۩۩ ۩۩ الفرق بين حسن الظن والغرور ۩۩ ۩۩ وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمل على العمل ، وحث عليه ، وساق إليه ، فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه هاديا له إلى الطاعة ، زاجرا له عن المعصية ، فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا ، فهو المغرور . ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها [ ص: 39 ] ولم يحرثها ، وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من حرث وبذر وسقى وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء . وكذلك لو حسن ظنه وقوي رجاؤه بأن يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم ، وحرص تام عليه ، وأمثال ذلك . فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم ، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، وبالله التوفيق . وقد قال الله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله [ سورة البقرة : 218 ] . فتأمل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات ؟ وقال المغترون : إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره ، الباغين على عباده ، المتجرئين على محارمه ، أولئك يرجون رحمة الله . وسر المسألة : أن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته ، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ، ويرجوه أن لا يكله إليها ، وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ، ويصرف ما يعارضها ويبطل أثرها . ابن القيم |