قصة المهندس الشهيد البطل
"يحيىعياش"
لم يستطع "شمعون رومح" -أحد كبار العسكريين الصهاينة- أن يخفي إعجابه بيحيى عياش حين قال: "إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى روح مبادرة عالية وقدرة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع".. ولم يكن شمعون وحده هو المعجب بالرجل، لكن وسائل الإعلام الصهيونية كلها شاركته الإعجاب حتى لقبته: "الثعلب" و"الرجل ذو الألف وجه" و"العبقري"…
ولهم الحق في احترامه والخوف منه، فحين نزف الدم الفلسطيني بغزارة على أرض الحرم الإبراهيمي في خليل الرحمن، في الخامس عشر من رمضان المبارك 1414هـ، غلت الدماء في قلوب المسلمين في كل مكان.
لكن قلبًا واحدًا قرَّر أن يغلي بطريقة أخرى ومميزة، تلقن الحقد اليهودي درسًا لا يمكن نسيانه، كان ذلك قلب المهندس "يحيى عيَّاش" الذي أسَّس مدرسة ما زال طلابها يتخرجون فيها بتفوق على الرغم من غياب ناظرها!
قبل الكتائب.. حياة عادية وذكاء ملحوظ
وُلِد يحيى عيَّاش في نهايات مارس 1966، نشأ في قرية "رافات" بين نابلس وقلقيلية لعائلة متدينة تصفه بأنه حاد الذكاء، دقيق الحفظ، كثير الصمت، خجول هادئ.
بدأ يحفظ القرآن الكريم في السادسة من عمره، حصل في التوجيهي على معدل 92.8% -القسم العلمي، ليلتحق بجامعة بيرزيت- قسم الإلكترونيات، وظلَّ على حبه الأول للكيمياء التي أصبحت هوايته، أصبح أحد نشطاء الكتلة الإسلامية، وبعد تخرجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا، ورفضت سلطات الاحتلال طلبه، وعلق على ذلك "يعكوف بيرس" رئيس المخابرات قائلاً: "لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا بالإضافة إلى مليون دولار".
تزوَّج عيَّاش بعد تخرجه من ابنة عمته، ورزقه الله ولده البكر "البراء"،ثم "يحيى" قبل استشهاده بأسبوع تقريبًا (المزيد عن تفاصيل حياته والتحاقه بالكتائب)
القتل بالقتل.. هكذا العدل
بدأت عبقريته العسكرية تتجلى مع انطلاق شرارة الانتفاضة الأولى 1987م، كتب أبو البراء رسالة إلى كتائب الشهيد عزّ الدِّين القسَّام يوضح لهم فيها خطةً لمجاهدة اليهود عبر العمليات الاستشهادية، وأُعطي الضوء الأخضر، وأصبحت مهمة يحيى عيَّاش إعداد السيارات المفخخة والعبوات شديدة الانفجار.
ولكن الولادة الحقيقية للمهندس وعملياته العبقرية كانت إثر رصاصات باروخ جولدشتاين وهي تتفجر في رؤوس الساجدين في الحرم الإبراهيمي في رمضان عام 1994م.
ففي ذكرى الأربعين للمجزرة كان الرد الأول؛ حيث فجَّر الاستشهادي "رائد زكارنة" (عكاشة الاستشهاديين) حقيبة المهندس في مدينة العفولة؛ ليمزق معه ثمانية من الصهاينة ويصيب العشرات.
وبعد أسبوع تقريبًا فجَّر "عمار العمارنة" نفسه؛ لتسقط خمس جثث أخرى من القتلة.
وبعد أقل من شهر عجَّل جيش الاحتلال الانسحاب من غزة، ولكن في 19-10-94 انطلق الشهيد "صالح نزال" إلى شارع ديزنغوف في وسط تل أبيب ليحمل حقيبة المهندس ويفجرها ويقتل معه اثنين وعشرين صهيونيًّا.
وتتوالى صفوف الاستشهاديين لتبلغ خسائر العدو في عمليات المهندس عياش في تلك الفترة 76 صهيونيًّا، و400 جريح.
عذابات من أجل اللقاء
تعتبر فترات الملاحقة في حياة الشهيد من الفترات المجهولة في حياة فارسنا؛ فمنذ 25 أبريل 1993م عرفت مخابرات العدو اسم عيَّاش كمهندس العبوات المتفجرة، والسيارات المفخخة التي أقضت مضاجع العدو، وتروي زوجته "أسرار" ملاحقة جيش الاحتلال لأسرة المهندس.
قالت زوجته: "مكثت في بيت عمي في بداية فترة مطاردة يحيى متخفية عن أنظار الجيران حتى إذا ذهبت لزيارته لا يشك بذلك أحد، وقبل ذهابي إلى غزة أرسل إليَّ يحيى رسالة مكتوبة بخط يده الذي أميزه بين آلاف الخطوط يستشيرني في إمكانية مغادرتي الضفة الغربية، وتشاورت في الأمر مع والد زوجي، وقررت الذهاب إلى زوجي، ثم اصطحبني أحد الإخوة المجاهدين عن طريق كلمة سر قالها لي لا يعرفها أحد سواي أنا ويحيى، فاصطحبني الشاب ووالدة يحيي وابني البراء، وكان الشاب يحمل معه العديد من البطاقات الشخصية المزيفة ليسهّل علينا دخول الحواجز".