هكذا هي دائما حياة الشهداء، أجساد على الأرض وأرواح تحلق في السماء، ودماء ترسم خارطة الوطن قائلة للأجيال :"اياكم والتفريط بذرة تراب واحدة منه".
ترتسم بين مقلتيك معاني الشموخ وأنت تدخل الى مطعم فلسطين وسط مدينة جنين حيث صورة جدارية كتب عليها الاستشهادي البطل عز الدين المصري منفذ عملية سبارو بتاريخ 9-8-2001 ثأرا لشهداء جبل النار ..
صورة تذكر بعمله في هذا المطعم .. وتذكر بعمليته التي حصلت في مطعم لكي تكون عمليته المييزة على طريقته الخاصة في تقديم ما هو مناسب للزبائن ..
المولد والنشأة ..
ولد الاستشهادي البطل عز الدين شهيل المصري في قرية عقابا في محافظة جنين في السابع عشر من اب لعام 1979م، لأسرة متدنية مأتومة، نشأ وترعرع على حب الدين وأهله، واعتاد على ارتياد المساجد، والقيام بالنوافل من صيام وزيارة للأرحام والدعوة الى الله على بصيرة.
ترك الدراسة في مرحلة مبكرة ليساعد والده واخوانه في المطعم الذي يعد مصدر رزق العائلة.. وشارك في أحداث الانتفاضة الأولى حيث القاء الحجارة على سيارات الجيب الصهيونية ولكن بسرية تامة لا يعلم بها أحد وكان يستعد للالتحاق بكتائب الشهيد عز الدين القسام.
عمله وجهاده ..
بدأ عز الدين العمل في مطعم والده يوصل الطلبات الى الزبائن ما كان يراه أحد الا ويحبه، كيف لا يكون ذلك وهو صاحب الابتسامة التي لا تفارق محياه راسمة مشاعر المحبة لأبناء شعبه وأمته, حيث تعرف على شباب كثر خلال عمله في السوق.
ويوما بعد يوم تزداد الانتفاضة وتشتد ضراوتها، واذا بالكثير ممن يعرفهم يسقط بين شهيد وجريح ومعتقل، وكل حدث تحمله الانتفاضة يزيد عز الدين اصرارا على الوفاء لدماء الشهداء وآهات الثكالى والجرحى، ويزداد في قلبه الانتقام من محتل قتل وشرد واسر.
رحلته مع المخابرات ..
في أحد أيام عام (1999)م كان عز الدين على موعد مع المخابرات الإسرائيلية وذلك بطلب منهم عبر تبيلغ أوصلوه الى بيته ، فما كان من عز الدين الى ان ذهب للمقابلة في معسكر سالم الصهيوني حاملا بين يديه نفسا أبية وروحا متعلقة بخالقها لا يخاف في الله لومة لائم .
وهناك بدأ التحقيق.. أنت عضو في حركة حماس وتقوم بنشاطات معادية للدولة ، فما كان من عز الدين الا أن أنكر ذلك .. وبدأت عمليات الترهيب والترغيب، ترهيب بالسجن والقهر والتعذيب ولكن البطل الحر لم يأبه بذلك أبدا، بل بدا كالجبل الشامخ الأشم.
وتبدأ جولات أخرى من الترغيب، تعامل معنا, ولك دراجة جديدة تخدمك أكثر في عملك وتوزيع الطلبات، تعامل معنا ولك محل خاص بك .. ولكن ذلك كله لم يهز ولو شعرة واحدة من البطل، بل صرخ في وجه المحتل الغاصب والله لو اعطيتني مال الدنيا كله على أن أتعامل معكم، ما فعلت وما حلمتم بذلك أبداً، فافعلوا ما شئتم فلن اكون خائنا لديني وامتي ابدا باذن الله تعالى .. وخرج البطل شامخاً رافعاً رأسه في السماء.
رحلته الجهادية ..
التحق عز الدين بكتائب الشهيد عز الدين القسام على يد القائد القسامي المهندس قيس عدوان أبو جبل, وبدأ العمل بسرية تامة ..
وبتاريخ الحادي والثلاثين من تموز لعام 2001م كانت فلسطين على موعد مع مجزرة بحق قادة عظام وشهداء كرام ... انه موعد ارتقاء الجمالين ورفاقهما والطفلين الى حور الجنان.
وبدأت الكتائب تستعد للانتقام، فالمصاب جلل، والفاجعة بالشيخين عظيمة وبدأ الاستشهاديون بالتجهز للصعود الى الحور العين وكان من ضمنهم عز الدين المصري .. ليحقق أمنيته التي طالما رددها عندما كان يجيب مع من يعرض عليه الزواج .. الحور العين أفضل من هذا كله.
وبدأت الأيام تمضي بخطى ثقيلة متباطئة حتى كان يوم التاسع من آب لعام (2001)م .. وبدأت عقارب الساعة تدور وتتسارع ساعة تلو أخرى حتى كانت تشير الى ساعات المساء، ولا أحد يدري ماذا كان يخبئ القدر في تلك الساعات.
لقد كانت ساعات الرد .. كانت لحظات الزلزال المدمر، انه وقت الثأر للشهداء .. وقت الانتقام من عدو لم يفرق بين شيخ مسن ولا طفل رضيع .. واذا بانفجار يهز مطعم سبارو في مدينة القدس المحتلة .. انها عملية استشهادية وعشرات من القتلى والجرحى.
حالة استنفار وفزع يعيشها الكيان الغاصب، وتبدأ التقديرات بالخروج تباعاً، أكثر من عشرين قتيل وأكثر من مئة وعشرين جريحا.
وقد استقبلت جنين الخبر بمظاهرات ومسيرات خرجت تبارك هذه العملية النوعية التي أثلجت صدور قوم مؤمنين ..عام أعقب ذلك أقدمت قوات الاحتلال على هدم منزل العائلة في بلدة عقابا .. حيث تعرضت العائلة الى الكثير من المضايقات من منع للسفر ودهم مستمر للمنزل .. ولكن العناء يزول وتبقى الذكرى ..
وهكذا كانت الحكاية، حكاية الثأر للقادة العظماء والسادة الشهداء، حكاية المقاومة في وجه محتل دخيل سلب وقتل وشرد.. وحكاية الاستشهادي الذي أبى الا الصعود الى العلياء راسما بدمه فصول الحكاية.