حاول الإنسان منذ قديم الأزل أن يفسر الضوء وسرعته
ومصادره، فنجد أن أقليدس اقترح نظرية الإشعاع في
الإبصار، والتي تقول أن الضوء ينبعث من العين، بدلا من
دخوله العين من مصدر آخر. وكانت الاستنتاجات وقتها
باستخدام هذه النظرية، بأن للضوء سرعة وهي غير محدودة،
لأن الأجرام البعيدة كالنجوم تظهر فوراً بمجرد أن نفتح
أعيننا. وظلت تلك الأفكار متداولة حتى شرح ابن الهيثم
فهمه للضوء في كتابه المناظر، والذي أوضح أن الأجسام
هي من تبعث أو تعكس الضوء والعين هي من تتلقاه
وتترجمه، الأمر الذي أدى بابن الهيثم لأن يقترح أن
الضوء له سرعة محددة، وأن تلك السرعة تتغير طبقا للوسط
التي تمر فيه، فهي تنقص في الأجسام الأكثر كثافة، وقد
أوضح أن الضوء هو مادة محسوسة يتطلب انتشارها وقتاً
حتى لو كان مخفياً عن حواسنا. وجاء بعده العالم أبو
الريحان البيروني والذي دعم رأي ابن الهيثم في أن
الضوء له سرعة محددة ولاحظ أن سرعة الضوء تكون أعلى من
سرعة الصوت. ووافق الفلكي العثماني تقي الدين بن معروف
مع ابن الهيثم في أن سرعة الضوء ثابتة، ولكنها تتغير
في الأجسام الأكثف، واقترح أن الضوء يستغرق وقتاً
طويلاً للوصول من النجوم التي تبعد ملايين الكيلومترات
ليصل الأرض.
وكانت أيضا نظرية نيوتن الذي حاول تفسير الضوء على
أساس ميكانيكي بحت. فقد افترض نيوتن أن الضوء عبارة عن
جسيمات بالغة الدقة تسير في خطوط مستقيمة ما لم
يعترضها جسم ما، لكن سرعان ما اكتشفت ظواهر جديدة
تناقض الفكرة الجسيمية للضوء، هذا دفع عالم أخر هو
كريستيان هوجنس
Christian Huygens
إلى إيجاد تفسير أخر وهو أن الضوء عبارة عن أمواج
تنتشر في الفضاء بحيث تصبح كل نقطة من صدر الموجة هي
منبع لموجة أخرى وهكذا. وجاء التفسير الذي وضح طبيعة
الضوء على يد العالم الألماني ماكس بلانك والذي يعود
له الفضل في اكتشاف حقيقة الضوء، والتي تبين أنها تحمل
كلا الخاصيتين الموجية والجسيمية . والذي كان أول من
ارتأى أن الضوء ليس موجي الطبيعة فقط ولا جسيمي
الطبيعة فقط بل إن له خصائص الطبيعيتين. وقام اينشتاين
فيما بعد بتوسيع تلك النظرية واعتبر أن انعكاس الضوء
وانكساره وحيوده هي مظاهر تدل على طبيعة الضوء الموجية
بترددات وأطوال موحية مثل أمواج الصوت. وما يكتسبه من
طبيعة جسيميه هي ظاهرة ابتعاث الذرات وامتصاصها للضوء
مما يدل على أنها دفق من الجسيمات أطلق عليها اينشتاين
اسم الفوتونات.
تعريف الضوء
الضوء هو عبارة عن إشعاع كهرومغناطيسي، له طول موجي،
وتعرف هذه الموجات من خلال عدة تعريفات فيزيائية
كارتفاع الموجة وطول الموجة (طول الموجة هو المسافة
الفاصلة بين قمتين متتاليتين)، اللون الأبيض هو مزيج
من كل ألوان الطيف بينما اللون الأسود هو غياب كامل
للضوء، ويمكن للعين البشرية أن تستطيع رؤية الأجسام
غير الشفافة من خلال انعكاس الضوء عليها. والذي تراه
العين البشرية هو الضوء الذي يقع طول موجته بين نحو
750 نانومتر (وهو الضوء الأحمر) و370 نانومتر (وهو
الضوء البنفسجي)، والعين قادرة كذلك على التمييز بين
الألوان المختلفة المكونة للضوء العادي حيث لكل لون
خواص مختلفة عن اللون الآخر وتقع ضمن حدود أطوال
الموجات التي ذكرناها وهما حدود الإحساس بالرؤية، أما
أطوال الموجات الأقصر أو الأعلى من ذلك لا نستطيع
رؤيتها بالعين المجردة ونحتاج إلى أجهزة معينة كي
نستطيع الاستدلال عليها، مثل الأشعة تحت البنفسجية أو
فوق الحمراء أو أشعة جاما أو الأشعة السينية أو مثلاً
الموجات المخصصة للراديو وغيرها.
سرعة الضوء
السرعة الدقيقة للضوء هي 299,792,458 متر في الثانية
(1,079,252,848.8 كيلومتر في الساعة) في الفراغ. وعند
عبور الضوء خلال مواد شفافة مثل الزجاج أو الهواء تقل
سرعته، وتختلف سرعة الضوء خلال مروره في المواد حسب
طبيعة شفافيتها وتصبح اقل من تلك المحسوبة في الفراغ،
والنسبة بين سرعة الضوء في الفراغ وسرعته خلال مادة
تسمى معامل الانكسار. كذلك تتغير سرعة الضوء بتأثير
الجاذبية ما يولد ظاهرة عدسات الجاذبية.
زرقة السماء
من المعروف أن سماء الأرض ليست طبقة بحد ذاتها، وإنما
هي ناتجة عن الغلاف الجوي الذي يحيط بها، والذي بدوره
يتألف من جزيئات من خليط من غازات مختلفة وبأحجام
مختلفة والعوالق الجوية من أتربة وأغبره وأبخرة ورمال
عالقة، وعندما يصدم الضوء بالجزيئات التي هي أكبر من
طول موجة الضوء ينعكس الضوء في جميع الاتجاهات ولهذا
تعكس جزيئات الماء في الغيوم مثلاً كل ألوان الطيف نحو
عيوننا فنرى الغيوم بيضاء، وإذا أصطدم الضوء بجزيئات
أصغر من طول الموجة مثل الأوكسجين، يحدث للضوء تشتت،
وبسبب وجود كميات كبيرة من الجزيئات الصغيرة، وحيث أن
التشتت يرتبط بطول الموجة، وكذلك أن اللون الأزرق
يتشتت بحوالي تسع مرات أكثر من اللون الأحمر، وبسبب
هذا التشتت للون الأزرق أكثر من غيره، تظهر لنا السماء
(أو بالأدق الغلاف الجوي) زرقاء. لذا فإن الضوء الأزرق
الناتج من الانعكاس على الجزيئات الصغيرة يتجه بكمية
اكبر من الألوان الأخرى إلى أعيننا وبذلك نرى السماء
زرقاء. عدا في الشروق والغروب حيث يشاهد الشفق الأحمر
صباحا ومساء نتيجة مرور الأشعة الشمسية بطبقات الغلاف
الجوي الملوثة القريبة من الأفق، الأمر الذي يزيد من
تشتت الموجات الضوئية ولا يصلنا من الشمس إلا الموجات
الحمراء، فيبدو لذلك قرص الشمس والسماء حولها مائلا
للاحمرار، ولو كنا على القمر مثلا، وحيث انه لا وجود
لغلاف جوي يحيط به، لبدت السماء سوداء دائما سواء في
الليل أو وفي النهار.
الضوء في الفضاء (عن
كتاب منظومة الكون الأعظم في المكان والزمان للدكتور
أحمد محمد عوف)
يسير الضوء في خط مستقيم في الفراغ، لكنه وعندما يمر
بجوار ثقب أسود ينحرف عن مساره بزاوية أكبر من انحرافه
عندما يمر قرب حافة نجم، لأن شدة جاذبية الثقب الأسود
أضعاف شدة جاذبية النجوم، ولو مر جسم كروي قرب حقل
جاذبية ثقب أسود فإنه يصبح جسما ممطوطا وتحديد عمر
كوننا يعتمد علي مسارات الضوء في الماضي مع افتراض أن
مساراته في خطوط مستقيمة ثابتة وخالية لا يعترضها شيء
.
إلا أن الضوء كطبيعته يخضع للانعكاس والانكسار عندما
يقع علي جرم عاكس له كالمرآة، فالأضواء التي تنبعث من
النجوم سوف تتعرض إلي الانعكاسات الضوئية عندما
تقابلها أجرام أخري أشبه بضوء الشمس عندما يقع علي سطح
القمر فيضيء لأنه مرآة عاكسة، كما أن الضوء يمر
بكثافات مختلفة لمواد وغبار كوني منتشر بالكون يشتته.
لهذا الضوء في الفضاء والمنبعث من النجوم لا يسير في
خط مستقيم ولكنه سيسير في خطوط انعكاسية وإنكسارية مما
قد يطيل مسافاته مما لا يعطينا المسافات والزمن الكوني
بدقة. لهذا نجد أن المعطيات حول قياسات أو أبعاد الكون
أو الزمن التقديري لعمره اعتمادا علي الضوء المنبعث من
النجوم القديمة ستكون معلومات غير دقيقة وغير حقيقة.
وحسب قوانين الانعكاس والانكسار الضوئي نجد أننا لا
نري النجوم والأجسام الفضائية في مواقعها الحقيقية .
لأن صورة السماء كما نراها فوقنا صورة مرآتيه داخل كرة
الكون ولا
يمكن تحديد مراكز الأجرام بها.
وعندما نتطلع للسماء من فوق الأرض، فإننا نعتبرها
تجاوزا مركز الكون ومنها نقيس أبعاد ومسافات المجرات،
وما نقيسه ليس قطر الكون في كل اتجاه بالنسبة لموقعنا
علي الأرض التي تعتبر بالنسبة لحجم الكون ذرة غبار
متناهية فيه أطلقنا عليها كوكب الأرض وتدور حول الشمس
وتقع في أقصي جزء من مجرتنا المظلمة، والضوء يسير في
الفراغ بسرعة 300 ألف كيلومتر /ثانية، ولقد أستطاع
العلماء تجميد الضوء بإمرار نبضات ضوئية خلال سحب
متناهية من الغازات درجة حرارتها تقترب من الصفر
المطلق. ويمكن لجليد الغازات الاحتفاظ بالنبضات
الضوئية لإعادة إرسالها مرة ثانية. لهذا نجد أن
العلماء أمكنهم تحضير الضوء المتباطئ أو المتجمد. كما
توجد مواد عادية تبطئ سرعة الضوء. فالماء عندما يمر به
الضوء يخفض سرعته 75%من سرعته في الفراغ (الخواء).
وهذه النظرية تبين أيضا أن النبضات الضوئية عندما تمر
بوسط بارد تبطئ في سيرها وعندما تمر بوسط حار تسرع في
سيرها وتتسارع مع ازدياد معدل الحرارة. لهذا يمكن أن
تنطبق هذه الحالات علي الضوء عندما يمر بالفضاء.
كما أن هذه الفرضية تبين أن الضوء كان سريعا بعد
الانفجار الكبير بالكون ثم أخذ يتباطأ مع برودته. لهذا
لا يمكن اعتبار حسابات أينشتين عن سرعة الضوء كشيء
مطلق أو سرعته ثابتة (300 ألف كيلومتر ثانية) إلا لو
كان الضوء يمر في فراغ مفرغ من الغازات تماما حتى لا
تكون له حرارة تؤثر عليه. لهذا لا تطبق نسبية أينشتين
علي كوننا الذي تتعدد فيه الحرارة ولكن علي كون خوائي
لا حرارة فيه. وهذا الكون لا وجود له إلا في نظرية
النسبية فقط . لهذا نجد أن قياس عمر الكون حسب سرعة
الضوء والمسافات التي قطعها ليست مؤشرا دقيقا لتحديد
عمر الأجرام التي نراها. لأن الضوء حسب قوانين
الفيزياء يتعرض في رحلته المديدة لمفهوم الحرارة
والبرودة والانعكاس والانكسار. كما أن الصور التي قد
نراها قد تكون صورا مرآتيه. لهذا مقاييس الكون بما فيه
ليست مقاييس حقيقة أو واقعية للمسافات أو السرعة أو
الزمن. وقد يكون الضوء القادم إلينا قد تجمد في سحابة
باردة أو تباطأ في سيره لبرودتها أو ظل متجمدا أو
انتقل معها وأعادت إرساله من مكانها الجديد لو انتقلت
السحابة لمنطقة دافئة لمواصلة سيره بالفضاء. لهذا نجد
أن الضوء يتباطأ ويتسارع أثناء رحلته بالفضاء حسب
كيفية الوسط الذي يسير به ودرجة حرارته.
فإذا كان الكون في بدايته ساخنا جدا بسبب الفوتونات
إلا أنه حاليا حرارته محدودة فوق الصفر المطلق .وخلال
الساعات الأولي المعدودة أنتج الهليوم والعناصر
الأخرى. وأخذت الإلكترونات والأنوية تفقد طاقتها.
لتتحد معا مكونة الذرات بينما الكون يتمدد ويبرد.
والمناطق التي أصبحت أكثر كثافة من المتوسط فإن سرعة
تمددها تقل بسبب تزايد قوة الجاذبية. مما يسفر عنه
توقف التمدد في بعض المناطق بالكون مما يجعلها تتقلص
ثانية. وخارج هذه المناطق .. فإن قوة الجاذبية تجعل
هذه المناطق المحيطة تبدأ في الدوران مما أظهر المجرات
الدوارة التي تشبه القرص . أما المناطق التي لا يحدث
بها الدوران فيصبح شكلها بيضاويا ويطلق عليها المجرات
البيضاوية.
عن كتاب منظومة ( الكون الأعظم) في المكان والزمان
دكتور أحمد محمد عوف