مقاومة بلاد القبائل
مقاومة بلاد القبائل:1851 1857:
تعود
المحاولات الأولى لإخضاع منطقة جرجرة إلى بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر
إلا أن انشغال القوات الفرنسية بالقضاء على مقاومة الأمير عبد القادر في
الغرب الجزائري و مقاومة أحمد باي في الشرق حال دون ذلك،و اكتفت في هذه
الفترة بإقامة المراكز الأمامية و التحصينات حول المنطقة والمواقع
الاستراتيجية ، كما شددت المراقبة على الجهة البحرية.
مراحل المقاومة :
مرت المقاومة في جرجرة بمرحلتين أساسيتين قادها كل من الشريف بوبغلة و بوحمارة و فاطمة انسومر .
تمت
على عهد الماريشال بيجو 1842-1847 و انتهت باحتلال يسر ودلس و برج منايل
وكذا بداية تطلع فرنسا لأهمية المنطقة من الناحية الاقتصادية يمكن أن
نستشف ذلك من التقرير الذي قدّمه بيجو للحكومة الفرنسية حيث جاء فيه: "
ستكون هذه المنطقة بلا شك ثمرة الحملة ، فهي فضلا عن كونها آهلة بالسكان
أكثر من غيرها تمثل قوة مستهلكة لمنتوجاتنا، إذ بإمكانهم أن يقدموا لنا
مقابلها كمية كبيرة من الزيت و الثمار الجافة …".
تمتد ما بين
1851-1857 وهي أهم مرحلة في مقاومة جرجرة لما تميزت به من أحداث وتضحيات
جسام، حيث شهدت جرجرة سلسلة من المقاومات تحت شعار "الله أكبر" ،منها
مقاومة شريف بوبغلة ، مقاومة بوحمارة ثم مقاومة لالة فاطمة انسومر أين لقي
الاستعمار الفرنسي مقاومة شديدة و عنيفة حالت دون توسعه بالسرعة والكيفية
التي خطط لها.رغم مشاركة كبار الجنرالات و الماريشالات من أمثال راندون و
مكماهون.
مقاومة الشريف بوبغلة:
قام بوبغلة في هذه المرحلة ببعض الاستعدادات منها:
- تحديد الأهداف الرئيسية التي يجب ضربها في البداية كالشخصيات الموالية للاستعمار مثلا أو ضباط فرنسيين أو مراكز عسكرية .
- تحديد المناطق الإستراتيجية التي يمكن الالتجاء إليها إذا اقتضت الضرورة .
- تحريض و تعبئة مختلف القبائل للانضمام إليه .
بعد
أن استكمل جميع الاستعدادات أعلن المقاومة، بالهجوم على عزيب بن علي شريف
و هو صاحب زاوية شلاطة قرب أقبو، حدث ذلك يوم 10 مارس 1851 أحد المتعاونين
مع فرنسا مما أثار القلق و الارتباك في صفوف القوات الفرنسية المرابطة في
سور الغزلان ،و كرد فعل قررت السلطات الاستعمارية إقامة مركز عسكري ببني
منصور بقيادة الكولونيل "بوبريطر "، وجاء في بعض التقارير التي قدمها
العقيد دوريل كيف أن ابن علي شريف حمّل السلطات الفرنسية مسؤولية ما حدث
إذ أنها لم تستطع حمايته .لم يقف طموح الشريف بوبغلة عند هذا الانتصار، بل
رأى من الواجب القضاء على ابن علي شريف ، و لأجل ذلك دعا إلى عقد اجتماع
مع بني يجار ويلولة و زاوية ابن إدريس لتدارس الوضع ، و الواقع أنه كان
يتوخى كسب مناصرين جدد في يلولة أوسامر .
تقرر في الاجتماع معاودة
الهجوم على ابن علي شريف في شلاطة ،مما أدى إلى وقوع مواجهات خلفت 10 قتلى
من أصحابه ،وهو ما اضطره على الانسحاب نحو قرية "إيبوزيدين" ببني مليكيش .
و نظرا لخطورة حركته ،جنّدت السلطات الفرنسية قوات معتبرة تحت أوامر ضباط
و جنرالات أمثال، دوريل، بلانجي ، بوبريطر ،بوسكي دوبروتال،كامو. وبعد
الهزيمة التي تلّقاها أثناء هجومه على شلاطة، أعاد تنظيم قواته فهاجم عدة
مراكز فرنسية متخذا من قرية بني مليكش مركزا لنشاطه و هجماته، لكن رغم
الانتصارات التي حققها هنا و هناك ، أجبر على مغادرة الجهة الجنوبية من
جبال جرجرة ،فتنقل إلى الواجهة المقابلة ،و استقرّ عند بني صدقاء القاطنين
شمال منطقة جرجرة و هناك أخذ بوبغلة يحرض السكان على المقاومة ،واستطاع أن
يكسب انضمام قبائل معاتقة و بني منداس و قشتولة ، بني كوفي ومشتراس و بني
بوغردان و بني اسماعيل وفريقات.في 18 أوت 1851 ، تمكن بوبغلة من إلحاق
الهزيمة بالجيش الفرنسي و قائده النقيب "بيشو" في معركة قرب بوغني. ردّت
عليها السلطات الاستعمارية بحملة قادها الجنرال"بيليسي" دامت شهرا كاملا
أخضعت خلالها بعض قبائل المنطقة كقبيلة بني كوفي و بوغني و بني منداس
.ونتيجة ذلك قرر بوبغلة العودة إلى بني مليكيش لكسب مناصرين جدد ،لتخفيف
الحصار على بعض المداشر، فنقل نشاطه إلى الجهة الساحلية ، على رأس بعض
القبائل الثائرة في ناحية بجاية، و ما كادت تنقضي سنة 1851 حتى لّبت نداءه
معظم قبائل الجهة، و هو ما جعل فرنسا تدرك صعوبة المهمة التي تنتظرها .
ففي يوم 25 جانفي 1852 وقعت المواجهة مع القوات الفرنسية إثر الحملة التي
نظمّها " بوسكي" شارك فيها نحو 3000 عنصر من المشاة الفرنسيين. ألحقت
خسائر في صفوف الشريف بوبغلة ،و فتحت الطريق بين القصر و بجاية وهو الطريق
نفسه الذي يربط المنطقة بالجزائر العاصمة .
استمر بوبغلة ينتقل من قرية
إلى أخرى يحاول جمع الأنصار والأتباع ، إلى أن اصطدم بقوات بوبريط عند
منطقة الواضية يوم 19 جوان 1852 أصيب أثناءها بجروح في رأسه ،و مع ذلك
واصل أتباعه المقاومة بقيادة بعض مقربيه أمثال محمد بن مسعود من ونوغة و
أحمد بن بوزيد من عائلة بورنان التي تنتمي إلى عائلة أولاد مقران .
خلال
هذه السنة تمكن الشريف بوبغلة من تجديد المقاومة، وقد تهيأت له الظروف
عندما قامت السلطات الفرنسية بإرسال جيوشها إلى حرب القرم، فخاطب السكان
قائلا:" إن المناسبة قد حانت لطرد فرنسا من الجزائر لأنها أصبحت ضعيفة جدا
و لا يتطلب الأمر منهم إلا مجهودا بسيطا ليلقوا بها في البحر الذي جاءت عن
طريقه" . على أن المنطقة طوال كل هذه الفترة بقيت تعيش جوا من الغليان،
مما أدى بالحاكم العام الفرنسي إلى إرسال حملة بقيادة النقيب وولف. و
بتواطؤ مع الباشآغا أوقاسي ، أقدمت القوات الفرنسية على مهاجمة عزازقة،
وذكر وولف في تقريره عن المعركة ،مدى استماتة سكان عزازقة في الدفاع عن
ديارهم . قررت السلطات الفرنسية القيام بحملة عسكرية أخرى قادها الجنرال
راندون ففي رسالة لهذا الأخير مؤرخة في 26 ماي 1854 أوضح فيها الأهداف من
الحملة قائلا:" إن هدفي الأول هو ضرب قبيلة بني جناد التي قدمت العون في
هذه المدة الأخيرة للشريف بوبغلة الذي ينبغي أن يعاقب ، و يكون عقابه درسا
للآخرين ، وبعد ذلك أوجه جهودي إلى القبائل الأخرى التي تقع على الضفة
اليمنى لسباو … الخ " ويبدو واضحا أن الهدف من الحملة هو إخضاع منطقة
جرجرة، وقبيلة بني جناد تحديدا، و لهذا الغرض بالذات استقدم قوات إضافية
من وهران و الجزائر بقيادة الجنرال كامو و من قسنطينة بقيادة الجنرال
ماكماهون .كانت قرية اعزيب الموقع الذي يحتمل أن تجري فيه المعركة، لذا
تقرر تحديدها هدفا أولا لضربات الجيش الفرنسي . و رغم ما تتمتع به من
تحصين دفاعي من حيث وقوعها على مرتفع ،أو من حيث الاستعدادات التي أقامها
أهلها للدفاع عنها، إلا أنها لم تصمد أمام القوات الفرنسية التي أحكمت
السيطرة عليها . وفرضت على بني جناد غرامات مالية لوقوفها إلى جانب بوبغلة
.و بعد غريب عسكرت الحملة في بوبهير و هي نقطة قريبة من الأعراش الثلاثة :
بني يجار وبني يتوراغ و بني يحي على أن هدف الجنرال راندون كان الوصول إلى
بني يحي، و عليه دبر خطة أوهم بها قبائل المنطقة رغبته في الاتجاه إلى بني
يجار الذين هيأوا أنفسهم لصد حملته. والواقع أن الحملة اتجهت إلى بني يحي
خلال هذه المرحلة وقعت مواجهات بين المقاومين و القوات الفرنسية دامت 40
يوما خلفت خسائر بشرية قدرتها المصادر الفرنسية ب 94 قتيلا و 593 جريحا في
صفوف الفرنسيين دون أن تشير الى خسائر الطرف الجزائري. وقتها كان بوبغلة
جريحا في زاوية سي العربي شريف و قد نصحه بنو جناد بمغادرة المنطقة . و
بالفعل انتقل بوبغلة إلى بني يجار ومنها إلى يلولا أومالو ثم إلى بني يني
، ولاحقا إلى بني مليكش حيث عاود نشاطه من هناك دون أن يدوم الأمر طويلا
،حيث كان ينتظره قدر الاستشهاد في26 ديسمبر 1854 .
مقاومة لالا فاطمة نسومر جان دارك الجزائر:
لم
تكن لالة فاطمة أنسومر غافلة عما يجري حولها من تطورات في المنطقة ، حيث
كانت على علم بتحركات القوات الفرنسية في تيزي وزو بين عامي 1845 - 1846 و
منطقة دلس عام 1847، و عندما شن الجيش الفرنسي حملة على المنطقة أظهرت
شجاعة كبيرة . أنقذت بوبغلة المتواجد في قرية سومر بعد المواجهة الأولى
التي وقعت له في قرية "تزروتس" بين قوات الجنرال "ميسيات " و الأهالي ،
إلا أن هؤلاء تراجعوا بعد مقاومة عنيفة ، نتيجة عدم تكافؤ القوى من حيث
العـــدة و العدد ، وكان على هذا الجنرال أن يجتاز نقطتين صعبتين ، هما :
ثشكيرت و ثيري بويران ،وقد شارك بوبغلة في هذه المعركة و جرح فيها فأنقذته
لالة فاطمة ووقفت إلى جانبه وبقيا في بني يني يحرضان على الجهاد، و شاركته
في أغلب المعارك التي خاضها منها معركة وادي سباو بتاريخ 7 أفريل 1854 ضد
القوات الفرنسية بقيادة الجنرال وولف ، حيث أظهرت فاطمة نسومر شجاعة فائقة
، حققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي (إيللتي وتحليجت ناث و بورجة و
توريتت موسى و تيزي بوايبر)، و برهنت على أن قيادة المقاومة الجزائرية لم
يختص بها الرجال فقط بل شاركت فيها النساء بما أوتين من قوة و عند وفاة
الشريف بوبغلة لم تتوقف بل واصلت المقاومة و خاضت عدة معارك ضد القوات
الفرنسية، أهمها معركة إيشريضن التي وقعت في 24 جوان 1857 في الأربعاء ناث
إيراثن غير أن عدم تكافؤ القوى أدى إلى انهزام الثوار فانسحبت نحو جبال
جرجرة و تحصنت بها و كونت فرقا سريعة من المجاهدين يتبعون مؤخرات الجيش
الفرنسي و يقطعون عليهم طرق المواصلات و الإمدادات .
ونتيجة للهجمات
المتواصلة للمجاهدة و تعاظم شأنها ،تخوفت السلطات الفرنسية من ازدياد
خطرها ،فجهزت لها جيشا يقوده الماريشال راندون اتجه صوب قرية " أيت تسورغ
" و " اشريضن" أين تتمركز فاطمة نسومر رفقة 7000 رجل و عدد من النساء . و
قد التقى الفريقان بتاريخ 11جويلية 1857 و لكن رغم المقاومة الشديدة التي
أبداها الثوار، إلا أن الكفة رجحت لصالح الفرنسيين نتيجة عدم تكافؤ القوى.
انتهت المعركة بمقتل 44 جنديا فرنسيا من بينهم ضابطان و 327 جريحا منهم 22
برتبة ضابط وبعد مفاوضات توقف القتال بأربعة شروط منها :
- إعادة انتشار القوات الفرنسية خارج القرى و التجمعات السكانية .
- عدم دفع الضرائب .
- عدم متابعة و معاقبة قادة المقاومة .
- حماية الأشخاص و الممتلكات .
-
قاد المفاوضات عن الجانب الفرنسي الماريشال راندون ، وعن الجانب الجزائري
سي الطاهر. وقد تظاهر الماريشال راندون بقبول شروطها إلا أنه أمر بإلقاء
القبض على الوفد الجزائري بمجرد خروجه من المعسكر . ولم يكتف بذلك بل أرسل
النقيب فوشو إلى قرية ثخليجث ناث عتسو لالقاء القبض لالة فاطمة انسومر
فأسرها هي وعدد من النسوة . وتفيد المصادر أن الجيش الفرنسي اثر هذه
المعركة صادر العديد من الممتلكات ،ونهب حلي النساء و50 بندقية و أكثر من
150 مجلدا من الكتب العلمية و الدينية .
و قد أبعدت لالة فاطمة إلى
زاوية بني سليمان قرب تابلاط تحت مراقبة الباشآغا الطاهر بن محي الدين ،و
بقيت هناك ست سنوات إلى أن وافتها المنية في سبتمبر عام 1863 عن عمر يناهز
33 سنة .
المصدر : منتدى الأحبة
https://dzair54.ahlamontada.net/