لايمكن توصيف ما عليه
الشارع العربي وهو يتابع أحداث ثورة مصر إلا بعودة الروح وعودة الإحساس
بالذات في مواجهة التحديات القاهرة.. فشعوب العرب في مشرقهم ومغربهم وصلت
أمواج الثورة الى حدود قلوبهم فغسلتها من سخائمها وطهرتها من العجز ولعل
البعض لايزال غير مصدق إلى أي حد وصلت هذه الثورة.
- من المعروف أن نظام مبارك خطف مصر اكثر من 30 سنة بعيدا عن انتمائها
وأطرافها العربية الاسلامية على المستوى الرسمي والسياسي ولم يكتف النظام
المصري بأن ألغى دور مصر الإقليمي والدولي والإفريقي وعلى مستوى دول عدم
الانحياز.. فلقد كانت مصر دولة قائدة في المنطقة العربية ومحورية في
افريقيا ورائدة على مستوى دول عدم الانحياز.. وكان الموقف المصري واضحا من
جملة القضايا الإقليمية ليس على طريقة الموقف الصحفي انما الموقف العملي
المادي والمعنوي من اجل مساعدة الأحرار والثوار.. بالفعل كانت العاصمة
القاهرة ملتقى لحركات التحرر وتنفق من اجل التصدي للاستعمار
امكانيات كثيرة .. فكانت الأمة ترتكز إلى قوة موقف مصر
فيما هي تخوض حروبها ضد الاستعمار الأجنبي. - لم يكتف نظام مبارك بإلغاء دور مصر الإقليمي والعربي والدولي، بل استبدل دورها بدور آخر على العكس مما كان عليه
دورها فأصبحت تقوم بمهمات بالنيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية وكانت
تحقق أمنا حقيقيا لإسرائيل، كما تطوعت علنا بالمساهمة في تدمير العراق
ومحاولة إلحاق سوريا بمسلسل التفجير الذاتي، أما بخصوص فلسطين ولبنان، فالموضوع قد شهد تشاركا أمنيا وسياسيا بين النظام المصري والأجهزة الاسرائيلية، استهدفت المقاومة اللبنانية والفلسطينية.. لقد حقق مبارك القطيعة مع الوضع العربي جملة، وأصبح أداة هدم حقيقية كبيرة لمعاقل الصمود العربي. - واستطاعت الثورة المصرية ان تنتج مفاهيم جديدة ومعان ذات قيمة عليا
تخرج العقل العربي من التأزم بعد فشل الحزب العربي والأيديولوجيا التي
تعفنت كتبها وأصبحت عبءا على حركة الشعوب.. ومن جديد أشارت الثورة المصرية
الى القوانين الرئيسية في انتصار الثورات انها الوحدة وترتيب الأولويات
وأن لا يكون هناك شيء أكبر من الثورة، وأن يصنع قادة المسيرة خلالها..
والأهم من كل ذلك، ان تأتي الثورة ضمن سياقها الطبيعي، اي عندما يتم نضج
معطياتها الذاتية والموضوعية.. كل هذه المعاني ترافقت بحسن الإدارة
والانتباه وتحديد الهدف الناضج والتمسك به. - إن العرب في حالة مأساوية على أكثر من صعيد، فأقطارهم تشتعل فتنا، إما
بحرب عدوانية استعمارية بشكل مباشر، كما تفعل امريكا بالعراق، او بإثارة
نعرات انفصالية إجرامية، كما حصل في السودان، او يحصل في اليمن والصومال..
وكثير من الدول العربية مهددة بالانفجار والإنجرار إلى مربعات من التخريب
والتدمير الذاتي.. فيما تستفرد المخابرات الأمريكية بها دولة دولة.. أما
فلسطين، قضية العرب المركزية فهي تعاني من اضمحلال وترنح بعد أن انشطر
الوضع الرسمي الفلسطيني متشظيا بعيدا عن الانشغال بملفات الوضع الفلسطيني
الى محاصصات الأحزاب.. - في هذه الوضعية تصبح عودة مصر الى العرب عبارة عن عودة الروح في
الأمة، فهي التي تمد العرب بالأهمية الدولية للأمة وبتحديد فعلها وتوجيهه
نحو قضاياه الكبيرة.. وهي عندما تعود بهذا الزخم الشعبي وبإرادة شعب ثائر،
ألغى مرحلة الارتهان للعدو التاريخي.. إن مصر وهي تعود الآن، انما
تعيد اللحمة للموقف العربي، وكما انها تكون قد تحررت
فإن العرب ايضا توحدوا بذاتهم. - إن ما نسمعه وما نشاهده عبر شاشات التفلزيون من
نشوة العرب في مشرقهم ومغربهم بما يجري في مصر، حيث
يصار الى تحطيم أكثر الأنظمة العربية ديكتاتورية وارتباطا
بالأجنبي. - إن ثورة مصر حجر كبير في السكون والعجز العربي.. وكل المراقبين
والمتابعين المحليين والدوليين يؤكدون على ان موجاتها الارتدادية ستصل الى
معظم عواصم العرب، فإما ان يغير الحاكم العربي سياساته وسلوكه، وإلا فإن
عصر الشعوب سيغيره، انه لن يتوقف كثيرا أمام المعرقلات والموانع.. - ان ما حصل في مصر زلزال هز أركان الطواغيت في كل
المنطقة، كما انه يعلق الخوف والأرق على رأس
اسرائيل.. إنها ايام الله الرائعات تنفتح صباحاتها على
الأمة..