السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفائل عند رسول الله سلم
إنّ من الصفات النبيلة والخصال الحميدة التي حبا الله بها نبيه الكريم
ورسوله العظيم صفة التفاؤل، إذ كان سلم متفائلاً في كل
أموره وأحواله، في حلِّه وترحاله، في حربه وسلمه، في جوعه وعطشه، وفي صحاح الأخبار دليل صدق
على هذا، إذ كان سلم في أصعب الظروف والأحوال يبشر أصحابه
بالفتح والنصر على الأعداء، ويوم مهاجره إلى المدينة فراراً بدينه وبحثاً
عن موطئ قدم لدعوته نجده يبشر عدواً يطارده يريد قتله بكنز سيناله وسوار
مَلِكٍ سيلبسه، وأعظم من ذلك دين حق سيعتنقه، وينعم به ويسعد في رحابه.
نعم إنه التفاؤل، ذلك السلوك الذي يصنع به الرجال مجدهم، ويرفعون به
رؤوسهم، فهو نور وقت شدة الظلمات، ومخرج وقت اشتداد الأزمات، ومتنفس وقت
ضيق الكربات، وفيه تُحل المشكلات، وتُفك المعضلات، وهذا ما حصل مع رسول
الله سلم عندما تفاءل وتعلق برب الأرض والسماوات؛ فجعل الله
له من كل المكائد والشرور والكُرب فرجاً ومخرجاً.
فالرسول سلم من صفاته التفاؤل، وكان يحب الفأل ويكره
التشاؤم، ففي الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح:
الكلمة الحسنة ) متفق عليه.والطيرة هي التشاؤم.
وإذا تتبعنا مواقفه سلم في جميع أحواله، فسوف نجدها مليئة
بالتفاؤل والرجاء وحسن الظن بالله، بعيدة عن التشاؤم الذي لا يأتي بخير
أبدا.
فمن تلك المواقف ما حصل له ولصاحبه أبي بكر رضي الله عنه وهما في طريق
الهجرة، وقد طاردهما سراقة، فيقول الرسول سلم مخاطباً صاحبه
وهو في حال ملؤها التفاؤل والثقة بالله : ( لا تحزن
إن الله معنا، فدعا عليه رسول الله سلم فارتطمت فرسه - أي
غاصت قوائمها في الأرض - إلى بطنها ) متفق عليه.
ومنها تفاؤله سلم وهو في الغار مع صاحبه، والكفار على باب
الغار وقد أعمى الله أبصارهم فعن أنس عن أبي بكر رضي الله عنه قال : ( كنت مع النبي سلم في الغار، فرفعت رأسي،
فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا،
قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما ) متفق عليه.
ومنها تفاؤله بالنصر في غزوة بدر، وإخباره سلم بمصرع رؤوس
الكفر وصناديد قريش.
ومنها تفاؤله سلم عند حفر الخندق حول المدينة، وذكره لمدائن
كسرى وقيصر والحبشة، والتبشير بفتحها وسيادة المسلمين عليها.
ومنها تفاؤله سلم بشفاء المريض وزوال وجعه بمسحه عليه بيده
اليمنى وقوله: لا بأس طهور إن شاء الله.
كل ذلك وغيره كثير، مما يدل على تحلِّيه سلم بهذه الصفة
الكريمة.
وبعد: - أخي القارئ الكريم - فما أحوج الناس اليوم إلى اتباع سيرة نبينا
سلم : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة
حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }
(الأحزاب:21) . إن واقع أمة الإسلام اليوم ، وما هي فيه من محن ورزايا ،
ليستدعي إحياء صفة التفاؤل ، تلك الصفة التي تعيد الهمة لأصحابها ، وتضيء
الطريق لأهلها، والله الموفّق .