ما المقصود بحصاد المياه؟ الهطل المطري بعد حصاده طبيعياً في منخفضات بمنطقة مطروح، شمالي مصر، حيث يستخدم لدعم أشجار التين والزيتون. يعتمد حصاد المياه على مبدأ حرمان جزء من الأرض من نصيبها من مياه الأمطار التي عادة ماتكون ضئيلة الكميّة وغير إنتاجية، وإضافتها إلى حصّة أجزاء أخرى من الأرض، الأمر الذي يقرّب كمية المياه المتوافرة للمنطقة الأخيرة من الكمية التي يتطلبها المحصول وبذلك تسمح هذه العملية بإنتاج زراعي اقتصادي. فعلى سبيل المثال، لايمكن لأرض تبلغ مساحتها أربعة هكتارات تقع في منطقة قاحلة تحظى بـ 150 مم من الهطل المطري السنوي أن تنتج محصولاً اقتصادياً. وإذا ماتمت إضافة نصيب نصف هذه المساحة والتي تحظى بهطل مطري يبلغ 150 مم إلى نصف المساحة الأخرى، فإن هذه الأخيرة ستحظى بكمية مياه يبلغ مجملها 300مم. هذه الكميّة قد تكون كافية لدعم محاصيل مقاومة للجفاف. علاوة على ذلك، إذا ما أسهمت ثلاثة هكتارات بكميّة أمطارها لدعم الهكتار المتبقي، فإن هذا الربع سيحظى بكميّة من المياه يبلغ مجملها 600 مم، أي حصّة هذا الربع 150 مم من مياه الأمطار مضاف إليها حصص الهكتارات الثلاثة الأخرى (450 مم). وإذا ما تم توزيع هذه الكميّة بصورة جيدة، فإنها ستكون كافية لدعم طائفة واسعة من المحاصيل. وفي واقع الأمر، لايمكن سوى تحويل جزء من هذه المياه بسهولة وبتكاليف منخفضة. إن عملية تجميع مياه الأمطار هذه يطلق عليها اسم حصاد المياه، وهي عملية تعرف بأنها ''عملية تركيز الهطل بوساطة الجريان والتخزين، لاستخدامه على نحو مفيد.'' لقد قام نظام ''الجسور'' المحلي في تونس، والذي يستخدم الجدران الحجرية، بتزويد أشجار التين والزيتون بكمية كافية من المياه في بيئة شديدة الجفاف لمئات السنين. قد تتم عملية حصاد المياه بصورة طبيعية أو بتدخل العنصر البشري. ويمكن مشاهدة الحصاد الطبيعي للمياه في أعقاب عواصف شديدة، إذ تتدفق المياه إلى المناطق المنخفضة مشكلة مساحات يستثمرها الزرّاع في الزراعة. أما بالنسبة لحصاد المياه بوساطة التدخل البشري فيشمل تحريض الجريان، ومن ثمّ يصار إلى جمعه أو توجيهه، أو كليهما معاً، من أجل استعماله في منطقة مستهدفة. وإضافة إلى استخدام حصاد المياه لأغراض زراعية، يمكن تطويره لتزويد الإنسان والحيوان بمياه الشرب، إلى جانب استخدامه لأغراض منزلية وبيئية. تقنيات تقليدية لقد ارتبط اتخاذ الناس المناطق الجافة موئلاً وزراعتهم للمحاصيل فيها بعملية حصاد المياه. وقد ساعدت جداول المياه الموسمية (الوادي)، والمياه التي يتم جمعها في قرار الأودية والخزانات في دعم مصادر الرزق عند سكان المناطق القاحلة وشبه القاحلة منذ آلاف السنين، وكانت سبباً لفتح الطريق أمام نمو المدن وتطورها. ولاشك في أن ملايين الهكتارات في المناطق الجافة من العالم قد كانت في يوم ما أرضاً مزروعة تعتمد على حصاد المياه، غير أن هذه الممارسة قد أخذت طريقها إلى التضاؤل على نحو مضطرد نتيجةً لأسباب متعددة. أحواض حصاد المياه المحفورة في الجبال الصخرية في البادية، بالقرب من البتراء، جنوبي الأردن، قدمت الدعم للحضارات على مر عدة آلاف من السنين. ولايرقى الشك إلى أهمية منطقة غربي آسيا وشمالي إفريقيا في تطوير التقنيات القديمة لحصاد المياه. ففي جنوبي الأردن، يُعتقد أن المنشآت الأولى لحصاد المياه قد تم عملها منذ مايربو على 9000 سنة خلت. ويظهر بالدليل القاطع أن التقنيات البسيطة لحصاد المياه يعود استخدامها في جنوبي وادي الرافدين إلى عام 4500 قبل الميلاد. وقد تعود الزراعة التي تعتمد على الجريان في صحراء النجف (Negev) إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وفي اليمن ثمّة نظام يعود تاريخه إلى العام 1000 قبل الميلاد على الأقل كان يقوم بتحويل مياه الجريان لري مساحة 20,000 هكتار، تعطي محاصيل من المحتمل أنها قد أطعمت زهاء 300,000 نسمة. وفي جنوبي تهامة، باليمن، تستخدم الزراعة التي تعتمد على مياه الجريان بشكل تقليدي لإنتاج الذرة الرفيعة (السرغوم). أما في بالوخستان، بالباكستان، فقد تم قديماً استخدام نظامي خوشكابا (khushkaba) وسايلابا (sailaba)، اللذين نقدم لهما وصفاً فيما بعد، ولايزالان مستخدمين حتى وقتنا الراهن. وقد كانت تستخدم تقنيات حصاد المياه على نطاق واسع في شمالي إفريقيا حتى في عصور ماقبل الرومان. وكشف خبراء الآثار أن الثروة التي حققتها ''مخازن القمح التابعة للامبراطورية الرومانية'' كانت تعتمد على الزراعة المروية بمياه الجريان. أما في المغرب، فلاتزال طائفة واسعة من تقنيات حصاد المياه تستخدم في المنطقة المقابلة لجبال أطلس. وفي تونس، فإن لنظم حصاد المياه المعروفة باسم المسقاة (meskat)، والجسور (jesour)، والمغود(mgoud)، التي تستخدم المنحدرات والجدران، تاريخاً تقليدياً طويلاً وهي لاتزال إلى اليوم موضع الاستخدام. وفي مصر، فإن الساحل الشمالي الغربي ومناطق شمالي سيناء تتمتع بتاريخ تقليدي طويل في استخدام الخزانات (cisterns) ومياه الجريان في قرار الوادي من أجل الزراعة. فوائد حصاد المياه ثمة فوائد عديدة لحصاد المياه على الصعيد العملي ولاسيما في الظروف التالية: - في البيئات الجافة، حيث يجعل الهطل المطري المتدني والتوزيع السيء له من الزراعة أمراً مستحيلاً. وإذا اعتبرنا أن عوامل الإنتاج الأخرى من قبيل التربة والمحاصيل هي عوامل مواتية، فإن حصاد المياه يجعل من الزراعة أمراً ممكناً رغم الافتقار إلى موارد مائية أخرى. - في المناطق البعلية، حيث يمكن إنتاج المحاصيل، إلا أنها تتسم بتدني غلاّتها مع خطر كبير يهدد بالإخفاق. وهنا يمكن أن تقدم نظم حصاد المياه كميّة كافية من المياه لتكميل الهطل المطري، وبذلك تزيد من الإنتاج وتعمل على استقراره. - في مناطق لاتكفي فيها المياه للاستخدام البشري وإنتاج الحيوانات. إذ يمكن تلبية هذه الاحتياجات من خلال حصاد المياه. - في مناطق قاحلة تعاني من التصحّر، تتضاءل فيها إمكانية الإنتاج على نحو متواصل نتيجة الافتقار إلى الإدارة الملائمة. وإن عملية تزويد هذه الأراضي بالمياه من خلال حصادها يمكن أن تحسن من الغطاء النباتي وتساعد في لجم التدهور البيئي. إن الفوائد المدرجة أعلاه تؤدي بدورها إلى مكاسب أخرى غير ملموسة وغير مباشرة على الصعيد الاجتماعي-الاقتصادي. وتشمل هذه المكاسب استقرار المجتمعات الريفية؛ والتخفيف من هجرة الريفيين إلى المدن؛ استخدام المهارات المحلية وتحسينها؛ وتحسين المستويات المعيشية لملايين من الفقراء الذين يعيشون في مناطق يضربها الجفاف. مكونات نظم حصاد المياه تعتبر المكونات الرئيسة لنظم حصاد المياه كما يلي: منطقة المستجمع المائي: وهي جزء من الأرض يسهم في بعض أو كامل حصته من مياه الأمطار لصالح المنطقة المستهدفة الواقعة خارج حدود ذلك الجزء. ويمكن أن تكون منطقة الجمع صغيرة لاتتجاوز بضعة أمتار مربعة أو كبيرة تصل إلى عدة كيلومترات مربعة. ويمكن أن تكون أرضاً زراعية، أو صخرية، أو هامشية، أو حتى سطح منزل أو طريقاً معبدة. مرفق التخزين: وهو المكان الذي تحتجز فيه المياه الجارية من وقت جمعها وحتى استخدامها. ويمكن أن يكون التخزين في خزانات أرضية أو تحت الأرض مثل الخزانات، أو في التربة ذاتها كرطوبة تربة، أو في مكامن المياه الجوفية. المنطقة المستهدفة: وهي المنطقة التي تستخدم فيها المياه التي جرى حصادها. ففي الإنتاج الزراعي، يتمثل الهدف في النبات أو الحيوان، بينما في الاستخدام المنزلي، فإن احتياجات الإنسان أو المشروع هي الهدف. |