حرارته ويعيد اشعاع الحرارة
علي هيئة أشعة تحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض, خاصة إلي بخار الماء وجزيئات
ثاني أكسيد الكربون الجويين, ومن هنا تنخفض درجة حرارة نطاق التغيرات الجوية مع
الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض.
وعندما يتجمع هواء بارد فوق
هواء ساخن يجعل كتل الهواء غير مستقرة فيهبط الهواء البارد إلي أسفل, بينما يصعد
الهواء الساخن إلي أعلي محدثا تيارات حمل مستمرة في هذا النطاق أعطته
اسم
Troposphere
أو نطاق الرجع كما يعبر عنه الأصل اليوناني
للكلمة.
ولولا الانخفاض المطرد لدرجات الحرارة في هذا النطاق السفلي من نطق
الغلاف الغازي للأرض لفقدت الأرض مياهها بمجرد اندفاع أبخرة تلك المياه من فوهات
البراكين ولا ستحالت الحياة علي الأرض.
(2) نطاق
التطبق
The Stratosphere
ويمتد من فوق نطاق التغيرات الجوية إلي ارتفاع
حوالي خمسين كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة من ستين درجة
مئوية تحت الصفر في قاعدته إلي الصفر المئوي في قمته, ويعود السبب في ارتفاع درجة
الحرارة إلي امتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بواسطة جزيئات
الأوزون التي تتركز في قاعدة هذا النطاق( حول ارتفاع يتراوح بين18 كم
و30كم) مكونة طبقة خاصة تعرف بطبقة, أو نطاق الأوزون
Ozonosphere
(3) النطاق المتوسط
The Mesosphere
ويمتد من فوق نطاق التطبق إلي ارتفاع80 ـ90
كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتنخفض فيه درجة الحرارة لتصل إلي مائة وعشرين
درجة مئوية تحت الصفر.
(4) النطاق الحراري
The Thermosphere
ويمتد من فوق النطاق المتوسط إلي عدة
مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة باستمرار إلي
خمسمائة درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي
درجة الحرارة ثابتة عند هذا الحد إلي أكثر من ألف كيلو متر فوق مستوي سطح البحر,
ولكنها تقفز إلي1500 درجة مئوية في فترات نشاط البقع الشمسية.
وفي جزء من
هذا النطاق( من ارتفاع مائة كيلو متر إلي أربعمائة كيلو متر فوق مستوي سطح
البحر) تتأين جزيئات الغاز( أي تشحن بالكهرباء) بفعل الأشعة فوق البنفسجية
والسينية القادمة من الشمس, ولذا يسمي باسم النطاق
المتأين
The
Ionosphere
وفوق
نطاق التأين يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم النطاق
الخارجي
The
Exosphere
ويقل فيه
الضغط حتي يتداخل في دخان السماء أو ما يعرف بالفضاء الخارجي.
(5) أحزمة
الإشعاع
The Radiation Belts
وهي عبارة عن زوجين من الأحزمة الهلالية الشكل التي
تزداد في السمك حول خط الاستواء, وترق رقة شديدة عند القطبين, وتحتوي علي أعداد
كبيرة من البروتونات والإليكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للأرض. ويتركز
الزوج الداخلي من هذه الأحزمة حول ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر,
بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الأحزمة حول ارتفاع25000 كيلو متر فوق مستوي
سطح البحر.
من صور رجع
السماء
باعتبار المقصود من السماء في الآية الكريمة والسماء ذات الرجع هو
الغلاف الغازي للأرض نجد الصور التالية من رجع السماء.
(1) الرجع الاهتزازي
للهواء( الأصوات وصداها):
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض(
نطاق التغيرات الجوية) علي75% من كتلة ذلك الغلاف ويتكون أساسا من غاز
النيتروجين(78% حجما), والأوكسجين(21.95% حجما) وآثار خفيفة من بخار
الماء, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون, وبعض هباءات الغبار, وآثار أقل
تركيزا من الإيدروجين, الأرجون, الهيليوم, وبعض مركبات الكبريت.
وكل
من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق أساسي لوجود الحياة
الأرضية, ومهم للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها, فعندما تهتز أحبالنا الصوتية
تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر علي هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل
الاتجاهات من حولنا, فتتلقي طبلة الأذن لأفراد آخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها
بوضوح, ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع
بعضنا بعضا ولا ستحالت الحياة.
فالصوت لا ينتقل في الفراغ, وذلك لعدم وجود
جزيئات الهواء القادرة علي نقل الموجات الصوتية وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء
بسرعة1200 كيلو متر في الساعة عند مستوي سطح البحر, وتزداد سرعة الصوت كلما
زادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه, وتقل بقلة كثافته, ففي الماء تتضاعف سرعة
الصوت أربع مرات تقريبا عنها في الهواء, وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للأرض
تتناقص حتي لا تكاد تسمع, ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضا بواسطة الموجات
الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلي
كثافة من الهواء, فإنها ترتد علي هيئة صدي للصوت الذي له العديد من التطبيقات
العملية.
والرجع الاهتزازي للهواء علي هيئة الأصوات وصداها هو أول صورة من صور
رجع السماء, ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياة علي
الأرض.
(2) الرجع المائي: يغطي الماء أكثر قليلا من71% من المساحة
الكلية للكرة الأرضية, وتبلغ كميته1.36 مليار كيلو متر مكعب( منها97.2% في
المحيطات والبحار,2.15% علي هيئة جليد حول القطبين وفي قمم الجبال,0.65% في
المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبة
وخزانات المياه تحت سطح الأرض.
وهذا الماء اندفع كله أصلا من جوف الأرض عبر
ثورات البراكين, وتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية والتي تتميز
ببرودتها الشديدة, فعاد إلي الأرض ليجري أنهارا علي سطحها, ويفيض إلي
منخفضاتها, ثم بدأ في حركة دائبة بين الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي
حفظته من التعفن ومن الضياع إلي طبقات الجو العليا.
وماء الأرض يتبخر منه
سنويا380000 كيلو متر مكعب أغلبها(320000 كم3) يتبخر من أسطح المحيطات
والبحار والباقي(60000 كم3) من سطح اليابسة, وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله
السحب إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا
أو ثلجا أو بردا, وبدرجة أقل علي هيئة ندي أو ضباب.
وحينما ترجع أبخرة
المياه من الجو إلي الأرض بعد تكثفها يجري قسم منها في مختلف أنواع المجاري المائية
علي اليابسة, وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال
طبقات الأرض ذات النفاذية ليكون المياه تحت السطحية, وهناك جزء يعاود تبخره إلي
الجو مرة أخري.
والمياه تحت السطحية ذاتها في حركة دائبة حيث تشارك في
تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج إلي سطح الأرض علي هيئة
ينابيع, أو ينتهي بها المطاف إلي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي
المحيطات والبحار بمعدل284000 كيلو متر مكعب في السنة, وعلي اليابسة
بمعدل96000 كيلو متر مكعب في السنة وذلك في دورة معجزة في كمالها ودقتها, ومن
صور ذلك أن ما يتبخر من أسطح المحيطات والبحار في السنة يفوق مايسقط فوقها وأن ما
يسقط من مطر علي اليابسة سنويا يفوق مايتبخر منها والفارق في الحالتين متساو تماما
فيفيض إلي البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوي ثابت في الفترة
الزمنية الواحدة.
هذه الدورة المعجزة للمياه حول الأرض هي الصورة الثانية
من صور رجع السماء, ولولاها لفسد كل ماء الأرض, ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة
بالنهار, ولبرودة شديدة بالليل
(3) الرجع الحراري إلي الأرض وعنها إلي
الفضاء بواسطة السحب.
يصل إلي الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من
طاقة الشمس, ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء
النهار, كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت.
فذرات
وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة
الشمسية في كل الاتجاهات.
ومن الأشعة الشمسية القادمة إلي الأرض يمتص
ويشتت ويعاد إشعاع53% منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض, وتمتص صخور وتربة
الأرض47% منها, ولولا هذا الرجع الحراري إلي الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور
الحياة علي الأرض, ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلي النقيض من ذلك فإن
السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف هي التي ترد إلينا أشعة الدفء
بمجرد غروب الشمس(98%) فصخور الأرض تدفأ أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص47%
من أشعتها فتصل درجة حرارتها الي15 درجة مئوية في المتوسط وبمجرد غياب الشمس تبدأ
صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها علي هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء التي
تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للأرض,
كما تعمل السحب علي إرجاع غالبية الموجات الطويلة(98%) إلي سطح الارض وبذلك
تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس.
ولو لم يكن للأرض غلاف غازي لتشتتت هذه
الحرارة إلي فسحة الكون وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم
بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلي الخارج وإلي الداخل مما
يحقق صفة الرجع لسماء الأرض.
(4) رجع الغازات والأبخرة والغبارالمرتفع
من سطح الأرض: عندما تثور البراكين تدفع بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة
والأتربة إلي جو الأرض الذي سرعان مايرجع ذلك إلي الأرض, كذلك يؤدي تكون
المنخفضات والمرتفعات الجوية إلي دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي
يتحكم في هبوبها( بعد إرادة الله تعالي) عدة عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط
الجوي في منطقتين متجاورتين, ومنها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق,
ومنها تنوع تضاريس الأرض والموقع الجغرافي للمنطقة.
والغالبية العظمي من
المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض( أي من الغرب إلي الشرق) بسرعات تتراوح
بين20 و30 كيلو مترا في الساعة وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك
بها فتبطؤ حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض, وإذا صادف
المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة فإنه يصطدم بها مما يزيد علي إبطاء
سرعتها ويقوي من حركة صعود الهواء إلي أعلي, ولما كان ضغط الهواء يتناقص
بالارتفاع إلي واحد من ألف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر إذا وصلنا إلي
ارتفاع48 كيلو مترا فوق ذلك السطح, وإلي واحد من مائة الف من الضغط الجوي إذا
وصلنا إلي ارتفاع ألف كيلو متر فوق سطح البحر فإن قدرة الهواء علي الاحتفاظ بالغبار
المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلي رجوعه إلي الأرض وإعادة توزيعه
علي سطحها بحكمة بالغة, وتعين علي ذلك الجاذبية الأرضية.
(5) رجع
الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون:
تقوم طبقة الأوزون في قاعدة نطاق
التطبق بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات
الأوزون( أ3) وترد نسبا كبيرة منها إلي خارج ذلك النطاق.
(6) رجع
الإشارات الراديوية بواسطة النطاق المتأين:
في النطاق المتأين( بين100
و400 كم فوق مستوي سطح البحر) تمتص الغوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس من
مثل الأشعة السينية فتؤدي إلي رفع درجة الحرارة وزيادة التأين, ونظرا لانتشار
الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس الإشارات الراديوية( ذات الأمواج
الطويلة) وتردها إلي الأرض فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات الراديوية وكلها
تمثل صورا من الرجع إلي الأرض.
(7) رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من
أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض:
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من
الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها, إلي الخارج كل من أحزمة
الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض فلا يصل الي سطح الأرض منها شيء ولكنها تؤدي إلي
تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فتؤدي إلي عدد من ظواهر التوهج
والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي.
والاشعة الكونية
بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في
قطبي الأرض المغناطيسيين, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, ويؤدي
ذلك إلي رد المزيد من الأشعة الكونية القادمة إلي خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض
وهي صورة من صور الرجع.
هذه الصور المتعددة لرجع الغلاف الغازي للأرض لم تعرف
إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ووصف السماء بأنها ذات رجع في القرآن
الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هو شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله
الخالق وأن سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم
أنبياء الله ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وانه( صلي الله
عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات
والأرض.
السماء هو المطر, ذكره ابن عباس( رضي الله عنهما), وعنه أيضا أن( الرجع)
هو السحاب فيه المطر, وأشار ابن كثير أيضا إلي رأي قتادة( يرحمه الله) في(
السماء ذات الرجع) أنها ترجع رزق العباد كل عام, ولولا ذلك لهلكوا وهلكت
مواشيهم, وذكر الصابوني( أمد الله في عمره) نفس المعاني. ويؤكد صاحب
الظلال( يرحمه الله) علي هذا المعني بقوله الرجع المطر ترجع به السماء المرة
بعد المرة.
وذكر مخلوف( يرحمه الله):( والسماء) أي المظلة,( ذات
الرجع) أي المطر, وسمي رجعا لأن السحاب يحمل الماء من بخار البحار والأنهار,
ثم يرجعه إلي الأرض مطرا, أو لأنه يعود ويتكرر, من رجع: إذا عاد, ولذا يسمي
أوبا, لرجوعه وتكرره, وكذلك ذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم أن القسم
هنا بالسماء ذات المطر الذي يعود ويتكرر.
الفعل رجع في القرآن الكريم
ورد الفعل( رجع)
بمشتقاته في القرآن الكريم مائة وأربع مرات(104) ا في الصيغ التالية:
[
رجع, رجعتم, رجعك, رجعنا, رجعناك, رجعوا, أرجع, ترجعونها,
ترجعوهن, يرجع, يرجعون, ارجع, أرجعنا, ارجعوا, أرجعون, ارجعي,
رجعت, ترجع, ترجعون, يرجع, يرجعون, يتراجعا, رجع, الرجع, رجعه,
الرجعي, راجعون, مرجعكم, مرجعهم].
وجاءت لفظة رجع فيها ثلاث مرات
علي النحو التالي:
أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد( ق:3)
إنه علي
رجعه لقادر( الطارق:8)
والسماء ذات الرجع( الطارق:11)
وكلها بمعني
الرجوع, والعودة, والارتداد, والرد, والإعادة, وهو ما يمكن أن يعيننا في
فهم دلالة الرجع في قوله( تعالي): والسماء ذات الرجع, وهو معني أوسع وأشمل من
مجرد رجوع ماء الأرض المتبخر من سطحها ومن تنفس إنسها وحيواناتها ونتح نباتاتها,
وإلا لكان القسم بالسماء ذات المطر.
السماء
في اللغة العربية
(السماء) لغة اسم مشتق من( السمو) بمعني
الارتفاع والعلو, تقول:( سما, يسمو, سموا), فهو سام بمعني علا, يعلو,
علوا, فهو عال أو مرتفع, لأن السين والميم والواو أصل يدل علي الارتفاع
والعلو, يقال:( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعة والعلو, وعلي
ذلك فإن سماء كل شيء أعلاه ومن هنا قيل: كل ما علاك فأظلك فهو
سماء.
ولفظة( السماء) في العربية تذكر وتؤنث( وإن كان تذكيرها يعتبر
شاذا), وجمعها( سماوات) كما جاء في القرآن الكريم وهناك صيغ أخري لجمعها
ولكنها غريبة.
وانطلاقا من هذا التعريف اللغوي قيل لسقف البيت( سماء)
لارتفاعه, وقيل للسحاب( سماء) لعلوه, واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من
السحاب, وللعشب لارتباط نبته بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل
الأرض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الإجرام
المختلفة من الكواكب والكويكبات, والأقمار والمذنبات, والنجوم والبروج,
وغيرها من مختلف صور المادة والطاقة التي تملأ الكون بصورة واضحة جلية أو مستترة
خفية.
وقد خلق الله( تعالي) السماء ـ وهو سبحانه خالق كل شيء ـ ورفعها
بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكة ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من
كل شيطان مارد من الجن والإنس, فهي محفوظة بحفظه( تعالي) إلي أن يرث الكون
بما فيه ومن فيه.
السماء في القرآن
الكريم
تكرر ورود لفظة( السماء) في القرآن الكريم ثلاثمائة وعشر
مرات, منها مائة وعشرون بالإفراد( السماء), ومائة وتسعون بالجمع(
السماوات), والجمع في غالبيته إشارة إلي كل ما حول الأرض من خلق أي إلي الكون في
جملته, والإشارات المفردة منها ثمان وثلاثون(38) يفهم من مدلولها الغلاف الغازي
للأرض بسحبه ورياحه وكسفه, واثنتان وثمانون(82) يفهم منها السماء الدنيا غالبا
والكون أحيانا.
وقد جاءت الإشارة القرآنية إلي السماوات والأرض وما بينهما في
عشرين موضعا من كتاب الله, وأغلب الرأي أن المقصود بما بين السماوات والأرض هو
الغلاف الغازي للأرض بصفة عامة, والجزء الأسفل منه( نطاق المناخ) بصفة
خاصة, وذلك لقول الحق( تبارك وتعالي):
والسحاب المسخر بين السماء
والأرض..( البقرة:164) والسحاب يتحرك في نطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16
كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر عند خط الاستواء, والذي يحوي أغلب مادة الغلاف
الغازي للأرض(75% بالكتلة) والقرآن الكريم يشير إلي إنزال الماء من السماء في
أكثر من آية, وواضح الأمر أن المقصود بالسماء هنا هو السحاب أو النطاق المحتوي
علي السحاب والمعروف علميا بنطاق المناخ.
العلوم الكونية ورجع السماء
إذا كان المقصود
بالسماء ذات الرجع في سورة الطارق هو الغلاف الغازي للأرض بنطاق من نطاقاته( نطاق
الطقس) أو بكل نطقه, فإن دراسة ذلك الغلاف الغازي قد أكدت لنا أن كثيرا مما
يرتفع من الأرض إليه من مختلف صور المادة والطاقة( من مثل هباءات الغبار
المتناهية الدقة في الصغر, بخار الماء, كثير من غازات أول وثاني أكسيد
الكربون, أكاسيد النيتروجين, النوشادر, الميثان وغيرها, الموجات الحرارية
كالأشعة تحت الحمراء, والراديوية كموجات البث الاذاعي, والصوتية, والضوئية
والمغناطيسية وغيرها) كل ذلك يرتد ثانية إلي الأرض راجعا إليها.
كذلك فإن
كثيرا مما يسقط علي الغلاف الغازي للأرض من مختلف صور المادة والطاقة يرتد راجعا
عنها بواسطة عدد من نطق الحماية المختلفة التي أعدها ربنا( تبارك وتعالي)
لحمايتنا وحماية مختلف صور الحياة الأرضية من حولنا.
وإذا كان المقصود ـ
السماء ذات الرجع في هذه السورة المباركة هو كل السماء الدنيا التي زينها( تبارك
وتعالي) بالنجوم والكواكب فإن علوم الفلك قد أكدت لنا أن كل أجرام السماء قد
خلقها الله( تعالي) من الدخان الكوني( دخان السماء) الذي نتج عن عملية
الانفجار العظيم التي يسميها القرآن الكريم عملية الفتق أو فتق الرتق, وأن كل
أجرام السماء الدنيا تمر في دورة حياة تنتهي بالعودة إلي دخان السماء عن طريق
الانفجار أو الانتثار, لتتخلق من هذا الدخان السماوي أجرام جديدة لتعيد الكرة في
دورات مستمرة من تبادل المادة والطاقة بين أجرام السماء ودخانها( المادة المنتشرة
بين النجوم في المجرة الواحدة, المجرات وتجمعاتها المختلفة, وفي السدم وفي فسحة
السماء الدنيا, وربما في كل الكون الذي لانعلم منه إلا جزءا يسيرا من السماء
الدنيا).
وهذه صورة مبهرة من صور الرجع التي لم يدركها العلماء إلا بعد اكتشاف
دورة حياة النجوم في العقود المتأخرة من القرن العشرين. وسواء كان المقصود
بالسماء ذات الرجع إحدي الصورتين السابقتين أو كليهما معا فهو سبق قرآني مبهر
بحقيقة كونية لم يدركها العلماء إلا منذ عشرات قليلة من السنين وذلك مما يشهد
للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الأنبياء والمرسلين( صلي
الله عليه وسلم) بأنه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات
والأرض.
نطق الغلاف الغازي
للأرض
تحاط الأرض بغلاف غازي يقدر سمكه بعدة آلاف من الكيلو مترات,
ويتناقص فيه الضغط مع الارتفاع من واحد كيلو جرام علي السنتيمتر المكعب
تقريبا(1.0336 كج/ سم3) عند مستوي سطح البحر إلي قرابة الصفر عند ارتفاع ستين
كيلو مترا تقريبا فوق مستوي سطح البحر.
ويقسم هذا الغلاف الغازي للأرض علي
أساس من درجة حرارته إلي عدة نطق من أسفل إلي أعلي علي النحو التالي:
(1)
نطاق التغيرات الجوية( نطاق الطقس أو نطاق الرجع)
TheTroposphere
ويمتد من سطح البحر إلي ارتفاع16 كيلو مترا فوق
خط الاستواء, ويتناقص سمكه إلي نحو عشرة كيلو مترات فوق القطبين وإلي أقل من ذلك
فوق خطوط العرض الوسطي(7 ــ8 كيلو مترات) وعندما يتحرك الهواء من خط الاستواء
في اتجاه القطبين يهبط فوق هذا المنحني الوسطي فتزداد سرعته, وتجبر حركة الأرض في
دورانها حول محورها من الغرب إلي الشرق كتل الهواء في التحرك تجاه الشرق بسرعة
فائقة تعرف باسم التيار النفاث
The Jet Stream
وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع
الارتفاع حتي تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته, وذلك نظرا للابتعاد عن
سطح الأرض الذي يمتص47% من أشعة الشمس فترتفع درجة حرارته ويعيد اشعاع الحرارة
علي هيئة أشعة تحت حمراء إلي الغلاف الغازي للأرض, خاصة إلي بخار الماء وجزيئات
ثاني أكسيد الكربون الجويين, ومن هنا تنخفض درجة حرارة نطاق التغيرات الجوية مع
الارتفاع للبعد عن مصدر الدفء وهو سطح الأرض.
وعندما يتجمع هواء بارد فوق
هواء ساخن يجعل كتل الهواء غير مستقرة فيهبط الهواء البارد إلي أسفل, بينما يصعد
الهواء الساخن إلي أعلي محدثا تيارات حمل مستمرة في هذا النطاق أعطته
اسم
Troposphere
أو نطاق الرجع كما يعبر عنه الأصل اليوناني
للكلمة.
ولولا الانخفاض المطرد لدرجات الحرارة في هذا النطاق السفلي من نطق
الغلاف الغازي للأرض لفقدت الأرض مياهها بمجرد اندفاع أبخرة تلك المياه من فوهات
البراكين ولا ستحالت الحياة علي الأرض.
(2) نطاق
التطبق
The Stratosphere
ويمتد من فوق نطاق التغيرات الجوية إلي ارتفاع
حوالي خمسين كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة من ستين درجة
مئوية تحت الصفر في قاعدته إلي الصفر المئوي في قمته, ويعود السبب في ارتفاع درجة
الحرارة إلي امتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس بواسطة جزيئات
الأوزون التي تتركز في قاعدة هذا النطاق( حول ارتفاع يتراوح بين18 كم
و30كم) مكونة طبقة خاصة تعرف بطبقة, أو نطاق الأوزون
Ozonosphere
(3) النطاق المتوسط
The Mesosphere
ويمتد من فوق نطاق التطبق إلي ارتفاع80 ـ90
كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتنخفض فيه درجة الحرارة لتصل إلي مائة وعشرين
درجة مئوية تحت الصفر.
(4) النطاق الحراري
The Thermosphere
ويمتد من فوق النطاق المتوسط إلي عدة
مئات من الكيلومترات فوق مستوي سطح البحر, وترتفع فيه درجة الحرارة باستمرار إلي
خمسمائة درجة مئوية عند ارتفاع مائة وعشرين كيلو مترا فوق مستوي سطح البحر, وتبقي
درجة الحرارة ثابتة عند هذا الحد إلي أكثر من ألف كيلو متر فوق مستوي سطح البحر,
ولكنها تقفز إلي1500 درجة مئوية في فترات نشاط البقع الشمسية.
وفي جزء من
هذا النطاق( من ارتفاع مائة كيلو متر إلي أربعمائة كيلو متر فوق مستوي سطح
البحر) تتأين جزيئات الغاز( أي تشحن بالكهرباء) بفعل الأشعة فوق البنفسجية
والسينية القادمة من الشمس, ولذا يسمي باسم النطاق
المتأين
The
Ionosphere
وفوق
نطاق التأين يعرف الجزء الخارجي من النطاق الحراري باسم النطاق
الخارجي
The
Exosphere
ويقل فيه
الضغط حتي يتداخل في دخان السماء أو ما يعرف بالفضاء الخارجي.
(5) أحزمة
الإشعاع
The Radiation Belts
وهي عبارة عن زوجين من الأحزمة الهلالية الشكل التي
تزداد في السمك حول خط الاستواء, وترق رقة شديدة عند القطبين, وتحتوي علي أعداد
كبيرة من البروتونات والإليكترونات التي اصطادها المجال المغناطيسي للأرض. ويتركز
الزوج الداخلي من هذه الأحزمة حول ارتفاع3200 كيلو متر فوق مستوي سطح البحر,
بينما يتركز الزوج الخارجي من هذه الأحزمة حول ارتفاع25000 كيلو متر فوق مستوي
سطح البحر.
من صور رجع
السماء
باعتبار المقصود من السماء في الآية الكريمة والسماء ذات الرجع هو
الغلاف الغازي للأرض نجد الصور التالية من رجع السماء.
(1) الرجع الاهتزازي
للهواء( الأصوات وصداها):
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض(
نطاق التغيرات الجوية) علي75% من كتلة ذلك الغلاف ويتكون أساسا من غاز
النيتروجين(78% حجما), والأوكسجين(21.95% حجما) وآثار خفيفة من بخار
الماء, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون, وبعض هباءات الغبار, وآثار أقل
تركيزا من الإيدروجين, الأرجون, الهيليوم, وبعض مركبات الكبريت.
وكل
من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق أساسي لوجود الحياة
الأرضية, ومهم للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها, فعندما تهتز أحبالنا الصوتية
تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر علي هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل
الاتجاهات من حولنا, فتتلقي طبلة الأذن لأفراد آخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها
بوضوح, ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع
بعضنا بعضا ولا ستحالت الحياة.
فالصوت لا ينتقل في الفراغ, وذلك لعدم وجود
جزيئات الهواء القادرة علي نقل الموجات الصوتية وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء
بسرعة1200 كيلو متر في الساعة عند مستوي سطح البحر, وتزداد سرعة الصوت كلما
زادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه, وتقل بقلة كثافته, ففي الماء تتضاعف سرعة
الصوت أربع مرات تقريبا عنها في الهواء, وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للأرض
تتناقص حتي لا تكاد تسمع, ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضا بواسطة الموجات
الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلي
كثافة من الهواء, فإنها ترتد علي هيئة صدي للصوت الذي له العديد من التطبيقات
العملية.
والرجع الاهتزازي للهواء علي هيئة الأصوات وصداها هو أول صورة من صور
رجع السماء, ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياة علي
الأرض.
(2) الرجع المائي: يغطي الماء أكثر قليلا من71% من المساحة
الكلية للكرة الأرضية, وتبلغ كميته1.36 مليار كيلو متر مكعب( منها97.2% في
المحيطات والبحار,2.15% علي هيئة جليد حول القطبين وفي قمم الجبال,0.65% في
المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبة
وخزانات المياه تحت سطح الأرض.
وهذا الماء اندفع كله أصلا من جوف الأرض عبر
ثورات البراكين, وتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية والتي تتميز
ببرودتها الشديدة, فعاد إلي الأرض ليجري أنهارا علي سطحها, ويفيض إلي
منخفضاتها, ثم بدأ في حركة دائبة بين الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي
حفظته من التعفن ومن الضياع إلي طبقات الجو العليا.
وماء الأرض يتبخر منه
سنويا380000 كيلو متر مكعب أغلبها(320000 كم3) يتبخر من أسطح المحيطات
والبحار والباقي(60000 كم3) من سطح اليابسة, وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله
السحب إلي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, حيث يتكثف ويعود إلي الأرض مطرا
أو ثلجا أو بردا, وبدرجة أقل علي هيئة ندي أو ضباب.
وحينما ترجع أبخرة
المياه من الجو إلي الأرض بعد تكثفها يجري قسم منها في مختلف أنواع المجاري المائية
علي اليابسة, وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال
طبقات الأرض ذات النفاذية ليكون المياه تحت السطحية, وهناك جزء يعاود تبخره إلي
الجو مرة أخري.
والمياه تحت السطحية ذاتها في حركة دائبة حيث تشارك في
تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج إلي سطح الأرض علي هيئة
ينابيع, أو ينتهي بها المطاف إلي البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي
المحيطات والبحار بمعدل284000 كيلو متر مكعب في السنة, وعلي اليابسة
بمعدل96000 كيلو متر مكعب في السنة وذلك في دورة معجزة في كمالها ودقتها, ومن
صور ذلك أن ما يتبخر من أسطح المحيطات والبحار في السنة يفوق مايسقط فوقها وأن ما
يسقط من مطر علي اليابسة سنويا يفوق مايتبخر منها والفارق في الحالتين متساو تماما
فيفيض إلي البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوي ثابت في الفترة
الزمنية الواحدة.
هذه الدورة المعجزة للمياه حول الأرض هي الصورة الثانية
من صور رجع السماء, ولولاها لفسد كل ماء الأرض, ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة
بالنهار, ولبرودة شديدة بالليل
(3) الرجع الحراري إلي الأرض وعنها إلي
الفضاء بواسطة السحب.
يصل إلي الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من
طاقة الشمس, ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء
النهار, كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت.
فذرات
وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة
الشمسية في كل الاتجاهات.
ومن الأشعة الشمسية القادمة إلي الأرض يمتص
ويشتت ويعاد إشعاع53% منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض, وتمتص صخور وتربة
الأرض47% منها, ولولا هذا الرجع الحراري إلي الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور
الحياة علي الأرض, ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلي النقيض من ذلك فإن
السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف هي التي ترد إلينا أشعة الدفء
بمجرد غروب الشمس(98%) فصخور الأرض تدفأ أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص47%
من أشعتها فتصل درجة حرارتها الي15 درجة مئوية في المتوسط وبمجرد غياب الشمس تبدأ
صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها علي هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء التي
تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للأرض,
كما تعمل السحب علي إرجاع غالبية الموجات الطويلة(98%) إلي سطح الارض وبذلك
تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس.
ولو لم يكن للأرض غلاف غازي لتشتتت هذه
الحرارة إلي فسحة الكون وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم
بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلي الخارج وإلي الداخل مما
يحقق صفة الرجع لسماء الأرض.
(4) رجع الغازات والأبخرة والغبارالمرتفع
من سطح الأرض: عندما تثور البراكين تدفع بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة
والأتربة إلي جو الأرض الذي سرعان مايرجع ذلك إلي الأرض, كذلك يؤدي تكون
المنخفضات والمرتفعات الجوية إلي دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي
يتحكم في هبوبها( بعد إرادة الله تعالي) عدة عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط
الجوي في منطقتين متجاورتين, ومنها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلي الشرق,
ومنها تنوع تضاريس الأرض والموقع الجغرافي للمنطقة.
والغالبية العظمي من
المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض( أي من الغرب إلي الشرق) بسرعات تتراوح
بين20 و30 كيلو مترا في الساعة وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك
بها فتبطؤ حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض, وإذا صادف
المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة فإنه يصطدم بها مما يزيد علي إبطاء
سرعتها ويقوي من حركة صعود الهواء إلي أعلي, ولما كان ضغط الهواء يتناقص
بالارتفاع إلي واحد من ألف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر إذا وصلنا إلي
ارتفاع48 كيلو مترا فوق ذلك السطح, وإلي واحد من مائة الف من الضغط الجوي إذا
وصلنا إلي ارتفاع ألف كيلو متر فوق سطح البحر فإن قدرة الهواء علي الاحتفاظ بالغبار
المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلي رجوعه إلي الأرض وإعادة توزيعه
علي سطحها بحكمة بالغة, وتعين علي ذلك الجاذبية الأرضية.
(5) رجع
الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون:
تقوم طبقة الأوزون في قاعدة نطاق
التطبق بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات
الأوزون( أ3) وترد نسبا كبيرة منها إلي خارج ذلك النطاق.
(6) رجع
الإشارات الراديوية بواسطة النطاق المتأين:
في النطاق المتأين( بين100
و400 كم فوق مستوي سطح البحر) تمتص الغوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس من
مثل الأشعة السينية فتؤدي إلي رفع درجة الحرارة وزيادة التأين, ونظرا لانتشار
الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس الإشارات الراديوية( ذات الأمواج
الطويلة) وتردها إلي الأرض فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات الراديوية وكلها
تمثل صورا من الرجع إلي الأرض.
(7) رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من
أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض:
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من
الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها, إلي الخارج كل من أحزمة
الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض فلا يصل الي سطح الأرض منها شيء ولكنها تؤدي إلي
تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلي سطح الأرض فتؤدي إلي عدد من ظواهر التوهج
والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي.
والاشعة الكونية
بأنواعها المختلفة تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في
قطبي الأرض المغناطيسيين, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, ويؤدي
ذلك إلي رد المزيد من الأشعة الكونية القادمة إلي خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض
وهي صورة من صور الرجع.
هذه الصور المتعددة لرجع الغلاف الغازي للأرض لم تعرف
إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ووصف السماء بأنها ذات رجع في القرآن
الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هو شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله
الخالق وأن سيدنا محمدا( صلي الله عليه وسلم) الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم
أنبياء الله ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وانه( صلي الله
عليه وسلم) كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات
والأرض.