الداعية الشيخ حازم أبو إسماعيل (50 عامًا)، واحد من أبرز نجوم
الفضائيات الدينية، وهو داعية ابن داعية، وعالم ابن عالم؛ فوالده الشيخ
صلاح أبو إسماعيل -رحمه الله- من علماء الأزهر الشريف ودعاته المشهورين.
والشيخ
حازم درس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ويحمل إجازات العلم الشرعي
بمختلف فروعه من كبار علماء الأزهر، وحباه الله بسطة في العلم والجسم،
فانطلق خطيبًا مفوهًا ومحاضرًا مؤثرًا في المساجد والندوات والمؤتمرات،
وظهرت برامجه عبر شاشات الفضائيات.
كما برزت خطبه ودروسه على
شبكة الإنترنت.. "الوعي الإسلامي" التقته لكي تتعرف على رؤيته وتجربته
الدعوية، وعديد من القضايا التي طرحناها عليه.. وإليكم نص الحوار:
**
في البداية نود أن تحدثنا عن النشأة والتكوين الفكري والديني
-
بفضل من الله سبحانه نشأتُ في بيت علم وعمل، فوالدي الشيخ صلاح أبو
إسماعيل -رحمه الله- كان من علماء الأزهر، وأحد أبرز النواب في البرلمان
المصري، في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت
قضيته الأساسية هي المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية في مصر.
وكذلك
كان جدي لوالدتي الشيخ عبد العزيز نور -رحمه الله- أستاذًا في كلية
الشريعة، أما والدتي فقد حصلت على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من
جامعة الأزهر.
وشهدت نشأتي التحولات الحادة سياسيًّا
واجتماعيًّا واقتصاديًّا، بدءًا من حرب 1967م ومرورًا بحرب 1973م وانتهاءً
بمعاهدة السلام أواخر السبعينيات من القرن العشرين، هذه الملامح البارزة في
فترة النشأة والتكوين، إضافة إلى ملمح آخر مهم، وهو ملمح بروز الصحوة
الإسلامية، واحتشاد الملايين من البشر في معظم البلاد العربية والإسلامية
تطالب بالعودة لتعاليم الدين وأحكامه.
كل ذلك وغيره
أوصلني إلى حالة من الشغف العلمي، فلازمت علماء اللغة والفقه والتفسير
والحديث والقراءات، بدفعٍ وتوجيه من والدي رحمه الله، وقضيت مع المجلدات
وأمهات الكتب أوقاتًا كبيرة، كما عايشت الندوات والمؤتمرات والمعسكرات
التربوية بصورة دءوبة بفضل الله.
** كيف كانت
بدايتكم الدعوية؟
- كان بيتنا في مرحلة
النشأة منتدى ثقافيًّا ودعويًّا، وكم سمعت ألوانًا وأنواعًا من أحاديث
الفقه والدعوة، وكان طبيعيًّا ومناسبًا أن أتشبع بذلك الفكر وتلك الثقافة
الدعوية، وكان خليقًا بي أن أتفوق دراسيًّا، وأن أتقن اللغة العربية، وأن
أتحدث في مجالات الدعوة المختلفة. لكن الدعوة ليست كلامًا وتحدثًا، إنما
الدعوة الحقة ممارسة للمبدأ وتطبيقًا له، والتزامًا بالصحبة الصادقة التي
تعين على الحق وتعمل لتحقيقه.
وقد تلقيت تعليمًا مدنيًّا
في المراحل الدراسية المختلفة، وتخرجت في كلية الحقوق بجامعة القاهرة،
وأعمل حاليًا بالمحاماة. وبتوجيه من الوالد -رحمه الله- بدأت في سن مبكرة
أتلقى العلوم الشرعية على يد كبار العلماء، كلٌّ في تخصصه، لمدة 12 سنة.
قانون
تطوير الأزهر
** ولماذا لم يلحقك
الوالد -رحمه الله- بالتعليم الديني الأزهري اختصارًا للطريق؟
-
كانت الحكومة المصرية في ذلك الحين قد أصدرت قانونًا لتطوير الأزهر، رأى
فيه والدي مساسًا بالهدف الذي من أجله أنشئ الأزهر، فأراد أن يتفادى مساوئ
هذا التطوير. وأعتقد أنه قد أحسن صنعًا، حيث كنت أستشعر لذة التفوق في
التعليم العام، كما كنت أتذوق أيضًا لذة التعمق في العلوم الشرعية على يد
المتخصصين من علماء الأزهر الأجلاء، رحمهم الله رحمة واسعة.
**
كيف نحيا بالدعوة ونفعِّلها في حياتنا؟
-
حين نفهم الدعوة على أنها هي الكلام الذي يدعو إلى الالتزام الفردي أو
الاجتماعي بأحكام الإسلام، فهذا خطأ فادح، لكن الدعوة هي حراك كتلة الأمة
المسلمة، من خطوة إلى خطوة متقدمة؛ لإيجاد الإسلام في الواقع إيجادًا
حاكمًا ومهيمنًا. وهكذا كانت دعوة رسولنا الحبيب محمد ، فلم نعرف أن أحدًا
من المسلمين استمع إلى النبي ثم انصرف إلى بيته خاملاً كاسلاً، دون أن
يتحول إلى جزء من كتلة المستجيبين للدعوة المنفذين لتبعاتها.
أقول
ذلك وأؤكده؛ كي لا ننخدع ونشعر بالرضا في حالة الاستجابة الوقتيَّة
للقشور، متوهمين أننا استجبنا للدعوة، بينما نحن في خضم الانصراف عن
مقتضيات الدعوة.
** الدعاة والثنائيات.. مثل
التراث والمعاصرة.. القديم والحديث.. أين ترى موقعهم؟
-
الدعاة في تقديري مطالبون ببذل الجهد الكافي لتجويد ثقافتهم وتعميقها
بالأمور الحياتية؛ حتى يكون كلامهم الدعوي مناسبًا لما عليه واقع وحال
الجماهير، وحتى لا يشعر الناس بأنهم يعيشون في عصر، والدعاة يعيشون في عصر
آخر.
والحل هو تمكن الدعاة من مفردات العصر السياسية
والاجتماعية والاقتصادية، مع الإحاطة بمفاتيح العلوم الشرعية، هذا التوازن
رأيناه في فقهاء وعلماء السلف الصالح، وظهر لنا من خلال كتبهم ومؤلفاتهم.
**
ما السبيل كي تكون خطب الجمعة زادًا إيمانيًّا وحركيًّا للمسلمين في كل
مكان؟
- السبيل أن يتحصل الداعية
-حفظًا وفهمًا- على زاد وفير من العلم والثقافة، هذا الزاد يستدعيه في أي
وقت أراد، لكن -مع الأسف- يتصور البعض أن التحضير الجيد للخطبة أو الحديث
يكفي، أو يمكن أن يقوم مقام الحصيلة العلمية المتنوعة، والخلفية الثقافية
التي يجب أن يتلقاها الداعية في فترة التأسيس والتكوين العلمي.
وهناك
سلبية أخرى أراها متجسدة في الاهتمام والشغف بالجزئيات؛ مما يصرف الخطباء
عن الموضوعات الجادة المصلحة، وتكون النتيجة خطبًا منبرية غير فاعلة وغير
مثمرة.
** أيهما أجدى وأكثر تأثيرًا في تقديرك..
الخطاب الوعظي المباشر أم اللجوء للأعمال الدرامية والفنية الهادفة؟
-
بالعودة إلى أسلوب القرآن الكريم في الإرشاد والهداية والتبليغ، فإنني
أقطع بأن الاعتماد على أحد الأسلوبين دون الآخر خطأ فادح، فالقرآن قد لجأ
إلى أسلوب قصِّ القصص، وإلى أسلوب ضرب الأمثال، كما لجأ إلى الوعظ المباشر
والأوامر الصارمة، حتى في مجال مطالبة الناس باعتناق العقيدة الصحيحة.
وكما
كان رسول الله يستخدم الأسلوب الهادئ المتمهل في الحديث، فقد كان أيضًا
يعلو صوته إذا خطب ويحمرّ وجهه، كأنه منذر بجيش قادم. وروي كذلك أنه -عليه
الصلاة والسلام- قد استخدم الرسوم التوضيحية، وضرب الأمثال؛ لتقريب فكرته
إلى العقول والأفهام، وهذا ما ينبغي أن نستنَّ به.
الدعوة
عبر الإنترنت
** عالم الإنترنت
ساحة دعوية جديدة بحاجة إلى دعاة.. كيف ترى ذلك؟
-
أعتقد أن الأمور التي تأتي بسهولة تزول بسهولة، لكن الذي يتوضأ في بيته،
وينزل قاصدًا المسجد، ثم يظل به حتى يسمع درسًا أو موعظة لا يمكن أن نقارنه
من ناحية التحصيل والتأثر بمن يجلس على فراشه الوثير، مادًّا يديه
مستدعيًا الدرس أو الموعظة من شبكة الإنترنت.
لذلك ستظل
المساجد مصانع لبناء المسلمين الصالحين، وليس معنى كلامي أن نهمل الوسائل
الأخرى، فقد يكون تأثيرها الدعوي شبيهًا بتأثير المساجد في بعض البيئات،
وفي بعض الأوقات.
** من واقع تجربتك الدعوية عبر
الفضائيات.. أيهما أكثر تجاوبًا وتأثرًا، المرأة أم الرجل؟
-
المرأة بالطبع أكثر تفرغًا ومكثًا في المنزل؛ لذا تزداد نسبة مشاهدتها
ومتابعتها لأي مادة إعلامية، سواء كانت إيجابية أم سلبية. ولا أستطيع أن
أدعي أن كثرة المشاهدة هي العبرة والمحك، وإذا سألتني عن التأثير الذي
أستهدفه من برامجي بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد.
فأجيبك
بأنني رأيت من كلا النوعين آيات في شدة الاستجابة والتأثر، أشهد بهذا
وأبشر به، لكن تبقى الفضائيات -في رأيي- أدنى أثرًا من حلقات البيوت ومن
المساجد؛ لأنها تصل إلى الناس من خلال التأثير والاحتكاك المباشر.
**
في رأيك ما الأقرب إلى عالم المدعوين في واقعنا المعاصر.. التلفزيون أم
الإنترنت أم المسجد؟
- في تقديري أن
الأقرب لعالم المدعوين الآن هو جهاز التلفزيون، ثم مع مرور الوقت سيصير
فضاء الإنترنت. أما بالنسبة للصادقين والمخلصين في طلب العلم، فسوف يبقى
الكتاب هو الأساس والمرجع الذي لا يُستغنى عنه. أما الدعوة عن طريق
المساجد، فستبقى الأكثر قبولاً وانتشارًا والأشد تأثيرًا، بشرط رفع القيود
الرسمية المفروضة عليها.
** في فضاء الوطن
العربي كثير من القنوات الدينية ومئات المواقع الإسلامية على الشبكة
العنكبوتية.. فهل استطاعت تغيير السلوكيات والأفكار للأحسن أم لا؟
-
لا بد أن نستوعب أن الفترة الأولى في أي مشروع أو تجربة تحتاج منا إلى
روية وتمهل قبل إصدار الأحكام، وهذا يستدعي منا أن ندع البذور تنمو وتثمر،
حتى يشتد عودها وتسر الناظرين، وحينئذ ننقدها متجردين، فما احتاج إلى الشكر
شكرناه، وما احتاج إلى التصويب صوبناه، وما احتاج إلى الرفض رفضناه.
وبنظرة
إلى القنوات الدينية القائمة حاليًا نجد أن بعضها قد جذب الجماهير جذبًا
كبيرًا، ولكن لم نر في الواقع تأثيرًا مغيرًا للسلوكيات ولا للأخلاقيات، بل
حدث ما يمكن تسميته بـ"التأثير العاطفي" الذي ينشئ مشجعين متعاطفين لا
روادًا فاعلين.
ونظرة أخرى إلى مئات المواقع الإسلامية
الموجودة على شبكة الإنترنت تجعلنا نهيب بالقائمين عليها لمعالجة قضايا
العلم والفكر الإسلامي بمفهوم التخصص، بدلاً من مظاهر الإحاطة والشمول التي
تتسم بها معظم هذه المواقع، مع نتائج لا تخلو من ضعف في المحتوى، أو ضعف
في الإفادة والتأثير. نريد مواقع متخصصة، تعكف على فرع من فروع العلم أو
ركن من أركان الدين، وتكون مرجعًا للباحثين وهداية للحائرين، وتقدم الحق
المبين المبنيّ على البرهان الكافي الأصيل.
الدعاة
القصاصون والوعاظ البكاءون
**
وما أبرز ملاحظاتك على برامج الدعاة الفضائية؟
-
المشكلة لا تكمن في الدعاة، وإنما تكمن فيمن بيدهم سلطة انتقاء الدعاة،
وهم أصحاب القنوات الفضائية، فبعضهم أو أكثرهم يميل كل الميل إلى من يتحدث
عن الغيبيات، والحكايات التي تدغدغ مشاعر وعواطف المشاهدين، وهذا يأتي على
حساب قضايا حيوية مهمَّة يحتاج إليها الناس وتحتاج إليها أوطانهم.
طبيعي
أن يوجد الدعاة القصاصون والوعاظ البكاءون، بل لا بد من وجودهم، ولا يمكن
أن يُستغنى عن تخصصهم، لكن المشكلة أن يطغوا على المشهد العام، ويتم
اختيارهم دون غيرهم، وتخلى لهم الساحة الدعوية.
أضف إلى
ذلك أن الطرح الحقيقي للدعوة الصحيحة فيه قدر من المواجهة مع السلطة أو مع
الواقع، وهو ما يسعى مُلاَّك هذه المحطات إلى تجنبه، راضين أو مرغمين، ومع
مرور الوقت وتواصل هذا النهج الذي يكتم بعض الكتاب ويظهر بعضه الآخر، تصبح
الدعوة مع -الأسف الشديد- كالكائن المشوّه الذي لا يُرجى شفاؤه.
أجرى
الحوار: بدر محمد بدر
المصدر:
مجلة الوعي الإسلامي، عدد (551)، يونيو- يوليو 2011م
الفضائيات الدينية، وهو داعية ابن داعية، وعالم ابن عالم؛ فوالده الشيخ
صلاح أبو إسماعيل -رحمه الله- من علماء الأزهر الشريف ودعاته المشهورين.
والشيخ
حازم درس في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ويحمل إجازات العلم الشرعي
بمختلف فروعه من كبار علماء الأزهر، وحباه الله بسطة في العلم والجسم،
فانطلق خطيبًا مفوهًا ومحاضرًا مؤثرًا في المساجد والندوات والمؤتمرات،
وظهرت برامجه عبر شاشات الفضائيات.
كما برزت خطبه ودروسه على
شبكة الإنترنت.. "الوعي الإسلامي" التقته لكي تتعرف على رؤيته وتجربته
الدعوية، وعديد من القضايا التي طرحناها عليه.. وإليكم نص الحوار:
**
في البداية نود أن تحدثنا عن النشأة والتكوين الفكري والديني
-
بفضل من الله سبحانه نشأتُ في بيت علم وعمل، فوالدي الشيخ صلاح أبو
إسماعيل -رحمه الله- كان من علماء الأزهر، وأحد أبرز النواب في البرلمان
المصري، في فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت
قضيته الأساسية هي المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية في مصر.
وكذلك
كان جدي لوالدتي الشيخ عبد العزيز نور -رحمه الله- أستاذًا في كلية
الشريعة، أما والدتي فقد حصلت على الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من
جامعة الأزهر.
وشهدت نشأتي التحولات الحادة سياسيًّا
واجتماعيًّا واقتصاديًّا، بدءًا من حرب 1967م ومرورًا بحرب 1973م وانتهاءً
بمعاهدة السلام أواخر السبعينيات من القرن العشرين، هذه الملامح البارزة في
فترة النشأة والتكوين، إضافة إلى ملمح آخر مهم، وهو ملمح بروز الصحوة
الإسلامية، واحتشاد الملايين من البشر في معظم البلاد العربية والإسلامية
تطالب بالعودة لتعاليم الدين وأحكامه.
كل ذلك وغيره
أوصلني إلى حالة من الشغف العلمي، فلازمت علماء اللغة والفقه والتفسير
والحديث والقراءات، بدفعٍ وتوجيه من والدي رحمه الله، وقضيت مع المجلدات
وأمهات الكتب أوقاتًا كبيرة، كما عايشت الندوات والمؤتمرات والمعسكرات
التربوية بصورة دءوبة بفضل الله.
** كيف كانت
بدايتكم الدعوية؟
- كان بيتنا في مرحلة
النشأة منتدى ثقافيًّا ودعويًّا، وكم سمعت ألوانًا وأنواعًا من أحاديث
الفقه والدعوة، وكان طبيعيًّا ومناسبًا أن أتشبع بذلك الفكر وتلك الثقافة
الدعوية، وكان خليقًا بي أن أتفوق دراسيًّا، وأن أتقن اللغة العربية، وأن
أتحدث في مجالات الدعوة المختلفة. لكن الدعوة ليست كلامًا وتحدثًا، إنما
الدعوة الحقة ممارسة للمبدأ وتطبيقًا له، والتزامًا بالصحبة الصادقة التي
تعين على الحق وتعمل لتحقيقه.
وقد تلقيت تعليمًا مدنيًّا
في المراحل الدراسية المختلفة، وتخرجت في كلية الحقوق بجامعة القاهرة،
وأعمل حاليًا بالمحاماة. وبتوجيه من الوالد -رحمه الله- بدأت في سن مبكرة
أتلقى العلوم الشرعية على يد كبار العلماء، كلٌّ في تخصصه، لمدة 12 سنة.
قانون
تطوير الأزهر
** ولماذا لم يلحقك
الوالد -رحمه الله- بالتعليم الديني الأزهري اختصارًا للطريق؟
-
كانت الحكومة المصرية في ذلك الحين قد أصدرت قانونًا لتطوير الأزهر، رأى
فيه والدي مساسًا بالهدف الذي من أجله أنشئ الأزهر، فأراد أن يتفادى مساوئ
هذا التطوير. وأعتقد أنه قد أحسن صنعًا، حيث كنت أستشعر لذة التفوق في
التعليم العام، كما كنت أتذوق أيضًا لذة التعمق في العلوم الشرعية على يد
المتخصصين من علماء الأزهر الأجلاء، رحمهم الله رحمة واسعة.
**
كيف نحيا بالدعوة ونفعِّلها في حياتنا؟
-
حين نفهم الدعوة على أنها هي الكلام الذي يدعو إلى الالتزام الفردي أو
الاجتماعي بأحكام الإسلام، فهذا خطأ فادح، لكن الدعوة هي حراك كتلة الأمة
المسلمة، من خطوة إلى خطوة متقدمة؛ لإيجاد الإسلام في الواقع إيجادًا
حاكمًا ومهيمنًا. وهكذا كانت دعوة رسولنا الحبيب محمد ، فلم نعرف أن أحدًا
من المسلمين استمع إلى النبي ثم انصرف إلى بيته خاملاً كاسلاً، دون أن
يتحول إلى جزء من كتلة المستجيبين للدعوة المنفذين لتبعاتها.
أقول
ذلك وأؤكده؛ كي لا ننخدع ونشعر بالرضا في حالة الاستجابة الوقتيَّة
للقشور، متوهمين أننا استجبنا للدعوة، بينما نحن في خضم الانصراف عن
مقتضيات الدعوة.
** الدعاة والثنائيات.. مثل
التراث والمعاصرة.. القديم والحديث.. أين ترى موقعهم؟
-
الدعاة في تقديري مطالبون ببذل الجهد الكافي لتجويد ثقافتهم وتعميقها
بالأمور الحياتية؛ حتى يكون كلامهم الدعوي مناسبًا لما عليه واقع وحال
الجماهير، وحتى لا يشعر الناس بأنهم يعيشون في عصر، والدعاة يعيشون في عصر
آخر.
والحل هو تمكن الدعاة من مفردات العصر السياسية
والاجتماعية والاقتصادية، مع الإحاطة بمفاتيح العلوم الشرعية، هذا التوازن
رأيناه في فقهاء وعلماء السلف الصالح، وظهر لنا من خلال كتبهم ومؤلفاتهم.
**
ما السبيل كي تكون خطب الجمعة زادًا إيمانيًّا وحركيًّا للمسلمين في كل
مكان؟
- السبيل أن يتحصل الداعية
-حفظًا وفهمًا- على زاد وفير من العلم والثقافة، هذا الزاد يستدعيه في أي
وقت أراد، لكن -مع الأسف- يتصور البعض أن التحضير الجيد للخطبة أو الحديث
يكفي، أو يمكن أن يقوم مقام الحصيلة العلمية المتنوعة، والخلفية الثقافية
التي يجب أن يتلقاها الداعية في فترة التأسيس والتكوين العلمي.
وهناك
سلبية أخرى أراها متجسدة في الاهتمام والشغف بالجزئيات؛ مما يصرف الخطباء
عن الموضوعات الجادة المصلحة، وتكون النتيجة خطبًا منبرية غير فاعلة وغير
مثمرة.
** أيهما أجدى وأكثر تأثيرًا في تقديرك..
الخطاب الوعظي المباشر أم اللجوء للأعمال الدرامية والفنية الهادفة؟
-
بالعودة إلى أسلوب القرآن الكريم في الإرشاد والهداية والتبليغ، فإنني
أقطع بأن الاعتماد على أحد الأسلوبين دون الآخر خطأ فادح، فالقرآن قد لجأ
إلى أسلوب قصِّ القصص، وإلى أسلوب ضرب الأمثال، كما لجأ إلى الوعظ المباشر
والأوامر الصارمة، حتى في مجال مطالبة الناس باعتناق العقيدة الصحيحة.
وكما
كان رسول الله يستخدم الأسلوب الهادئ المتمهل في الحديث، فقد كان أيضًا
يعلو صوته إذا خطب ويحمرّ وجهه، كأنه منذر بجيش قادم. وروي كذلك أنه -عليه
الصلاة والسلام- قد استخدم الرسوم التوضيحية، وضرب الأمثال؛ لتقريب فكرته
إلى العقول والأفهام، وهذا ما ينبغي أن نستنَّ به.
الدعوة
عبر الإنترنت
** عالم الإنترنت
ساحة دعوية جديدة بحاجة إلى دعاة.. كيف ترى ذلك؟
-
أعتقد أن الأمور التي تأتي بسهولة تزول بسهولة، لكن الذي يتوضأ في بيته،
وينزل قاصدًا المسجد، ثم يظل به حتى يسمع درسًا أو موعظة لا يمكن أن نقارنه
من ناحية التحصيل والتأثر بمن يجلس على فراشه الوثير، مادًّا يديه
مستدعيًا الدرس أو الموعظة من شبكة الإنترنت.
لذلك ستظل
المساجد مصانع لبناء المسلمين الصالحين، وليس معنى كلامي أن نهمل الوسائل
الأخرى، فقد يكون تأثيرها الدعوي شبيهًا بتأثير المساجد في بعض البيئات،
وفي بعض الأوقات.
** من واقع تجربتك الدعوية عبر
الفضائيات.. أيهما أكثر تجاوبًا وتأثرًا، المرأة أم الرجل؟
-
المرأة بالطبع أكثر تفرغًا ومكثًا في المنزل؛ لذا تزداد نسبة مشاهدتها
ومتابعتها لأي مادة إعلامية، سواء كانت إيجابية أم سلبية. ولا أستطيع أن
أدعي أن كثرة المشاهدة هي العبرة والمحك، وإذا سألتني عن التأثير الذي
أستهدفه من برامجي بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد.
فأجيبك
بأنني رأيت من كلا النوعين آيات في شدة الاستجابة والتأثر، أشهد بهذا
وأبشر به، لكن تبقى الفضائيات -في رأيي- أدنى أثرًا من حلقات البيوت ومن
المساجد؛ لأنها تصل إلى الناس من خلال التأثير والاحتكاك المباشر.
**
في رأيك ما الأقرب إلى عالم المدعوين في واقعنا المعاصر.. التلفزيون أم
الإنترنت أم المسجد؟
- في تقديري أن
الأقرب لعالم المدعوين الآن هو جهاز التلفزيون، ثم مع مرور الوقت سيصير
فضاء الإنترنت. أما بالنسبة للصادقين والمخلصين في طلب العلم، فسوف يبقى
الكتاب هو الأساس والمرجع الذي لا يُستغنى عنه. أما الدعوة عن طريق
المساجد، فستبقى الأكثر قبولاً وانتشارًا والأشد تأثيرًا، بشرط رفع القيود
الرسمية المفروضة عليها.
** في فضاء الوطن
العربي كثير من القنوات الدينية ومئات المواقع الإسلامية على الشبكة
العنكبوتية.. فهل استطاعت تغيير السلوكيات والأفكار للأحسن أم لا؟
-
لا بد أن نستوعب أن الفترة الأولى في أي مشروع أو تجربة تحتاج منا إلى
روية وتمهل قبل إصدار الأحكام، وهذا يستدعي منا أن ندع البذور تنمو وتثمر،
حتى يشتد عودها وتسر الناظرين، وحينئذ ننقدها متجردين، فما احتاج إلى الشكر
شكرناه، وما احتاج إلى التصويب صوبناه، وما احتاج إلى الرفض رفضناه.
وبنظرة
إلى القنوات الدينية القائمة حاليًا نجد أن بعضها قد جذب الجماهير جذبًا
كبيرًا، ولكن لم نر في الواقع تأثيرًا مغيرًا للسلوكيات ولا للأخلاقيات، بل
حدث ما يمكن تسميته بـ"التأثير العاطفي" الذي ينشئ مشجعين متعاطفين لا
روادًا فاعلين.
ونظرة أخرى إلى مئات المواقع الإسلامية
الموجودة على شبكة الإنترنت تجعلنا نهيب بالقائمين عليها لمعالجة قضايا
العلم والفكر الإسلامي بمفهوم التخصص، بدلاً من مظاهر الإحاطة والشمول التي
تتسم بها معظم هذه المواقع، مع نتائج لا تخلو من ضعف في المحتوى، أو ضعف
في الإفادة والتأثير. نريد مواقع متخصصة، تعكف على فرع من فروع العلم أو
ركن من أركان الدين، وتكون مرجعًا للباحثين وهداية للحائرين، وتقدم الحق
المبين المبنيّ على البرهان الكافي الأصيل.
الدعاة
القصاصون والوعاظ البكاءون
**
وما أبرز ملاحظاتك على برامج الدعاة الفضائية؟
-
المشكلة لا تكمن في الدعاة، وإنما تكمن فيمن بيدهم سلطة انتقاء الدعاة،
وهم أصحاب القنوات الفضائية، فبعضهم أو أكثرهم يميل كل الميل إلى من يتحدث
عن الغيبيات، والحكايات التي تدغدغ مشاعر وعواطف المشاهدين، وهذا يأتي على
حساب قضايا حيوية مهمَّة يحتاج إليها الناس وتحتاج إليها أوطانهم.
طبيعي
أن يوجد الدعاة القصاصون والوعاظ البكاءون، بل لا بد من وجودهم، ولا يمكن
أن يُستغنى عن تخصصهم، لكن المشكلة أن يطغوا على المشهد العام، ويتم
اختيارهم دون غيرهم، وتخلى لهم الساحة الدعوية.
أضف إلى
ذلك أن الطرح الحقيقي للدعوة الصحيحة فيه قدر من المواجهة مع السلطة أو مع
الواقع، وهو ما يسعى مُلاَّك هذه المحطات إلى تجنبه، راضين أو مرغمين، ومع
مرور الوقت وتواصل هذا النهج الذي يكتم بعض الكتاب ويظهر بعضه الآخر، تصبح
الدعوة مع -الأسف الشديد- كالكائن المشوّه الذي لا يُرجى شفاؤه.
أجرى
الحوار: بدر محمد بدر
المصدر:
مجلة الوعي الإسلامي، عدد (551)، يونيو- يوليو 2011م